الاثنين، 11 نوفمبر 2013

الشيء المُعتاد

مؤخراً، بدأت محاولات مضنية لابتذال كل شيء مهما بدا عظيماً أو مؤثراً، كل شيء بدأ يتجه إلى الرخص والإسفاف في مخيلتي وإن لم يفعل أجره إليهم جرَّاً، أحس نفسي كالذي يسحب كل الأشياء الجميلة إلى حافة القبح رغماً عنها بكل سعادة وشر وتهور وجنون. لقد انهارت الصخرة التي كانت تحافظ على تماسك سد الرقي، بدأ عصر الانحطاط والضياع، لا معنى للاشياء ولا هدف ولا مبرر للرغبات الحقيقية.

الحب المبتذل أكثر إمتاعاً وجمالاً مما يبدو عليه، تكرار العبارات الركيكة المملة شيء ساحر فعلاً، الإنهماك في التصنع يخلق في النفس حالة من اعتياد التكرار والتآلف معاه، التناغم مع رخص هذا العالم وعشوائيته وحقارته وابتذاله يجعلك أقرب للطبيعة، فإطارات المرايا والصالونات المذهبة والملاعق الفضية تتلاشى ضعةً وتهالكاً أمام الكراسي الدوَّارة والملاعق البلاستيكية، في قلب كل ما هو بسيط وتافه تنتظرك السعادة.

فكلما كانت الاشياء أكثر ابتذالاً كلما كان التخلي عنها أكثر سهولةً وأقل دراميةً وحزناً. يمكنني إنهاء علاقة رخيصة بسرعة، عكس العلاقات القوية والمتشابكة المتوحشة التي تسفك الدماء وتقطع الرقاب وتهلك جدران الشرايين. الأطعمة السريعة تمنح الجسم ما يحتاجه من طاقة بسرعة وهدوء وبدون ضجة أو افتعال، لا تكذب عليك مدعيةً العظمة ولا تقدم نفسها في أطباق ذهبية، بعكس الأطعمة المنزلية المغرورة المدَّعية التي لا تقدم في النهاية إلا قليل من الطعم الجيد وكثير من الكلام الفارغ.

يجب أن نعلم ابناءنا الابتذال، أن لا يتركوا الاشياء تتعاظم أمام أعينهم دون أن يكسروها، لا يتركوا الحكام يتضخموا وينتفخوا كي يتحولوا إلى ديكتاتورات غاشمين .. إذا ابتذلنا الحاكم مبكراً فلا مجال لنشوء الطاغية. وكذا لو ابتذلنا الحبيب العشيق فلا مجال للمزيد المتزايد من الألم الغير مبرر، يجب أن تخضع كل الأمور للسخرية والترخيص والتهوين وإطلاق النكات والشتائم حتى تفقد معناها الحقيقي والجوهري فلا تصبح بعد ذالك إلا غطاءاً كرتونياً.

في القاع يبدو كل شيء جميلاً بصدق أو قبيحاً بصدق، لا شيء يكذب أبداً، في القاع يمكنك رؤية القمة بوضوح، استكشاف ملامح ضعفها وقوتها بكل حيادية وموضوعية دونما تهويل أو تهوين. في القاع يتساوى الجميع ولا يتعالى أحدهم على الآخر، في القاع تنظر لمن في القمة نظرة إشفاق وسخرية ولا ترى فيهم إلا هياكل فارغة. بينما أهل القاع ساكنون مطمئنون إلى أنفسهم يعلمون جيداً أن أحداً لن يسلب منهم ابتذالهم.

الرخص والإسفاف


الأحد، 22 سبتمبر 2013

تشابه عليهم

عندما طلب النبي موسى من أتباعه أن يذبحوا بقرة، وقع القوم في معضلة وهمية وهي "مواصفات البقرة"؛ فعادوا إلى نبيهم حائرين قائلين أن البقر تشابه عليهم، فأخذ يفصل لهم أوصافها حتى شق عليهم، وعاتبهم الله ورسوله فيما بعد وعاقبهم بكثرة سؤالهم، وربما تكون كثرة الأسئلة تلك هي التي جعلت أمة اليهود تصل إلى ما هي عليه اليوم من التقدم العلمي والتقني والعسكري والفكري، ذالك أن الأسئلة تنشط الذهن وتثيره.

صحيح أن هناك دراسات أنثروبولوجية تكاد تثبت ـ شيئاً ـ أن اليهود الحاليين ليسوا فعلاً من نسل اليهود السابقين الذين طردهم فرعون وسباهم نبوخذ نصر وإنما هم نسل بعض القبائل التترية التي تهودت، لكن الموضوع ليس مهماً، لطالما اعتبرتُ علوم الأنساب والأعراق شيئاً رومانتيكياً لا علاقة له بالواقع ولا يمكن استخدامه في إطار منهج علمي أو استدلالي، وواقع الأمر أن اسرائيل اليوم هي أكثر بلاد العالم "تساؤلاً" لو جعلنا التساؤل مقياساً للتقدم والعكس، وهو حقيقي أنه كلما كان المرء فضولياً في المعمل كان أكثر انتاجاً وإبداعاً، وكلما كان أكثر قناعةً ورضى كلما تناقص انتاجه واضمحل ابداعه. وعليه فإن بلاد العرب هي أقل الأوطان تساؤلاً وأكثرها قناعةً وقدرةً على رد الأمور للغيبيات، وعندما تُردُّ الأمور للغيب فقد انتهى أمرها تماماُ.

إذاً فالموضوع مُثبت في نص تاريخي "القرآن" أن الشعب الاسرائيلي فضولي بطبعه، والشعب العربي يتأرجح بين نصين لا يُعلمُ تحديداً أيهما يقدر على الآخر، أولاهما : "اقرأ" التي قيلت لمؤسس دولة العرب القديمة والحديثة رسول الله، وثانية النصوص : "لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبدَ لكُم تسؤكم" التي وُجّهَت للأمة بأكملها، وصحيحٌ أن القرآن "حمَّال أوجه" ولا ينبغي حشر نصوصه وتحميلها دلالات رجعية كتلك التي تجعل آية "لا تسألوا .." صادمة حاسمة مانعة قاطعة لكل الأسئلة؛ لكن واقع الأمر أن الأمر لم يكن يحتاجُ سوء التأويل ـ الذي وإن كان أدى دوراً فإنه كان مبنياً على قاعدة مستعدة لذالك ـ لأن العرب بطبيعتهم مشبعين بالقناعة والرضا والامتلاء بالفراغ والتشبع به، البيئة الفقيرة وقلة الأحداث المهمة تجعل البشر تافهين ومحطمين وأقل ميلاً للتقدم، ذالك التحطم وتلك التفاهة التي تجعلهم يتقاتلون على سهم أصاب ناقة فيستمر القتال أربعين عاماً.

العرب حديثاً هم العرب قديماً، واليهود حديثاً هم اليهود قديماً، لكن وجه العالم تغير، فاليهودي الذكي الضعيف جسدياً الذي كان معرضاُ للاضطهاد والسبي والذبح على الهوية قديماً من عربي قوي غشيم أصبح اليوم قادراً على تكوين لوبي قوي ودولة قوية يدعمها العالم القادر ـ حيث أن العالم عالَمين؛ قادر وعاجز ـ تستطيع اضطهاد وسبي وذبح الآخر وتفعل ذالك ما استطاعت إليه سبيلا.

ونحن كما نحن، جبناء وضعفاء ونلجأ بالنصوص كي تحمينا من التساؤل، ينقصنا الفضول، نحتاج إلى بعض الشجاعة لرفع الأيدي وطرح الأسئلة على الآخرين وعلى الذات، نحتاج إلى مواجهة كل نصوصنا القديمة والحديثة بعقلية فضولية، وإلا فلو استمرينا على تلك الوتيرة فسنندثر حتماً.

الأحد، 8 سبتمبر 2013

الشيء الخيالي

صباح الخير؛ لقد عقدت العزم على شيء لم أعتقد يوماً أني فاعله، قررت أن أصارحكِ بالحقيقة المرة: "أنت لستِ حقيقية يا مريم، أنت من وهج خيالي". لا تتساقطي كالثلج من فرط الصدمة، تماسكي، هناك مميزات كثيرة في أن يكون المرء وهميَّاً. صدقيني كل الأشخاص الحقيقيين يودون لو كانوا خيالاً، لو كانوا امرأةً جميلة تُكتب فيها القصائد، الحقيقيون ضائعون يا مريم، الحقيقة ابتلاء، وأن يكون المرء حقيقياً فتلك وجيعة.

أن يكون المرء من لحم ودم؛ تلك كارثة حقيقية، أن تكون مضطراً للاستيقاظ كل يوم، للنوم كل يوم، للكلام والصمت والقراءة والكتابة والحزن والسعادة، أن تغمرك المشاعر وتغتالك، أن تفقد كل يوم شيئاً جديداً تتمنى لو لم تمتلكه يوماً، أن تكون حقيقياً لدرجة الألم، تلك مصيبة يا مريم، لقد صنعتك من خيالي واصطفيت لكِ اسماً، لكن هذا لا يجعلك حقيقية، حتى أكثر الخيالات اقتراباً من الواقع ليست إلا خيالات.

لقد وضعتك في الخيال يا صغيرتي لأن عالم الحقيقة موجع، ومزيف، وضعيف، حاولت يوماً أن أجعل لك جسداً تستقرين فيه؛ لكن كل جواري الشرق ليست فيهن من تستحق، وكل آلات الغرب الرخيصات ليست فيهن من تستحق، ليس في عالم الحقيقة من يستحق أن تستقر به روح الخيال، كوني كما أنتِ ولا تحاولي التحقق في الواقع، أرجوكِ لا تظهري أمامي يوماً لتقولي "ها أنا ذي مريَمَك"، سأموت يا مريم لو خرجت من خيالي إلى أمام عيني، ستنهار قناعاتي، كوني حيث أطمئن عليكِ يا مُقدَّسَتي؛ في خيالي، والسلام.

22-8-2013

10.45ص

الخميس، 8 أغسطس 2013

أبوالطيب المتنبى

أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفى أبوالطيب الكندى ، شهرته أبوالطيب المتنبى ، التصق به اللقب بعد أن قيل عنه إدّعاءُه النبوة ، يتحدث كثيرون عن نسبه العريق الضارب فى أشرف الأصول ، وهو ما لم يؤكده المتنبى فى حياته أبداً بل حرص على جعله سراً غامضاً وإن لمح له فى بعض المرات ، مثلاً عندما قال :

 "سيعلمُ الجمعُ ممن ضمَّ مجلسنا .. بأننى خيرُ من تسعى بهِ قدمُ"

ويذهب البعض إلى نسبته لأهل العترة الشريفة من نسل الرسول الكريم ، وربما كان فى ذالك بعض المغالاة من مُحبّى الشاعر الفذ . ولد فى الكوفة بعد الهجرة النبوية بثلاثة قرون ؛ وأتى ليجد الأرض مهيأةً تماماً لإستقبال الشاعر الفاتح ، العرب متفرقون ، كل أمير مستقل بدولته يبحث عن من يكتب اسمه فى كتاب التاريخ ، التنافس على الشعراء فى أشده ، والتنافس بين الشعراء على أشده ، نظم أحمد بن الحسين المتنبى شعراً وهو بعد لم يبلغ أشده ، فكتب أول ما كتب وهو فى التاسعة من عمره .

المرأة التى أنجبت شاعر العرب ، ماتت فى طفولته ، فلم تترك أثراً يُذكر فى مخيلته ؛ ربته جدته لأمه . وبدأت حياته الأدبية الإحترافية بشكل مبكر عندما رحل فى الثانية عشرة من عمره إلى بادية السماوة ليدرس اللغة العربية بين أهليها ، وكانت عادة أشراف العرب أن يرسلوا أبنائهم لأهل المدر "البادية" ليتعلموا الفصحى التى لم تخالطها لكنة الفرس ولا الروم ، وبعدها بعامين اتجه إلى عاصمة الزخم الثقافى العربى فى هذا الوقت ، مقر الخلافة وأصل الأفكار والملل والإتجاهات الأدبية والفلسفية ؛ بغداد . مكث فيها عاماً حتى أتم الخامسة عشرة ، ثم بدأ التنقل الذى استمر حتى نهاية حياته ، فتقاذفته المدن العربية ، حتى لتكاد تشعر أنه انتمى إليها جميعاً ، رضع من كل أثداء العرب ، شرب من كل آبار العرب ، احتضنته دمشق ومصر وحلب وكثير من مدن الشام ، اختلط بالأعراب وعاش معهم واختلط بالمنعمين فى القصور وأصبح منهم ، تشرّد وتصعلك وتأمّر وتنعّم ، أصبح حكيماً من فرط التجارب ، وجرّب السجن .

وعن سجن المتنبى ، يمكننا أن نحكى كثيراً ، ويمكننا أن نستمع لمؤرخين كثر تضاربت أقوالهم ، لكن الأرجح ـ ما أرجحه أنا ـ هو أن الحكام شعروا بخطر الرجل وإتساع أفق طموحه وإمتداد مخيلته إلى سلطانهم وعروشهم ، فلفقوا له تهمة إدعاء النبوة ، وفى ظنى أنها تهمة باطلة كل البطلان ، وعندى فى ذالك إدعاءات ، أقول مثلاً أن المتنبى العاقل الرزين العالم الرحالة المتبحّر فى فهم الطبيعة العربية ، العالم ببطش حكام العرب وسيطرة الفقهاء على عروشهم ، لم يكن ليخاطر بإدعاء النبوة ، وجُل ما ينسب إليه من أقوال فى هذا الجانب  ليس لها تحقيق تاريخى يمكننا أن نثق به ، ربما قال الرجل أن مقامه كمقام المسيح بين اليهود ، وفى هذا تعظيم للذات وإحتقار للمحيطين ، أليس هذا الشعور هو أحد أركان شخصية الرجل أصلاً ؟ ما الجديد إذاً ؟! ، وهناك بعض الأبيات التى تُنسب إليه منها :

أى مجال أرتقى .. أى عظيم أتقى

وكل ما خلق الله .. وما لم يخلقِ

مُحتقرٌ فى همتى .. كشعرة فى مفرقى

حسناً ولو افترضنا أنه قال تلكم الأبيات ، أو قال أكثر منها ، أين إدعاء النبوة ؟ .. ويجب أن نلحظ شيئاً هاماً ، المتنبى لم يكن كذاباً أو أفاقاً ، لقد كان عربيّاً اصيلاً عاش فى البادية وتربى فى بيوت الشرف ، حتى أنه لم يُطق النفاق الإجتماعى السائد فى عصره والذى كان مصدر عيش الشعراء ، فما مدح سيف الدولة إلا لأنه أراد مدحة ، وعندما اكتشف شخصية كافور الحقيقية هجاه بأشد الكلمات وأقذعها ، بينما لم ينقلب بنفس الشكل على سيف الدولة عندما فرق بينهما الوشاة ، إذاً فلم يكن الرجل قبيحاً أو كذّاباَ ، ولا يليق أن ننسب إلى عقله أو أخلاقه إدعاء النبوة ، لكنهُ على كل حال جرّب السجن بتهمة التنبؤ ، ألقاه فيه لؤلؤة والى حمص من قبل الإخشيد ، ثم أخرجه منه بعد أن انكسرت فى نفس الشاعر أشياء ، وتكوّنت أشياء ، خرج أقل ميلاً للخلود الوقتى وأكثر عزماً على الخلود الأبدى .

وكما أن السجن محطة جعلت الشاعر يستفيد من نفسه ، ويختلى بشخصيته القويّة ويتعلم منها ، فهناك محطة أخرى سبقتها مكّنته من تكوين هذة الشخصية وصقل فلسفتها ؛ أبوالفضل الكوفى  وهو أحد الشخصيات الفلسفية البارزة فى عصر نشأة المتنبى ، وأول من هداه إلى كتب الفلسفة اليونانية كما أشار أدونيس فى كتابه "الكتاب"  وبالطبع كان المتنبى على إلمام واسع بهذة الفلسفات ، ويظهر ذالك جليّاً فى كتاباته عن الحكمة .

وللشاعر أيدى طوال فى المديح ، ورفع القامات وخلق البطولات لممدوحيه ، حتى أنه خلق لسيف الدولة الحمدانى أسطورة متكاملة من البطولات تم نسجها من أبيات المتنبى ، ولا يسجل التاريخ لسيف الدولة إلا أنه كان أحد الأمراء الكثيرين فى تلك الفترة ، لكن ما يورده المتنبى فى أشعاره يحكى أمجاداً عريضة وصفات نبيلة ، وتُجمع القصائد التى كتبها عن سيف الدولة تحت اسم "السيفيات" ؛ ومنها :

"لكل امرئ من دهره ما تعودا .. وعادة سيف الدولة الطعن فى العدى

وإن كان الشاعر كما يرفع يضع ، فإن المتنبى امتاز بنبل الأخلاق من هذة الناحية ، فلم ينقلب على سيف الدولة إنقلاباً تاماً عندما أدار له الأمير قلبه ، فعاتبه عتاباً رقيقاً وهو يرحل عنه ، عكس ما فعله مع كافور الإخشيدى مثلاً الذى سارع المتنبى إلى هجاءه والتعريض بأصله كعبد مملوك ، مما يدل على أن علاقة سيف الدولة بشخص المتنبى كانت قائمة على الإحترام والتقدير وليست كعلاقة أى أمير بشاعر ما فى بلاطه

وفى الهجاء ، أطلق أسهماً نافذات ، خلقت له المزيد والمزيد من الأعداء ، وبشكل خاص كان يضيق ذرعاً بالشعراء المنافسين له ، ويراهم من الإنحطاط بمكان حتى أن مقارنته بهم لا تصح ، فقال مثلاً :

"أفى كل يومِ أٌبتلى بشويعرِ .. ضعيف يقاومنى قصير يطاول"

وقال فى أحد الأدعياء ، متهماً إياه بأنه استسهل الهجاء لضعف موهبته ، لكن حتى الهجاء هو صعب على من مثله

"صغرت على المديح فقلت أهجى .. كأنك ما صغرت عن الهجاء"

وعن الفكر العقائدى للشاعر ، يمكننا القول أن فلسفة المتنبى ، وحكمته ، ونشأته ، وطموحاته وأشعاره وتقلبات الزمن عليه ، كل هذا الخليط شكّل العقيدة الدينية للمتنبى ، وهذة العقيدة المشكوك فيها تتراوح فى أكثر الآراء تطرفّاً إلى الكفر الصريح وإدعاء النبوة ، وفى أكثرها تساهلاً إلى الورع والتقوى، وما بينهما يُقال عن المتنبى أنه أحد دعاة الحركة القرمطية "فرقة منشقة عن الشيعة الفاطميين" ، وهو رأى لا يمكن إغفاله لأنه ورد من ناحية الدكتور طه حسين . والثابت أنه كان شيعيّاً على الأقل ، ويُقال أيضاً أنه كان أحد دعاة المذاهب الباطنية ، وكان ذا شأن فى هذة الدعوة حتى كان يُلقّب بالإمام وله مريدين كُثُر . لكن على أى حال ؛ لم يكن المتنبى محتاجاً لمريدين يتخذون منه إماماً دينيّاً ، فقد كان إمام الشعراء ، وغاية أى بلاط ملكى أن يحظى بشاعر مثله ، وكان إمام عظماء الأدب العربى بلا شريك . هذا الرجل الذى قاتل الجميع وانتصر ، كان فى زمن سباق محموم تجاه الخلود ، سبقهم جميعاً ، فلم يُذكر سواه ، ومن ذُكروا كان لأنهم محظوظين لدرجة تلاقى نقطة من حياتهم مع حياة المتنبى ، حتى سيف الدولة الحمدانى الأمير المُنعّم لم يُذكر اسمه فى التاريخ إلا لأن المتنبى أراد لهُ ذالك .

وبكل هذا يمكن إعتبار المتنبى هو الصورة المُكبّرة والمُركّزة للإنسان العربى ، بكل ما فيه من كبرياء وشعور بالذات ، بكل ما فى جيناته من ترحال وطموح ، وما يحمله من تقلبات نفسيّة ، وربما كان هذا هو ما كفل للشاعر خلوده الذى لا يُضاهى ، فهو يستمد طاقة الإستمرار من طاقة وجود العرب أصلاً ، فهو رجلهم الذى نصّبوه شاعرهم ، ومنصب الشاعر عند العرب يعنى الكثير ، فهو مرآتهم وسفيرهم ، إحساسهم وكلمتهم .

قُتل الشاعر المُعجِز فى حادثة لا تقل غموضاً عن مكامن عظمته ، يُقال أن من قتله هو فاتك الأسدى خال ضبة الأسدى الذى كان المتنبى قد هجاه من قَبل ، وتورد فى ذالك قصة البيت الذى قتل صاحبه ، حيث يُحكى أنه أراد الهرب فقال له ابنه "ألست القائل : الخيل والليل والبيداء تعرفنى والسيف والرمح والقرطاس والقلم ؟" ، فقال له المتنبى "قتلتنى قتلك الله" وصمد حتى أطاحت به ضربة سيف . ويعتقد آخرون أن دولة بنى بويه التى سبق أن مَدَحَ حاكمها عضد الدولة البويهى ؛ قد دبرت إغتياله للتخلص من كتلة الطموح التى تمشى على قدمين هذة ، وتنتهى حياة الجسد وتبدأ رحلة الخلود ، ولا أعتقد أنها ستنتهى أبداً .

الأحد، 28 يوليو 2013

مَعَادة

أتدرين* يا أمل، مات مبتسماً، ربما واتته السعادة، أبعد كل هذا الحزن يموت سعيداً، أتراه مات سعيداً يا أمل؟، وهل يسعد الأشقياء، وهل يسعد الفقراء، المرضى، قليلوا الحيلة؟،ربما هي ملهاة ألقاها الله لنا كي ننسى بؤس الحياة بابتسامة باهتة نراها على وجوه موتانا.

كان أبوكِ وسيماً قسيماً، قويَّاً نديَّاً، لهذا اختارته مصفاة الموت الدقيقة، الموت لا يختار قليلي الأهمية والحثالة بل يعمد إلى أزاهر البساتين فيقطفها، أواه يا أملي، أراه أمام عيني راقداً يُقاتل المرض، فتصرعه الغيبوبة تارة ويظفر بالإفاقة تارة، وبين هذا وذاك يأن في سكون ويتوجع في غير صوت، لكني كنت أشعر به وأسمعه وأراه وأتلمسه بيدي كلما فارق الوعي، كنت أدرك أني سأفقده لابد من ذالك. لكنَّ شيئاً ما بداخلي كان ينهرني قاسياً كلما ذكرت نفسي بالمصير الأسود. قومي يا أمل فدفئي سرير أبيك، استلقي فيه يا صغيرتي، يا شبيهة قلبي الذي رحل، تدثري وتناثري على أطراف السرير، امنحيني شعوراً زائفاً بالحياة يا ابنتي.

الله كريم؛ ربما أراد الله شيئاً ما نعجز عن إدراكه يا أمي.

ولماذا لا يخبرنا الله بمسعاه يا أمل؟

استغفري الله يا أمي.

لن استغفره.

استغفروا الله لي ولكِ يا أمي المتوجعة، يا أمي الضعيفة.

أنا لست ضعيفة يا ابنتي ولم أكن كذالك يوماً، التقيت بأبيكِ منذ عشرين عاماً وكنت قوية، وتزوجنا فأمددني بقوة من عنده، حتى عندما سقط بين فكي المرض العياء لم تُنزع عني قوَّتي أبداً، لكن ألا يحزن الأقوياء؟

بلى؛ الكل يحزن يا أمي، لكن تماسكي هداكِ الله؛ أما ترين الحياة ماشية، والأرض راسية، الدنيا لا تقف على أحد يا أمي، احزني لكن كالصفصافة تلك القائمة على باب دارنا، لقد افتقدت أبي فلم تسقط أوراقها ولم تتكسر فروعها ولم تتشقق جذورها، بل حزنت بقلبها الخشبي، احزني بقلب خشبي يا أمي فالحياة قاسية.
____

* المَعَادة هي المناحة أو الجنازة العظيمة، وكانت تستخدم قديماً في الصعيد لوصف الجنازات الهائلة التي تستمر أسبوعاً أو أكثر عند موت شاب أو رجل ذي شأن، وهذا النص مقدمة مبتورة لقصة قصيرة ـ أو ربما رواية ـ لم أُكملها.

الجمعة، 26 يوليو 2013

خيانة

مساء الخير يا رفيق، أحزنني اغتيالك المُروَّع على يدي جارية وضيعة من جواري المدرجات، ألم أقل لك لا تنخدع بجواري المدرجات؟، إنهن رخيصات كالخرز وتافهات كالتراب ولامعات كالتبر ووضيعات ليس لهن في الوضاعة مثيل. لكن ما حدث قد حدث، وقدر الله وما شاء فعل، إلى آخر هذه العبارات التي لا تُغني ولا تُثري؛ أما بعد.

أذكر حين سألتك عن لقائكم الأول؛ فأجبت بأنك تُفضّل الاحتفاظ بسرك كي يبقى قويَّاً نديَّاً، يومها قررت أن أتركك للتجربة تستنزفك حتى النهاية، كان يجب لتلك البراءة المطلقة أن تُستنزف للنهاية، وهذا الصمت والاستغراق في الأفكار الجميلة عن فتاة هادئة وديعة لا تكذب أبداً، وهذا التسامح مع جواري الشرق اللاتي لا يفهمن سوى لغة الكرباج، كان يجب أن تمر بتجربة عنيفة تعصرك عصراً فتسَّاقط منك خطايا الماضي، وتُنقَّى من سذاجتك.

أخدعتك؟، أأطلقت عليك أكاذيبها الكثيرة فالتف حول عنقك الضعيف فاختنقت يا صغيري؟، أأوجعتك الخطايا وصُدمت بحسن ظنك؟، لا تقلق، فسيحدث لك هذا كثيراً، كما وأنك ستسبب هذا الشعور لآخرين أيضاً، فلسنا ملائكة ولست أنت ملاكاً وهي ليست شيطاناً؛ لكنها نسبية الأخلاق.

في البداية؛ لا أريد منك، ولا أتوقع منك، أن تولول كالحريم وتندب كالولايا، بل كُن كما عهدتك رجلاً؛ واقتلها، الحياة صعبة يا صغيري ولا تترك للضعفاء مكاناً إلا على قارعة الطريق يتسولون الحب ويستجدون المشاعر، سنتفق على خطة القتل لاحقاً فلا تقلق. لكن الآن يجب أن تتذكر قواعد المعركة وأساسيات الخلاص النهائي، لا تجعل الأمور تنتهي ما لم تحسمها لصالحك، لا تواجهها بحقارتها وتبكي كالأطفال، الرجال الحقيقيون لا يبكون كالأطفال، انتظر حتى تجذبها إلى الهاوية، إلى المنحدر.

تعامل كصعيدي حقيقي، نحن لا نضرب النساء يا صديقي؛ بل نقتلهن مباشرةً، نحنُ لا نرفع أيدينا على النساء، بل نتسبب لهن في الوجع الحقيقي ونستمتع بصرخاتهن المدوية من فرط الألم جزاءاً وفاقا. اقرأ عنهن في كتب علم النفس يا أحمد، علم نفس الجواري، لقد أرادت الوضيعة أن تستغل مستواك الاجتماعي ورُقيَّك ووسامتك، فتسلقت على كتفيك كى تُرى بين أحضان أرقى طلاب القسم، أنت لا تُدرك أنك أرقى طلاب القسم رغم أن الجميع يعلمون هذا، انظر حولك وابتسم يا ابن العائلات، الجميع هناك متهالكون ضعفاء، وهي أرادت لها زوجاً وسيماً ثرياً على عادة جواري هذا الوطن؛ فاختارتك وألقت أكاذيبها الكثيرة من حولك، استغلت براءة وجهها وضعفك الغريب أمام الوجوه البريئة فأغرتك واستنزفتك.

أنت الآن تعلم خطتها، وكشف تكتيكات الخصم نصف الانتصار، هي تريد زوجاً ثرياً وسيماً محترماً كي تستمد منه احتراماً تفتقده في قلبها لذاتها، إذاً فليكن، اجعلها تهلك في مسعاها وتختنق في رغباتها، قد وجدتك سهلاً فكُن ممتنعاً، لحوم الأذكياء مسمومة وانت فائق الذكاء وكلانا يعلم هذا، اجعلها تدور تدور في حلقات مفرغة من حولك، سنتناول خطوات الاستنزاف البطيء في وقتها، لكني أعدك بشرفي وشرفك أنها لن تستمتع بالعامين القادمين من حياتها.

الآن اهدأ وتعامل بطبيعتك ولا تقفل الطريق، الفراغ القاتل ضار بالصحة فاستمتع بهذه التسلية التي هبطت عليك من السماء، لديك الآن مبرر منطقي وأخلاقي كي تتسلى بمشاعرها دونما أي احساس بالذنب، أمامك مشاعر فتاة واثقة من نفسها بشكل مفرط وتتعامل معك كأنها امتلكت وتثق في اخلاصك بشكل تام، ولديك مشاعر غضب وانتقام يكفيان لقصف سور الصين، اقصفها بهدوء، تجربة موفقة يا صديقي؛ استمتع.


تحديث بتاريخ 4-9-2013 : لقد تحقق العدل، أي خدمة يا رفيق، احترس في المرات القادمة.

الأربعاء، 24 يوليو 2013

بكرة بيخلص هالكابوس

لا أستطيع التوقف عن الاستماع لأغنية "يوماً ما" لجوليا بطرس، رغم أني لم أكُ أعرف من هي جوليا بطرس، ولم أستمع لها يوماً من قبل أن تلقاني بالصدفة على أحد المواقع الموسيقية، لكن هذه الأغنية بالذات تصيبني بالارتياح الغير مُبرر، والأمل الغير مفهوم.



والارتياح يا صديقي هو أصل كل المشاعر الجيدة، ومنبعها، وقوتها الخفية، فلا يمكنك أن تكون سعيداً إن لم يغمرك الارتياح، ولن تبتسم بصدق ما لم تكُن مرتاحاً. وككل الأشياء الجيدة في عالمنا فإن الارتياح حالة نادرة الحدوث جداً، جداً، تلك الندرة القاسية التي تجعلك تنتفض مُستثاراً عندما يلامسك الشعور، ثم تحاول أن تهدأ حتى لا تفلت منه مثقال ذرة. والأمل يا صديقي هو ابن الارتياح الأثير، وصديقه المقرب، ونتيجته الحتمية، أن تأمل في يوم أجمل؛ أن ترى الماضي الوقح عادياً وعادلاً فتغفر له، وترى مستقبلاً أجمل وأزهى.

الجمعة، 5 يوليو 2013

بين الروايات


الرواية الأولى

إنها السادسة صباحاً، لم أكتب حرفاً في المدونة مُنذُ ثلاثة أسابيع تقريباً، لكني الآن أشتهي الكتابة، بداخلي مشاعر كثيرة وأفكار متداخلة، أُريد ـ بوضوح وصراحة ـ أن أتحدث عن نفسي.

حدّث رجُلاً عن نفسه سيستمع لك إلى الأبد ـــ فولتير

أمضيتُ ثلاثة ساعات مُتَّصلة في تصفح رسائل الدردشة القديمة بيني وبينها، لا أدري لماذا تتفاقم لديَّ كُل يوم عادة تصفح الشات هيستوري أكثر فأكثر، 14 ألف رسالة دردشة مع حسابها القديم، و16 ألف رسالة مع حسابها الجديد، فضلاً عن رسائل الياهو التي فُقدت، لقد كان الأمر عميقاً ما يكفي لكل شيء، لكنه لم يكفيني كي أُدرك أنَّهُ لن يستمر طويلاً.

بين الرسائل أرى عبارات قُلتها في لحظة تفاؤل، كانت في قلبي شعلة من الأمل بدأت تخبو مع الوقت، وتم تتويجها بانهزام مُروّع استمر صداه ـ صداهُ فقط ـ سبعة شهور كاملة، مع أن العلاقة نفسها لم تستمر، في توهجها، سوى خمسة أشهر، اللامنطقيون يحتلون المدينة.

أعتقد أن بعض العلاقات يجدر بها أن تستمر كذكرى جميلة، هذا أفضل بكثير من استمرارها كواقع مضطرب، لكن أن تستمر كذكرى مُضطربة فهذا يجمع أسوأ ما في الأمرين. أمس أغلقت خط الهاتف بكل عنف وقلة ذوق في وجه فتاة جميلة ليس لها ذنب إلا أني أردتها أن تتحدث مثل مريم، أردت أن أسمع في صوتها العادي نفس تردد أنفاس مريم، حاولت أن أجعلها تتحدث أسرع قليلاً وتضحك بين الكلمات وتقول لي "يا عُمَر" بتلقائية، لكنها استمرت في كلماتها المُتكسرة وهدوئها وإيروتيكيتها. إنها تتعامل مع شخص مُضطرب، عليها أن تتحمل النتائج، وكان من النتائج أن طلبت منها أن تجعل بشرتها أكثر سَماراً، كادت الفتاة تُجن، السائد في مصر أن تتجه الفتيات إلى جعل بشرتهن أكثر بياضاً، أنا لا أهتم، لم تستطعْ أن تُدرك طلبي الغريب، رَفَضَته، فامتنعت عن النظر بوجهها.

ليس من حقي أن أرفض النظر بوجهها لمجرد رغبتها في ألَّا تكون نسخة من أحد، كما أنها جميلة أصلاً ، أشعر بالذنب كلما تذكرت ذالك، أشعر أني أُحرق جمالها. لم أهتم يوماً بمستوى وسامتي، أدركتُ مُبكَّراً أن جاذبية الرجل تتوقف كثيراً على عوامل أخرى بعيدة عن الوسامة، لكني اليوم أشعر ـ ويخنقني شعوري ـ بالتمنّي لو كُنتُ وسيماً، لو كانت لديَّ تلك الجاذبية التي تجعل الأشياء تقترب لا إراديَّاً، لم يعد تكرار البيت الشهير " ولست وسيماً ولكنني أكونُ وسيماً وأنتي معي" يُرضيني، قيل لي يوماً أنني كسرٌ للقاعدة، وأني ـ رغم عاديَّتي ـ أُعدُّ جذَّاباً، لكنها كانت مجاملات في لحظة وداع من شخص أراد أن يحشد في ذاكرتي أكبر كم مُمكن من الكلام الجميل، قالت كلاماً جميلاً كثيراً كاذباً، أسعدتني بكذبها، مجرد شعور أنا شخصاً ما يُريدُ إسعادك، هذا حَدَث مُثير للسعادة.

وعلى سياق آخر، لا أدري لماذا تركتُ في وجدان مريم شعور عميق بالأمومة، تقولُ أن لدي كَم من الطفولية يُثير مشاعر الأمومة في أي فتاة، آحا إذاً، لا أُريد أن أكون طفلاً في حيث يجب أن أحتل موضعي كرجُل، لا يجب أن يُقال لي "أنت طفلي أو تلميذي أو صديقي الصغير"، أستحق على الأقل لقب "صديقي" بدون الصغير هذه، عموماً هذه العبارة لم تقلها مريم الأصلية، بل النُسخة الناضجة منها.


الرواية الثانية

هُناك بعض الأشخاص الذين يجب أن نمنحهم مشاعر الإعجاب عن بُعد فقط، لأنَّ الاقتراب منهم يكشف أشياءَ تجعلهم مُنفّرين وتجعلنا نادمين على منحهم تلك المشاعر، مثلاً تلك التي كتبت عن رغبتي فيها تدوينة سابقة، وكُنت أعتقد حتى وقت قريب أنها لا تعلم بأمر هذه  التدوينة، ثُم عرفتُ أنها تعرف عنها كُل شيء، كاشفتها وتقاربنا قليلاً، لكني وجدتُ أمامي شخصاً غريباً بحق، ألا ليتني استئنستُ بخيالي. الشخصية التي كانت في خيالي بعنفها وقوتها وصلابتها وذكاءها وتفردها وانطلاقها، وجدتها أمامي واقعاً هشَّاً مُتَثَاقفاً مُدَّعياً يرفض تطوير نفسه ويُقابل دعوات التطوير بجمود كالبدو، ألقيت لها آخر كلماتي برسالة ستقرؤها لاحقاً محتواها وداع ووعد بأني سأكتب عنها لو اشتقت إليها، لكني لم أُقاوم شهوة توجيه الرسائل الجارحة عبر المُدوَّنة، في الواقع أنا لا أشتاق إليكِ يا رماد، وهذا هو اسمك الحركي  بعد اليوم، أنا فقط أشعر بالندم لأني انصعت وراء رغبتي في استكشافك، الأمل في تغييرك معدوم، ستبقين بغضبك الغير مبرر على المُجتمع ورفضك لإعادة هيكلة هذا الغضب، سيبقى انتمائك القوي إلى طبقة المُتثاقفين الهشة، ستكرهينني بعد هذه الكلمات، ليس فقط لأني أستحق الكراهية، وليس لأني أُريدك أن تكرهيني، لكن لأنك لا تملكين إلا المشاعر السلبية توزعينها هُنا وهُناك، لا تستطيعين منح الحُب الصافي، أنا أُشكك ـ بوضوح وصراحة ـ في كُل ادعاءاتك بأنك استطعت يوماً ما ممارسة الحُب القَلبي المحض، إن كراهيتك للأشياء أكبر من أن تسمح بوجود أي حيز في قلبك لأي شعور إيجابي.

يا رماد، أتدرين لماذا أسميتك رماداً؟، ليس فقط تنكيلاً، وليس فقط تجريحاً، وإن كان التنكيل والتجريح ورسم البسمة على وجوه القُرَّاء وجعلهم يشاركونني شعور الشر المُتمكن في داخلي أثناء الكتابة وتقاسم ذنوب التشهير معهم هو جزء أصيل من أسباب إطلاق هذا الاسم عليكِ، لكن كُل هذا ليس هو السبب الرئيسي، السبب الرئيسي أني كرهتك، كرهتك جداً، لماذا؟، لأني أشعرُ بالندم، أخطأت حين أقنعت نفسي أن اشتهائي لك هو جزء من اشتهائي لها، وأن سُمرة وجهك المُزيَّفة تقترب من درجة لون وجهها، وأن المعركة الضارية بينك وبين مُجتمعك تُشابه تلك التي تعيشها هي، لكن شتان ما بين عيسى وبين عيسى المسيح، فذاك يُحيى الموتى وذاكَ يُميت الصحيح.

كما أن اسم "رماد"، وهو أول تصور لاسم قبيح ورد في ذهني، يُعد النقيض الطبيعي للرغبة، حيث أن اسم مريم هو أول تصور لاسم جميل ورد في ذهني، فهو بمعنى المرغوب بها، التي يُريدها الجميع، اسم مفعول من رامَ أي أرادَ / رامَ من يَريم ، رِمْ ، رَيْمًا ، فهو رائم ، والمفعول مَريم، اسم جميل أليس كذالك؟، لن يُلامسك ابداً، ستبقين بعيدة عنهُ كُل البعد، والله الموفق.

Either it's not bad things, Or they aren't good people.


الاثنين، 17 يونيو 2013

الشيء العادي

يُقال أن الحجاج بن يوسف الثقفي رأى يوماً في بغداد جارية فائقة الجمال اسمها "نِعم"؛ فاغتصب ملكيّتها من سيّدها الذي كان يهيم بها عشقاً وأهداها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فحُملت إلى دمشق بعيداً عن سيدها العاشق وإلى حيث سيّدها الجديد. فما كان من العاشق المُخلص إلا أن انتقل وراءها وطرق أبواب أمير المؤمنين طالباً منه أن يسمع صوت نِعم لمرة واحدة فقط ثم لن يعود أبداً، ورغم ما اشتهر به عبد الملك بن مروان من شدة الغيرة على حريمه وجواريه إلا أنه وافق لما رأى منه الشوق يخرج قبل الكلمات، وبعد أن تحقق للعاشق ما أراد خرج من قصر الأمير وألقى نفسه من فوق جبلٍ شاهق فمات لفوره. فأمر الأمير أن تُعطى الجارية لورثته أو تُباع ويتصدقوا بثمنها على روحه، ولكن العاشقة المخلصة انتحرت بعد يومين من انتحار عاشقها، وانتهت الحكاية بموت الحبيبَين .

ماذا كان سيحدث لو لم ترُقْ الجارية لعينيّ الحجاج؟، ما كانت لتُذكر في قصص الأدب وروايات التاريخ، وما كانت لتُحكى على مر الأجيال. كم حالة عشق تستحق الخلود ألف مرة أكثر من قيس ليلى وجميل بُثينة، لكنها طويت وضاعت وربما ما اكتملت فقط لأن أصحابها لم يكونوا طليقي اللسان أو لم تساعدهم ظروف استثنائية تدفع بالقصّة دفعاً إلى سطور التاريخ. تخيّل كم عاشق طواه الليل فلا يملك أن يقول شعراً ولا يملك أن يكتب نثراً ولا يملك أن يذيب الحديد بالكلمات ولا أن يبدأ الحديث بالنظرات، قليل الحيلة مُهدر الوجود، معدوم المواهب في العشق مُضطهَد يموت فتموت حكاية عشقه، وكم كاذب مُدّعي طليق اللسان حاضر التعبيرات يكتب وينشر عن مشاعر وأحاسيس تتملكه، فيكذب حتى الامتلاء ويصدقه الجميع وتتردد كلماته وتنجح ألاعيبه وتنطلي ويذكره التاريخ شاعراً عاشقاً.

أُفكّر في العشاق العاديين، الذين لا يستطيعون أن ينظموا القصائد الطوال، الذين لا يتعاطف معهم أحد، الذين لا يملكون إلى الوصل سبيلا ولا إلى إبداء الحَزَن. أُفكّر في العاشق من قاع الهرم الطبقي لو جذبه قلبه إلى من تعلوه اجتماعيّاً أو ثقافيّاً، فيُحاول ببدائية أن يُرسل لها كلمتي حُب ما استطاع أن يكتب غيرهما، فتفضحه على الملأ الإليكتروني ناشرةً ما كتبهُ لها ضاحكة، ويضحك الجميع في هذا الأحمق المُدّعي الذي لا يستحق ما بيسار صدره أن ينبض. ولو كان كاذباً مُدعيّاً شاعراً أفّاقاً لتغيّر الوضع.

نحنُ عنصريُّون في مشاعرنا. نتحيّز ضد الأخرس الضعيف ومع المُتكلّم اللبق، اضحك وأنت تقرأني أطلب منك أن تتخيل عامل البوفيه أو سائق الأتوبيس؛ تخيّلهم عُشّاقاً، تخيلهم يذوبون عشقاً، قد يبدو الأمر مضحكاً يا صديقي العنصري، فكيف لسائق الأتوبيس أن يُحب، ويتساوى في مشاعره مع نزار قبّاني ولوركا مثلاً. واقع الأمر أنك تُقابل يومياً في طريقك الكثير من العُشّاق المُهدرين، لكنهم بسطاء، أكثر بساطةً مما يُرضيك ويُقنعك.

الجمعة، 14 يونيو 2013

أحمر شفاه

عندما أدركت أن كتاباتي مليئة بالأخطاء الإملائية؛ توقفت عن استخدام الكتابة المباشرة في المدونة، واستعضت عنها بالكتابة في برنامج Microsoft Word الذي يُصحح لي أخطائي الإملائية ويترك لي النحوية والصرفية أتكفل بهما من ذاكرتي المُتهالكة ودراستي للنحو وألفية ابن مالك والمذاهب النحوية بشكلها العقيم في كُتب الأزهر. وقبل إدراكي لواقع ضعفي الإملائي كُنت أعتقد أني طليق اليد لا أُخطئ أبداً، فأذهلتني كمية الخطوط الحمراء التي وجدتها تحت كلماتي في برنامج الـWord إشارةً على وجود خطأ إملائي، يا دين أمي !؛ من الذي علمني الإملاء؟ وكيف فعل!، كيف تخرجت أصلاً من المرحلة الثانوية بهذا الفشل الرهيب في معظم القواعد الإملائية، همزة القطع تتداخل في استخداماتها عندي مع ألف الوصل، والياءات لا تعرف طريقها من طريق الألف المقصورة.

يُقال أن أحلام مستغانمي ـ الكاذبة الجزائرية ـ لا تستطيع إلقاء خطاب قصير خالي من الأخطاء اللُغوية، ويُقال أيضاً أنها لا تكتب كل هذه الترهات التي تُباع غالياً؛ لا تكتبها، بل تعهد بالأمر إلى أحد الشعراء الذين أخطأتهم الشهرة. وبالتأكيد كل هذا الذي يُقال ليس صحيح، لكني أُرددهُ من باب تحمل مسئوليتي الوطنية في نشر الشائعات عن الأشخاص الذين لا أُحبهم، ولا أُحب مستغانمي، قرأت لها ذاكرة الجسد فأعجبتني، فحاولت أن أقرأ عابر سرير فوجدتها تجتر ذاكرة الجسد، ثم حاولت أن أقرأ نسيان دوت كوم فوجدتها تكتب من أجل اللاشيء، وتعتمد فقط على القُرَّاء المُخلصين، ثم حاولت أن أقرأ الأسود يليق بك فأدركت أن هذه المرأة العجوز مُفلسة تماماً، حتى أني كدت اُخرج من جيبي جنيهاً لأضعه على إحدى صفحات كتابها. إنها تُكرر وتُكرر كالببغاء وترقص وتخلع ملابسها على صفحات الكتاب كي تحافظ على مُراهقيها/قُرّائها، تضع القراء في المرتبة الأولى، تماماً كالكُتّاب الفاشلين. لا تُقنعني مثلاً أن نجيب محفوظ كان يُفكّر بقرائه وهو يُبدع الثلاثية، أو فيكتور هوجو كان يشغل نفسه بالقارئ الفرنسي وهو يخلق البؤساء، الفاشلون فقط يشغلهم القارئ، لأنهم ـ في اللاوعي ـ يُدركون تُجاريَّتهم وشعبويتهم الزائفة.

أنصحك بمتابعة قائمة أكثر الكُتب مبيعاً في مكتبة ألف أو الشروق، ستجد منها المقبول والضعيف، والأمر ليس نسبي، هُناك كُتب لا يمكن تقبل وصفها بالجودة أبداً ولا حتى على سبيل التجاوز، لا يمكنك مثلاً أن تصف "كيف تصطادين عريساً" بأنه كتاب جيد. عموماً تابع قائمة الأكثر مبيعاً، تابعها جيداً، ثم لا تشترْ أيّاً منها،  الكتاب الذي يُعجب الجمهور يجب أن يكون سيئاً للغاية، لأن الجمهور سيء للغاية، ولست أتحدّث هنا عن جمهور العرب فقط ولكن عن كل الجمهور في كل العالم، أي شيء يحتفل به الشعب يثبت دوماً أنهُ خطأ وربما كارثة، كُتب أحمد خالد توفيق، معسكرات هتلر، أشعار فاروق جويدة، كلها كوارث أحبها الجمهور.

تحضرني الآن فكرة شاردة عن رواية البؤساء، هل تُدرك أن ترجمة اسمها بهذا الشكل هو خطأ صَرفي شنيع توافق عليه المُترجمون!. لأن كلمة البؤساء ليست جمعاً لـ "بائس"، وإنما هي جمع تكسير لـ"بئيس" أي قوي وشديد، لكن جمع بائس هو "بائسون أو بائسين" كجمع مُذكّر سالم. إذاً فترجمة الرواية من""Les Misérables  بالفرنسية يجب أن تكون "البائسون" بالعربية ولا يصح أن تكون "البؤساء". ويأتي الرد سريعاً بأن الخطأ الشائع أفضل من الصحيح المجهول، لا أدري من هو اللغوي العبقري الذي أطلق هذه القاعدة، حيث يُفضّل المترجم استخدام لفظة شائعة لكنها خطأ لُغوياً وينأى عن استخدام أُخرى من غرائب مفردات اللغة لكنها صحيحة؛ مُستدلّاً بقاعدة عجيبة بأن الخطأ الشائع أفضل من الصحيح المجهول، وبهذا تمتلئ المترجمات بالأخطاء اللُغوية لمترجمين فاشلين. حاول فقط أن تقرأ كتاب الأمير لميكيافيليي في طبعة دار الشروق؛ ترجمة حمقاء أشبه بترجمة قناة Top movies حيثُ Fuck تعني تبّاً، تبّاً.

لماذا أكتُب هذه الأشياء؟ لماذا أُحرّك يدي على لوحة المفاتيح بدون تفكير لأُخرج ما في عقلي على الصفحات البيضاء؟ إن كنت وصلت بقراءتك إلى هذه الفقرة فأنت تستحق أن أبوح لك بسري؛ أنا مُشتت، ومشتاق، ومشتعل، ولا أدري ما أفعل، يجب أن أُحرك يديَّ حتى لا تُداعبا بعضهما وحتى أتوقف عن طقطقة أصابعي بلا هوية. تطوف بي ذكريات ليتها ما حدثت يوماً عن شعرٍ طويل وأحمر شفاه، أجمل شفاه.

في القانون المصري لا يجوز أن يدفع المُتهم بجهل القانون، لا يمكنك أن تقف أمام القاضي قائلاً أنك لم تكُن تعلم نصوص القانون فارتكبت جريمتك ببراءة، لأنه لو وافق القاضي على هذا الدفع فهو يُعطي أفضلية للجهلة بقانون الوطن ويمنح الجهل صك براءة فيتمني العالِم بالقانون لو كان جاهلاً، لذا أغلق المُشرّع هذا الباب من أبواب التلاعب، حكيمٌ هو المُشرّع المصري، ليته شرّع لي بعض القواعد أُدير بها هذا النابض العشوائي بوسط صدري يميل قليلاً إلى اليسار؛ قلبي. الذي يقول لي عندما أتهمه بالعبثية أنهُ جاهلٌ بالقواعد، يقولُ لي أنهُ يسقط بلا وعي، اُشفق عليه فأستجيب لدفاعاته الواهية وأمنحهُ أعذاراً وأُخرجه بريئاً، وإن كان مشرعنا العبقري قد ضاعف عقوبة بعض الجرائم في حال العَود؛ أي تكرار الجريمة، فإني ـ على العكس ـ أزيد من دفقة الشفقة عليه، يبدو أني أتعامل معه بالقانون الكوستاريكي أو البَنَمي.

سئمت من وضع الرسائل في مدوّنتي إلى الذين أجبُن عن مواجهتهم، أعلم أنها تصل، لكني سئمت وربّي جداً. أُريد حياة طبيعية هادئة بدون رسائل متبادلة بالشفرة، بدون خوف من المستقبل وارتياع من الماضي والتياع من الحاضر. أُريد حياة بلا تدوين ولا علاقات محكوم عليها بالفشل، أُريدُ دستةً من الأصدقاء الهلاميين البوهيميين الحشّاشين الذين لا يقرءون الشعر ولا يكتبونه. أُريد أصدقاء من نفس عُمري، أصدقاء في العشرين من عمرهم، أُريدُ أن تتحول مريم إلى فتاة في العشرين من عُمرها، لا أكثر.

من مريم هذه؟
اسم جميل استخدمته كرمز للكمال، لا أعرف في حياتي بنتاً اسمها مريم، كتبت عنها عندما كُنتُ أكتبُ شعراً لكنّي اليوم أخجل من كل قصائدي بسبب سذاجتها، لا أُطيق الاستماع لأي كلمة قُلتها وقُلتُ عنها شِعراً. مريم تتغير بتغير الفصول، تُمطرني ثلجاً أحياناً وتُحرقني أحياناً أُخرى، هي هادئة وعصبية وصادقة وكاذبة وضعيفة وقويّة، مريم إنسانة عاديّة تحمل بين أضلعها كل مقومات البشريّة، كل عُقَد البشريّة، مريم متوهّجة ومُثيرة، اطمئني يا صديقتي الجديدة لن تكوني مريَمي أبداً.

لقد سئمت حقاً من هذه الأشياء، لماذا لا يكون الحُب في بلدي طبيعياً، لماذا كل الأشياء مُعقّدة وصعبة، ربما لأني أتعلق بأشياء أكبر مني، وربما لأني أصغر من كل الأشياء. تلسعني كلمة "صغير" في دماغي فتؤلمني، أحزان كثيرة جرّبتها فقط لأني صغير، لو كُنت كبيراً، فقط عامين أو ثلاثة.

أُسائلُ دائماً نفسي : 
لماذا لا يكون الحب في الدنيا ؟
لكل الناس .. كل الناس
مثل أشعة الفجرِ
لماذا لا يكون الحب مثل الخبز والخمرِ ؟
ومثل الماء في النهرِ
ومثل الغيم والأمطار
والأعشاب والزهرِ
أليس الحب للإنسان
عمرأً داخل العمرِ ؟
لماذا لا يكون الحب في بلدي ؟
طبيعياً
كأية زهرة بيضاء
طالعة من الصخرِ
طبيعياً
كلقيا الثغر بالثغرِ
ومنساباً كما شعري على ظهري
لماذا لا يحب الناس .. في لين وفي يسرِ ؟

نزار قباني ـ اليوميّات

الاثنين، 10 يونيو 2013

夏天

أشعر* الآن بالحزن ، كما لو أني أرى أفروديتي إلهة الجمال تُباعُ كالجواري ، أو جسد ملكة فرعونية عظيمة يُعرضُ في مزادٍ علني . أشعر بالحزن ، وكل الأشياء حولي تُحرضني على الاستمرار في شعوري . هانت الدنيا فليس أسهل عليَّ الآن من الخروج على قواعد الأرض . 

الجميلات لم يُخلقن عبثاً ، ولم يحصلن على هذا الكم من الجمال بفعل عشوائية الطبيعة ، لا يجب اضطهادهن في مدينة القبح هذه ، إلى متى سيستمر الوطن في  تشويه روح كل جميلة وقتل طموحها وإجبارها على التبعية . وإلى متى تستمر الجميلة نفسها في القبول بهذا الوضع ، لا أُحرضكِ على الثورة ؛ وأعرف أني لو فعلت فإني أدفعك لقتل نفسك ، ولو كنت مكانك لما استجبت لدعوات الانقلاب على الحاكم التي تستمعين إليها ليلاً نهاراً . لا تنقلبي ولا تثوري ، احزني في رُقيّ ، ابكْ ، مزقي الوسادة ، وتعالي إليَّ بعد عامين وقد فقد وجهك نضارته وتهدّل ثديك وانطفأت عيناكِ وقولي "قتلوني" .

وما بيدي شيء ، ولا بعقلي ، ولا بقلبي شيء ، أنا مثلك يا مريم ؛ ضعيفٌ قليل الحيلة ، استلب التتر أسلحتي ووزعوها فيما بينهم ، فذاك يأكل عقلي وذاك جسدي ، وثالثٌ يركض وراء رابعٍ يُمسك بكفه أطراف روحي . الحزن يقُصّني كالأظافر الطويلة، فسامحيني .

وعدتكِ يوماً أن أبقى بجوارك مهما تقلّبَت الأيام ، وبمجرد الاهتزاز ؛ رحلت . أنا لست رجلاً يا صغيرتي ، لست رجلك ، لست فارسك ولا فارس أحد ، لن أمتطي يوماً جواداً ابيض لأُنقذ أميرة سمراء ، إني رجلٌ مُنهكٌ كاذبٌ مُدَّعي يكتفي بالبكاء الهيستيري في أحلك المواقف . لا أفكر بعقلانية ، ولا أبكي بعقلانية ، ولا أُمارس الرجولة . مُدركٌ تماماً لما وراء كلماتك عن هذا الغير مناسب الذي ارتقى القمر . مُدركٌ تماماً لوضعك يا مريم ، أعلم أنك مُضطرة ، ولم تُدركي بعد أنه لا أحد يجيب المضطر . الجميع متآمرون عليكِ ، السماء والأرض والبحار والصحاري ، الكُلُّ يتآمر على شفتيك كي تتحجرا .

لا تشعري بالذنب ولا تضعي نفسك موضعاً أقل مما جعلتك فيه . ولا تشعري أنّكِ خدعتني وزيّفت نفسكِ أمامي ، كذباتك الصغيرة أعرفها وتعرفني وبيننا صداقة ، أعرفُ كل خطاياكِ ، وأكبرها أنّكِ تصطنعين الخطايا ، تكذبين كثيراً محاولةً إبداء شفتيك كأنهما لغانية إغريقية . وهما ليستا كذالك ، أعرفُ جيداً أنهما كالألماس الخام الذي لم تلمسهُ أصابع فنان يُقدّرُ فنَّه . لا تدّعي أنكِ فعلتِ وفُعلَ بكِ ، نهداكِ ما زالا بغلافهما لم يُمسّا .

وأعرف أني لست عندك شيئاً ، ولا يعنيني هذا بشيء . لا أفكرُ في الضغط عليكِ كي أحتل جزءاً من يسار الصدر ، لن أزيد همَّكِ همَّا . ولو أملك الذي يطلقه الساحر على القلب فيتحرر لما ترددت به أن أحرر قلبك الصغير . يا مَريم التي قُتلت بها مشاعر الحب الطبيعية ، يا مَريم التي لا تُجيد الحُب أصلاً ، ولا تعرف كيف يكون ، يا بدائية التكوين ، هدّئي رَوعَ روحك .

لست أكتب عاشقاً أو مُدَّعياَ أو معاتباً ، انتهى وقت كل شيء . قولي مثلاً أنّي أكتبُ باكياً ، أكتب كالطفل الشارد لا يعي ما يقول ولا يفهمه أحد ، لا تلتفتي لي ولو قليلاً . إنّي لا أُدرك كيف يكون العالم الحقيقي ، تأتيني منهُ الصدمة تتبعها الصدمة فلا أُدرك الواقع إلا وهو يعتصرني .

يا مَريَمي ؛ يا أكمل البنات ، تذكّري جيدا أن الأشياء ليست كما تبدو عليه ، والسلام . 

*صيف

الأحد، 2 يونيو 2013

سادَ العرب

يتحدث ابن خلدون في مقدمته عن  قانون السيادة الثقافية للأُمم المنتصرة على الأُمم المغلوبة ، ويضرب لذالك أمثلةً وتثبت الأيام صحتها ، فعندما ساد العرب على أجساد الأمم المتفرقة التي أطاحوا بها ظهرت الثقافة العربية كمظهر للتمدن والحضارة في كل العالم ، وعندما انقلب الوضع انقلب الوضع . كمشروع ثقافي أُحاول مع أحد أصدقائي البدء في موقع طبّي تثقيفي يكون موجهاً للجمهور العام ، قررنا أن نبدأ العمل به كمدونة صغيرة حتى نصبح مستعدين لإطلاقه كموقع حقيقي له روافد إليكترونية ، ولم يأخذ منّا الأمر وقتاً حتى نقرر أنه سيكون باللغة الإنجليزية ثُمَّ إن أردنا إطلاق فرع عربي سنفعل ، لكن لماذا يبدأ اثنان من العرب مشروعهما باللغة الإنجليزية ، لأن العرب لا يهتمون بالقراءة أصلاً ، ولأنني وصديقي لا نهتم بالعرب .

وكنت من قبل ، ولمدة أسبوع فقط ، قررت أن أهتم بالعرب وأحاول مساعدتهم ما أمكنني على تخطي مآسيهم التي صنعوها بأنفسهم . فاتجهت لبناء مدونة إليكترونية مهتمة خصيصاً بثقافة الجسد العربي وتوعية العرب بأجسادهم التي يعاملونها بغباوة ، وكان الشريان الرئيسي للمدونة هو حساب على موقع الأسئلة والإجابات ـ Ask.Fm . لكنّي توقفت لأني أدركت أنَّ مأساة هؤلاء ليست فقط في أجسادهم بل في عقولهم ، هم لا ينظرون للمشاكل الكبيرة على أنها مشاكل حقيقية ، وربما تراهم يتعاملون مع مشاكل بسيطة على أنها نهاية العالم . وآخر ما يعنيهم هو البحث في المصادر العلمية الجيدة ، رجال الدين أفسدوا عقولهم تماماً وأخضعوهم للسلطوية المستمدة من أعالي السحاب فلا فكاك منها . وجدتهم يتعاملون مع فكرة التوعية بالجسد على أنها خروج عن النص ، النص الفَوقي الذي استعبدهم . سأخبرك فقط أنّي أجبت في حساب المدونة على 400 سؤال ، وحذفت أكثر من ألفي سؤال ما بين شتائم ومحاولات هداية وأسئلة شرعية . وحتى الأسئلة التي أجبتها كانت نسبة كبيرة منها مكررة بشكل غريب ، لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الأسئلة المشابهة فضلاً عن البحث في المجلات الطبية والمصادر العلمية الموثوق بها ، مدونة صغيرة تتعرض لإبلاغات إليكترونية بالمئات يومياً مُعرضة للإغلاق من جوجل في أي لحظة وشتائم كثيرة تنهال عليَّ ، ما الذي يُجبرني على هذا ، فليتحمَّصوا في الجحيم بعلّاتهم الجسدية وسرعة قذفهم وجهلهم .

الغرب ليس أكثر تحضراً بشكل مطلق ونهائي ، هناك ـ أيضاً ـ تجد حمقى ومتخلفين ومنكفئين ورجعيين ، وتجد الكثير من المُحافظين والأخلاقيين ، في الغرب أيضاً هُناك رجال دين مجرمين يغتصبون الأطفال ويسرقون الكبار ويبيعون الماء على الفضائيات . لكن الفرق بيننا وبينهم يكمن في النخبة ، نُخبة العرب فاشلة وأسلوب تصعيدها أكثر فشلاً ، وسيلة ترقية المواطنين كي يصبحوا نخبة المجتمع هي إما بالتوريث في الدول الملكية أو بالتعريص في الدول الغير ملكية . لا الكفاءة تكفي ولا الإجادة تُجدي . لهذا وجد رجال الدين أنفسهم بعيداً عن وجود نُخبة مثقفة أو علماء حقيقيين لهم كلمة مسموعة ، ولك أن تتخيل مجتمع يعتبر محمد حسان وأبا إسحاق الحويني علماء حقيقيين . بينما تُثار في الغرب مناقشات حادة حول اعتبار علم الاجتماع علم حقيقي أو علم كاذب Pseudoscience ؛ يتبارى هَمَج صحاري العرب في استصدار مصطلحات جديدة يدمغون قبلها مصطلح "علم" ، لنرى علم العلاج بالرُقية وعلم الحجامة . الفرق بيننا وبين الغرب هو أن حماقتنا تتصدر الشاشة ويتم ترقيتها ، بينما حماقتهم تتم مكافحتها .

قررنا بداية مشروعنا الإليكتروني باللغة الإنجليزية ، لكن تواجهني مشكلة ضعف اللغة . درست الإنجليزية لتسعة أعوام متواصلة ولا زلت عاجزاً عن كتابة مقال طبي خالي من الأخطاء . أتمنى لكل مدرسي اللغة الإنجليزية في مصر أن يُشووا في نار جهنم خالدين فيها أبداً . لكني أكثر حظاً من الكثيرين على كل حال ؛ فلا زلت قادراً على القراءة بالإنجليزية والتعرف على الثقافة الغربية ومقارنتها . أُريدُ لنفسي في المستقبل ، خلال عامين مثلاً ، أن أصبح قادراً بشكل تام على الكتابة بالإنجليزية بطلاقة . وأُريد لوطني ، مصر ، أن يصبح أبناءها قادرين على رؤية مستنقعهم ومقارنته بالعالم الحقيقي حتى يستطيعوا الخروج منه ، اُريدُ لهم التعرف على باقي ثقافات العالم والتخلص من التكبر العربي الذي أوصلنا لما نحنُ فيه .

الثلاثاء، 28 مايو 2013

سأقولُ في التفكيك

كانَ وأشواقها


وإني أكره الشوق ، يقتلُ فيَّ الصبر ويردّني طفلاً ، أُودُّ لو كانت الأشواق صخرية ، والأشياء صخرية ، والتفاصيل الصغيرة بيني وبينكْ ؛ لو كانت صُنعت من حجر . أودُّ لو أستيقظ في الخامسة صباحاً لأُراقب انتحار النجوم أو مولد الشمس أو أستمع للموسيقى ، لكني ـ عوضاً عن هذا ـ أُهيئ نفسي من جديد ليومٍ أمر فيه على أجزائي المُفتتة هُنا وهُناك . أُريدُ أن أدعو عليكِ ، أدعو الله أن يبتليكِ ـ أيتها المُطهرة النقيّة ـ بالشَوقِ وتكرارُه . لكني لا أستطيع ، أُشفقُ عليكِ يا وَريدي ، فَكوني بخير .

27/5/2013 ـ 5.21 ص

سأقولُ في التفكيك*


يبدأ غسان كنفاني إحدى رسائله إلى غادة السمان قائلاً : " عزيزتي غادة .. يلعن أهلك ؛ كتبتِ إلى الجميع ( رسائلَ ) ولم تكتبي لي حرفاً ". أُصيب الأديب بالملل من تكرار الشوق ، وأوجعته رسائلها المتتابعة إلى أصدقائها وصديقاتها ، ها هي تذكر الجميع وتنساه ، فما كان منه إلا أن لعن أهلها ، وربما أزاد وأفاض في التعبير ، لستُ أدري . نشرت غادة هذه الخطابات فيما بعد ، وحسناً فَعَلت . رسائل غسان كنفاني تقول لي بصراحة ؛ لست وحدك .

أشعر برغبة جارفة في الكتابة ، لا لشيء إلا لشهوة الكتابة ذاتها . لديَّ ، بعد قليل ، اختبار نهائي لمادة النباتات الطبية3  ، لن ينتهي هذا أبداً ، سأظل لنهاية عُمري أدور في حلقة مفرغة . أتدري ـ يا قارئي ـ لماذا كُنت أراها مُختلفةً جداً ؟ لأنها استطاعت كسر الحَلَقة . لا أكتب كثيراً عن من تتقاطع حياتهن مع حياتي ، لا أكتب عنهُنَّ أصلاً ، لكنها كسرت القاعدة ، أُحب من الأشياء كسر القواعد ، الخروج عن المألوف ، الخضوع بعد المقاومة والمقاومة بعد الخضوع ، ديناميكية العلاقة .

سأُحاول تفكيك علاقتنا فكرياً حتى أستطيع التغلب على بقاياها في عقلي ، وروحي .  لنبدأ ؛ هي تكبرني بعامٍ أو أكثر قليلاً ، إذاً فربما للأمر علاقة بعُقَد الطفولة المُتراكمة داخلي ، أو عُقَد الأمومة داخلها . ها قد انتهينا من التفكيك ، الأمر لا يتعدى كونه عُقدتين تلاقَتا .

لكن ؛ لماذا اشتهيها بجنون ؟ .. لماذا تثور أشيائي إذا تلاقت عيني ، سهواً أو قصداً ، بنهديها الناهدَين . إذاً لنتوقف ولنبدأ التفكيك مُجدداً ، رُبما هي الشهوة ، الشهوة المُجرمة السافلة المُنحطة ، يا ربّي ، ضاعت مني الليالي أذوبُ شوقاً في عشقٍ لا يتعدى كونهُ شهوة . انتهى التفكيك ، دُمتم بخير .

الحقيقة ؛ أني أُزيف الحقيقة . لم يكن الأمر شهوةً مُجرّدة ،  لم يكُن مثل شعوري تجاه التي كتبت عنها " شهوة موجهّة " ، أبداً أبداً . لقد اشتهيت معها نبضات القلب الصغير الذي رفضني ، اشتهيت معها تردد الهواء في الرئتين ، كان شيئاً يثير فيَّ رغبةً أخرى أكثر عُمقاً من الشهوة الطبيعية ، لستُ أدري ** .

عزيزتي مريم ؛ لم أستطعْ تفكيك علاقتنا فكرياً ، ولم أستطع فهمها يوماً ، ولم أستطع الحفاظ عليها ، هلا توليت هذه المهام عنّي ، عدا الأخيرة فقد انتهى وقتها . شُكراً .


28/5/2013 ـ 7.03 ص


*مستوحاة من "سأقولُ في التحقيق" ، لنزار قباني ، قصيدة "بلقيس" .
** متأثر بالمصطلح نفسه في قصيدة "الطلاسم" ، لإيليا أبو ماضي .

الجمعة، 24 مايو 2013

أَهلهَا عَرَبُ


مُتناثرات مُتأثّرة بهلوسات الإختبارات النهائية
Final exams hallucinations

1
الأمير داروين ـ Prince Darwin

عندما خرج داروين على العالم بنظريته للانتخاب الطبيعي ؛ تعرضت الأوساط العلمية لما يشابه الفوران ، آراء كثيرة هنا وهناك تدعم وترفض وتنكر وتؤكد وتؤيد النظرية الوليدة ، وبعد عدة عقود أصبح النشوء والارتقاء احد ركائز التفسيرات العلمية المؤكدة للطبيعة ، اعترف العالم المتحضر بصحة النظرية وأصبحت هناك متاحف متطورة تحمل اسم "متحف نظرية التطور" في كثير من عواصم العالم ، لكن بقعة الزيت التي تبدأ من الخليج العربي وتنشر نتانتها وقرفها إلى المحيط الأطلنطي ؛ بقعة الزيت العربية الكبيرة هذه ما زالت تُعاني من مشاكل في قبول ما استطاع العالم قبوله ، ليس للأمر علاقة بالدين كما تتصور ، فقد استطاع الغرب التغلب على سلطة الكنيسة ـ وهى أسطورية ـ حتى اضطر أساقفتها ذوي العقول الحجرية إلى الاعتراف بصحة التطور ، لكن بالنسبة للعرب الأمر مختلف ، حتى لو ادعوا أنهم يدافعون عن الدين ؛ واقع الأمر أنهم يدافعون عن ذاتهم المتخلفة من التكامل مع أي فكرة محترمة ، لو وجد العربي نفسه أمام فكرة محترمة ومُعترف بها عالمياً يجب أن يشوهها ، يمحوها ، يرفع عليها السيف كما اعتاد أجداده وقادته ومُقدَّسيه ، يُناصب العربي الأفكار العداء بحكم طبيعته ، يستجيب للإنسان البدوي الكامن بداخله الذي يصيح قائلاً "ها هي فكرة ؛ اقتلها".

في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين ؛ بدأت اللغة العربية تظهر وتتطور ، البيئة جافة وقاحلة وغير مناسبة لحياة ثدييات عاقلة أصلاً ، لكنه قدرهم . لا يجدون أمامهم أو ورائهم إلا الصحاري والقفار والهضاب والرمال ، لا مجال للغة ثرية وناضجة ، يُضطرون إلي إطلاق أسماء كثيرة جداً على نفس المُسمّى من باب قتل الفراغ الُلغوي ، للأسد عشرات الأسماء مثلاً . تظهر اللغة العربية القديمة بشكلها الغير ناضج وحروفها المتشابهة الغير منقطة ولا مُشكَّلة والتي لا يجيد كتابتها إلا قلة من المتعلمين النادرين الذين يصدف أحياناً عدم وجود أي منهم في بعض القبائل .

ثم بدأت الفتوحات ، وصلوا ببدويتهم إلى جنان اسبانيا وروائع مصر ، بدأ البدو يتنسمون النعيم ، أصبح الذي لم يرْ الماء البارد إلا في أحلامه الجميلة مواطناً من الدرجة الأولى في دوَل ساقها قدرها العاتي إلى الحكم البدوي يستلب خيراتها ويضطهد مواطنيها الأصليين ، لم تعد اللغة الصلبة تناسب العرب الجدد ، كيف يقف العربي على تلة خضراء ليُغني بما كان يُغني على تلة صفراء ، ليس مناسباً للبرستيج الجديد أن يهزج بتفاهات غير مفهومة ثقيلة النطق مثل "لخولة أطلال ببرقة ثهمد" ، تحولوا إلى الرقة وبدأت اللغة العربية الحديثة تظهر تدريجياً ، قارن لي بين "وسيفي كان في الهيجا طبيباً يُداوي رأس من يشكو الصُداعا" وهو بيت لعنترة بن شداد العبسي بألفاظه الثقيلة التي يتردد فيها إيقاع السيوف ، والبيت التالي للبهاء زهير وهو شاعر مصري يقول "حبيبي كيف حتى غبت عني .. أتعلم أن لي أحداً سواكا ؟ " الأبيات الأولى عربية والثانية عربية ، الأولى قيلت في صحاري جزيرة العرب الجلفة تحت ظلال السيوف ، وقيلت الثانية في أرض مصر تحت ظلال الكروم ، وهو التطور .

15/5/2013 ـ 9.45 ص


2
عن الحريم كثيراً ـ All about hareem

المرأة هي البوصلة ؛ بوصلة الحريات والمدنية والتحرر إلى آخره . مستوى حريات المرأة في الدولة أو المجتمع هو ما يُحدد مستوى الحريات بشكل عام داخلها ، بل ويُحدد أيضاً المستوى الاقتصادي والثقافي والأخلاقي ، وهذا يخضع لمنحنى جيبي ؛ فعندما تتغطى المرأة كُليّاً بالخيمة الباكستانية فهذا يعني مجتمع أصولي متخلف راديكالي مُتأخر اقتصادياً بسبب تعطيل نصف المجتمع ، لكنهم سيدخلون الجنة على كل حال . وفي المقابل عندما تتعرى المرأة لدرجة الانحلال وانعدام الفرص أمامها باستثناء الدعارة فهذا يعني مجتمع لاأخلاقي مثل بعض دول أوروبا الشرقية ، وهي مُجتمعات لا تعترف بالمساواة في الفرص والواجبات والحقوق إلا على السرير ، وهؤلاء لا يدخلون الجنة . لكن عندما يعتدل النصاب بالمساواة العادلة الشاملة فهذا يعني أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان ، وهم أيضاً لن يدخلوا الجنة إلا لو استطاعوا رشوة الفاتيكان والقرضاوي ؛ أحدهما أو كلاهما .

20/5/2013 ـ 2.13 ص


3
جواري مول ـ Jauary mall

لنتحدث عن الجواري ؛ أتمنى أن يعود عصر الجواري والحريم ليضرب العالم ، حيث يختفي كل دعاة المساواة والـ "فيمينيستس" ويذهبوا في رحلة إلى الجحيم بلا عودة ، ومن ثمَّ يمكننا إنشاء سوق للجواري في مكان مقر منظمة فيمين بأوكرانيا حيث نبيع ونشتري الأوكرانيات اللاتي يُقال عنهن مُزَز ، وهُن ـ إحقاقاً للحق ـ مُزَز بالفعل .

الفقرة السابقة ، يمكن تسميتها الصوت العربي الحُر ، أو الصوت العربي الصادق ، أو سأمنحك إياها وأسمْها ما شئت في إطار هذا المعنى ، لم أكذب ولم أتجمل ، لكنها صوت الحقيقة العربية الذي يتردد بداخلنا فنكتمه كي لا يُقال "هَمَج" . ألم تُردْ يوماً هايبراً مزدحماً بالجواري ، تشتري بأموالك الكثيرة ما تشاء من الحريم ؛ الجواري ماركت ، أو الجواري مول مثلاً ، وتكون له فروع في كُل المدن الكبيرة .. ترى مثلاً "جواري مول مدينة نصر" ؛ "جواري مول المعادي" ، وقنبلة السلسلة .. "جواري مول دُبَي" ، صدقوني هذه طبيعتنا مهما أخفيناها تحت الساعات السويسرية ، ستبقى العقالات عربية .

ثم ماذا سيتغير لو تم عرضهن في مولات كما في الماضي ، هي جارية بالفعل سواءً عُرضت في جِلسة عائلية أو جِلسة بين تجار متحمسين ، بل إن التجار سيقدرونها بأفضل مما ستفعل عائلتها وعائلة الشاري التقليدي في الصالون . في الماضي كنت أشعر بالاشمئناط عند سماع كلمة "حريم" وأتهم قائلها بمعاداة كل ما يمكن معاداته من قيم إنسانية ، لكني أراه اليوم وصفاً جميلاً مُناسباً تماماً للحدث . حريم حريم ، جواري جواري ، في مدرجات الجامعات أو في البيوت المغلقة ، في كل مكان جواري وحريم مهما ادّعين غير ذالك .

21/5/2013ـ 4.23 ص

4
كاش يو ـ Cash me

في بيت أحد أقاربي صغيراً ، طرحنا ـ كأطفال ـ سؤالاً تقليدياً ؛ ما فائدة المال ؟ تصدت إحدى الكبيرات للرد بحماسة : "ليست لهُ فائدة" . ثُمَّ تبارينا في اضطهاد هذه الأوراق الملونة التي تحكم العالم ، ألا ليت الزمان يعود يوماً فأبلغه اعتذاراتي عن سفاهات الطفولة ، فكرت كثيراً أن أعتذر بالفعل ، لكن لمن ؟ هل يمكن ـ مثلاً ـ أن أقف أمام مبنى البنك المركزي وأطلق صرخة اعتذار لكل أموال العالم لأني أخطأت في حقها يوماً ، أو أُقبّل عُملة فئة 200 جنية ( بعد تعقيمها من تلامسات الأيدي الكثيرة ) فتصفح عنّي وتنسال وقريباتها بين يديَّ كي ابدأ استثماراتي الشخصية التي أحلم بها ، والتي ـ للصدفة البحتة ـ تحتاج إلى رأسمال مبدأي كبير نسبياً لا أملكه . لماذا يحلم الناس دوماً بأشياء لا يملكونها ، لو كان فرويد حياً لأرجع الأمر حتماً إلى الجنس وتبعاته ، لكنّي أرى أنه فقط السعي نحو الكمال المفقود ، وُلد الإنسان ساعياً إلى تصور مُبرمج سلفاً في عقله يُدعى "الإنسان الكامل" ، كل حركاتنا اليومية وسكناتنا واضطراباتنا هي خطوات في السعي الدءوب نحو هذا الإنسان الكامل الذي لن نصله يوماً ، مستحضرات التجميل تكسب الأموال الكثيرة من إثارة هذه الغريزة في الإنسان ؛ بيوت الأزياء ، ملاعب الرياضة ، مدرجات الجامعات ، كلها تقول لكَ أقبل فإن الكمال هُنا ، وكذالك أحلامك وطموحاتك هي مجرد تصوراتك الشخصية للاقتراب من الكمال . ويتساوى في ذالك الراهب الناسك ورجل الأعمال الناجح والسياسي الكبير ، كلهم يرى الكمال من منظوره ويسعي إليه ولو آخر يومٍ في حياته .

22/5/2013 ـ 8.23 ص

5
خيال علمي علوم

لم يضغط عليَّ أحد كي أختار الصيدلة كمجال دراسة ، ولا أدعي أني أكرهها ، ولا أشتهي وصلها ، هي بالنسبة لي كدراسة البيولوجيا الجزيئية أو الكيمياء التقطيرية أو علم تحليل انتحار حيوان فيل البحر ، مجرد شيء أدرسه وليست لي به أي علاقة عاطفية من أي اتجاه .

لكن ؛ الهندسة المعمارية ، ( امسسسم ) ، يا سلام ، كنت لأكون مُبدعاً ، كُنت لأكون خلّاقاً ، كُنت لأكون رائعاً ، كنت لأُنهي الدراسة الجامعية بتفوق وأدور أدور على شركات الهندسة أبحث عن وظيفة محترمة فلا أجد ، هذا ما أرى . الحمد لله على نعمة الصيدلة يا عَم ، رغم أني ـ ولا تخبروا النقابة ـ أعتقد أن مهنة الصيدلة بشكلها الموجود في مصر حالياً هي من مخلفات الفساد العام لا أكثر ، وستنتهي حالة الأنتخة التي يعيشها الصيادلة بمجرد ضبط القطاع الصحي بشكل كامل ووقف العشوائية التي تُدار بها المهنة ، حيث يُمكن لأي خريج صيدلة فاشل أن يحصل على دخل جيد بمجرد جلوسه في المنزل مراقباً تكاثر الذباب ، فقط بالتوقيع على ورقة تُفيد إدارته لإحدى الصيدليات التي ربما لا يعرف مكانها أصلاً ، ما هذا العَتَه الذي يضرب أصول المهنة ؛ عِيِب كده .

23/5/2013 ـ 7.15 ص

6
Library Sluts

ما الذي قد يجعل علاقة عاطفية جيدة تتدهور لدرجة رفض أحد الطرفين للآخر بشكل قطعي وحاسم ولا رجعة فيه ؟ أشياء كثيرة قد توصل لهذه المرحلة ، لكن ليس من بينها قطعاً عدم تذكر أحد الطرفين لعيد ميلاد الآخر ، كُسُّم التفاهة ، عيد الميلاد أصلاً بدعة من بلاد الغرب وليس من ديننا في شيء ، وإن شر الأمور محدثاتها . حاولت أن أقنعها ـ الحمقاء ـ بما قال الله وقال الرسول في هذا الشأن لكنها لم تقتنع ، من لا يتنازل عن الأشياء الصغيرة هو شخص تافه ، وهذا بصراحة يجذبني جداً في أي بنت ، أُريدها تافهة ومجوفة ، ولا تقرأ لي ، ولا تقرأ لأي شخص ، ولا تُحب القراءة .

المثقفات ـ عادةً ـ يكُنَّ إما جواري خلف الستار أو داعرات خلف الستار ، ربما هناك نوع ثالث ، لست أدري ، لكني لم أرَهْ . 

24/5/2013 ـ 2.25 م

O.Abolnasr and the great Nile river


الثلاثاء، 21 مايو 2013

وأشياء أُخرى كثيرة

1
Those who followed tinker bell

لأسبوع متواصل وعلى مدار عدة "جلسات" شاهدت فيلم الأنيماشن الرائع "Tinker Bell" ؛ متحسراً على أيام الطفولة الضائعة التي لم تُتح لي فيها فرصة مشاهدة مثل هذه الأعمال المتقدمة تقنياً وفكرياً ، تذكرت كيف كاد بكار المثالي المشوّه أن يقضي على طفولة جيل بأكمله ، ولم ينقذنا من سماجته ومثاليته إلا شخصية حسونة في نفس العَمَل ؛ وهو النقيض الذي أراد صانعو المسلسل أن يضعوه لشخصية صديق رشيدة المُطيع الهادئ الذكي المُمل فاختاروا حسونة الطفولي الطبيعي فلاقى الأخير قبولاً بين الأطفال واتجهوا لتقليده فيما أصابهم بكار بالاكتئاب والحقد ، ما علينا .

ترتكز فكرة فيلم تينكر بِل على إقناع المتلقي بأن الخيال حقيقة والحقيقة وهم ، وأن كل ما تلقاه من علوم أولية في المدارس هو ضرب من الجنون بينما الحكايات التي اعتاد سماعها قبل النوم هي الحقيقة بنفسها ، تينكر بِل هو اسم بطلة الفيلم ، وترجمة الاسم في النسخة المُدبلجة للعربية "تنة و رنّة" ، وهي حورية صغيرة من تلك الحوريات التي لا يزيد حجمها عن حجم الفراشة ، وتعيش في مستعمرة الحوريات التي لا يعلم عنها البشر شيئاً ، ويُقسمون المسئوليات بين أنفسهم ، فهناك حوريات مسئولات عن استنزال المطر ، وفريق آخر مسئول عن النباتات والزهور وألوانها ، بل أن هناك فريق من الحوريات مسئول عن تلوين الفراشات ومنح حشرات الحقول ألوانها الجميلة عن طريق دهانها بالفرشاة ، تينكر حورية من الفريق الأخير ؛ مسئولة عن تلوين الفراشات وموهوبة في الأعمال الميكانيكية بشكل استثنائي مما يوقعها في كثير من المشاكل تؤدي بها في النهاية إلى مواجهة خطر الوقوع في أسر البشر .

تتعرف تينكر الصغيرة على طفلة جميلة ابنة لأحد علماء البيولوجي ، والدها مُهتم بجمع الحشرات وتصنيفها وكتابة "الحقائق" العلمية عنها واستنباط الجديد ، ويأمل في ابنته الموهوبة أن تكون مثله يوماً ما ، يُصاب بخيبة الأمل عندما يجدها تتحدث عن الحوريات وترسم في دفتر استكشافاتها هذه الكائنات الأسطورية ، يوبخها الأب المستكشف قائلاً أن دفتر الاستكشافات هو للحقائق لا للأساطير ، لكن عبر التطور الدرامي للأحداث يقتنع الأب في النهاية أن كل ما تعلمه من صغره عن البيولوجيا والنبات وهم كبير ، وأن الحوريات هن الحقيقيات ، ويتعرف على تينكر ورفاقها ، وينتهي الفيلم بمشهد الأب يحكي لابنته عن الحوريات بينما تجلس تينكر وأصدقائها مستمعين إليه ، لقد تحوّل الرجل من عالم بيولوجي إلى أحد أتباع تينكر بِل .

وعلى مذهب تينكر؛ لا يجب عليك شيء ، يمكنك أن تقول بسطحية الأرض ولا إثم عليك ، يمكنك أن تتحدث عن الأطباق الطائرة أو حوريات البحر أو الملائكة . تصديق ما لا يمكن تصديقه هو الأكثر راحةً وإشباعاً لدوافعنا الطفوليه ، ألا تفكر ـ مثلي ـ في أن تكون أحد أتباع تينكر بِل ؟




2
Memory shots

أُعاني ـ من بين ما .. ـ من حالة أسميتها Memory Shots ـ خَطَفات الذاكرة ، هجمات بَصَرية لثانية أو أقل ، ذكرى جميلة أو سيئة تتحرك صورتها باتجاهي ثم تضربني بعنف في عينيَّ مباشرةً فأكاد أسقط على الأرض مغشياً من فرط الشوق / الوجع / الندم أو ما تستدعيه الذكرى . لا أستطيع شرح الحالة جيداً بسبب قصور عندي في وسائل الشرح ، انتابتني واحدة من تلك اليوم بينما أُمسك القلم مستعداً لبدء اختباري النهائي في اللغة الإنجليزية ، طلَعَت لي ـ التي رَحَلَت ـ من بين السطور ؛ هجمت ذكرى القُبلة الوحيدة ، لامس خدها الأيسر شفتيَّ فانتفضت ، أُسقط في يدي أن يراني رئيس قسم اللغة الإنجليزية وكان واقفاً بجواري ، فأدرت وجهي مُتنحياً بأفكاري وهجمات ذاكرتي منتظراً أن تتركني ـ التي تركتني ـ أُمارس حياتي بهدوء وتُبعد ذكرياتها عني .

3
Plastic surgery

في غرفتي وصلة كهربية صغيرة عارية ، تقع تماماً أعلى زر الإضاءة ، تُعرضني للسعات الكهرباء لو لامستها ، لكني أفعل ذالك كل يوم تقريباً ، أنتفض ؛ أرج يدي رجّاً ، أضع إصبعي الملسوع على شفاهي ، أتألم ثُم أخرج هاتفي لأُضئ الطريق قليلاً ، يحدث هذا كل يوم ؛ لكني لم أُخبر أحداً من قبل ، كان سراً بيني وبين هذه العارية الصغيرة ، اتفاق ضمني بأن تلسعني كل يوم بكهربيتها الضعيفة وأصبر عليها بلا سبب وجيه ، لكني بمجرد أن كتبت عنها كسرت الاتفاق ، لا أعتقد أنها ستلمسني بعد اليوم ، ليس بعد أن يغطيها البلاستيك .

الأحد، 5 مايو 2013

الأغاني


إن حاولت انك تغير 
صورتك الحلوة فـ عينيا 
مش هتقدر

وإن حاولت إنك بغدرك 
تقتل الشوق اللى بيّا 
مش هتقدر

هذة روبي ، استمع لها وهى تُمارس أفضل ما يمكن أن يفعله مطرب عربي ( هـــنــا ) ، لا أعتقد أن الهجمة الضارية على هذة المطربة الجميلة لها دافع سوى الحقد على جمالها وتناسق جسدها وصوتها ، إنهم يكرهون كل جميل ويمنعونه من الغناء فى دول أصولية تدعى الحضارة ويمنعها التليفزيون المصري من الظهور حتى تتسع الشاشة للعاهات . ظلموكِ أيتها المثقفة الجميلة ، وظلمتِ نفسك عندما خضعتِ لشركات التسويق التى تستنزف الجميلات ، ليس لدى مشكلة أن تظهر روبي متألقة جميلة مثيرة فى أغانيها ، لا أكره جمالها ولا أحقد عليه ولا أغار منه ، تُثيرنى بكل ما تعنيه الكلمة ، وانا من النوع الذى يرى فى الإثارة أقصى درجات الجمال .

***

لأ مش انا اللى ابكى
 ولا انا اللى اشكى .. إن جار عليا هواك 
ومش انا اللى اجرى .. واقول عشان خاطرى 
وانا ليا حق معاك

بينما كان الوسط الغنائى يضج بأغانى الإستسلام المازوشي ؛ كسر محمد عبدالوهاب هذة القاعدة بأغنية ثورية يُهاجم فيها سلطة الطرف الآخر وينتقدها فى كلمات واضحة ( هـــنـــا ) . عبدالوهاب كان أسطورة حقيقية لا يمحوها الزمن أبداً ، وبرغم كونه احد قواعد الوسط الفنى فى هذة الفترة ويبدو كراديكالى محافظ على القواعد ، إلا أنهُ كان يحمل قلباً ثورياً ، حتى الذين كان يصاحبهم فى صولات التلحين وجولاته عرفنا مؤخرنا أنه اختزن ضدهم ملحوظات فنية كثيرة تنتقد رجعيتهم وضعفهم ، حصل المطرب على لقب اللواء بعد تلحينه النشيد الوطنى لدولتنا .

***

مبتعلمش 
بغيره القلب مبيحلمش
ينام الليل وسهرانه فـ هواه 
مبنامش

استرخي ، أغلق عينيك ، استمع لأنغام ( هــنــا ) ؛ عندما تفجرت فى روحى أغنية "مبتعلمش" كنت أتحرك باتجاه عامى الخامس عشر ، بعدها أصبح من المستحيل إقناعى أن هذا الصوت حرام ، حتى فى أعتى لحظات الإرتداد للأصولية التى عشتها فى فترات المراهقة كنت أسرق اللحظات كى اسمعها تغنى ( مجبش سيرتى ) .



***

نور جمالك في الظلام .. بدر في يوم التمام
حسن قدك والقوام .. كل ارواحنا فداه
نور جمالك آيه .. آيه من الله 
آمنت بالله

يجب أن تستمع لهذة الأغنية التى ليس لي معها أي ذكريات بصوت فؤاد حجازي ( هــنـــا ) ، لم أستمع لها فى حياتى إلا مرة واحدة ، لكنها اقتحمت خيالي مرة واحدة كما يقتحم ضابط أمن الدولة خصوصيات المواطنين . الكلمات رقيقه ، التعبيرات تتأرجح بين العامية والفصحى ، صوت فؤاد حجازي يسافر بين اللهجات العربية كأنه يُغنى بها جميعاً .

فؤاد حجازي ، جاهدة وهبة ؛ المخلصون الذين وهبوا حياتهم لفكرة الطَرَب المُجرّد من أى طموح فى شعبية زائفة ، المقتنعون بضحالة الشهرة ، الغير واقعيين الذين سيموت الجميع وتستمر أصواتهم فى رحلة الخلود .