الأحد، 14 ديسمبر 2014

أمان أمان

لا أشعر بالأمان في أي مكان، الأشياء التي كنت أطاردها وما لمستها أصبحت تطاردني دون أن تلمسني أيضاً كأني تحيطني لعنة أبدية، دائمة، قوية، محبوكة ومحكومة ومتلوّة من قبل شخص يقدره القدير. أغلقت الفيسبوك وشددت في إغلاقه فما تركت لنفسي إليه منفذاً فطاردتني الرائحة، والشوق. ضيقت الخناق على الشوق فاستعصى عليَّ وأطرحني وضرجني به وانتصر.

إذا شابه اليوم أمست اكتئبت، وإذا اكتئبت تشابه الغد مع اليوم، أدور أدور في ردهات الأيام كالممسوس ولا شيء يتغير، الحياة ليست صعبة وليست سهلة لكنها مقززة، أفكر في تجربة الموت لكني لا أكاد أمسك بأهداب الفكرة حتى تتفلت. أعدائي: الشوق والأمل.

من ذا يضمن لي حياة بلا أمل ولا شوق ويأخذ نصف عمري وأذكره بخير في النصف الباقي؟

الإدراك أيضاً مشكلة، أُدرك في تبصر مذهل ـ ومستفز ـ كم أنا حقير، وهذا يحول بيني وبين القدرة على احتقار الآخرين، لا أستطيع الكراهية بملء طاقتي، كانت لدي طاقة هائلة استنفذتها في الحب (أي: سكبتها في البحر) ولم يعد لدي إلا، حسناً، لم يعد لدي شيء.

رأيت اليوم ناضجاً يمد يده إلى طفل شبه تائه يريد يرده إلى أمه، نظر إليه الطفل بحيرة، وتردد في مد يده، تردد ببطء وبلادة كشاعر، ثم منحه يده في استسلام منهياً الموقف بضعف، كعاشق. كدت أصرخ في الطفل؛ اهرب، سيلقيك في الزيت المغلي، سينزع أضلعك ويصنع من شغاف قلبك متكئاً، سيطحنك حتى تتبدد ويزيف عليك رؤيتك، لكن تراجعت وألصقت فمي بفم الفلتر.

لا أشعر بالأمان في أي مكان، كل مبنى مشروع طلل وكل عشيقة مشروع ندبة جديدة في غشاء القلب، كل الأيام تصبح "أمس" ومن ثم "يوماً ما" ثم تتلاشى كلا شيء.

الأحد، 23 نوفمبر 2014

راح

أستمعُ* الآن إلى كل أغاني الفراق التي أجدها في طريقي وأتلذذ بها ما استطعت، لقد أحببتك فعلاً يا مريم ولكنه كان حباً مقرفاً، كنتِ تسحبين من جسدي كل فيتامين ب6 فتلتهب أعصابي وتنزعين من قلبي الكالسيوم فترهقينه، وتقفلين ممرات الصوديوم وتعطلين إنزيمات التنفس فيصيبني الاختناق، لم أعد أهتم لأمرك ولا لبكائك على حائطك الوهمي فرجولتي ـ الآن ـ أهم، وعيناكِ وشفتاكِ ونهداكِ ما عادا يثيران بي إلا الرثاء لذاتي والاعتذار لنفسي فأنكب على روحي راثياً ومعتذراً، عرضت نفسي لهذا الهوى الذي ـ رغم كل خطاياي ـ ما كنت أستحقه.

وضعتُ بيدِك حجراً فرميتِهِ في وجهي، علمتُكِ الرماية فلما استد ساعدكِ أنشبتِ كل الأسهم في صدري، فواأسفي على هذا الصدر . أقف أمام المرآة وأتأمل ندوب وجهي وأتحسس شَعري الإفريقي بكل الحب الذي افتقدتهُ طويلاً، أمنح نفسي موعداً غداً وأذهب، أدوس على الأرض في فخر وأتأمل السماء وَحدي، وأرتدي أكثر تيشيرت أحبه. استمع إلى نزار قباني في صوت كاظم الساهر وأغني مع كل أغنية، وأضحك وأحدث أمي في الهاتف قائلاً إني بخير ولا أشعر أني منافق، أطلب أختي ذات الثلاثة أعوام كي أحدثها وأسمع همهاتها تحاول تنطق اسمي وأضحك، أضحك، وأساعدها في لفظ الاسم وأقوله معها، للمرة الأولى منذ أعوام يا مريم أشعر أني بخير، كمن استأصل جزءاً من كبده، كبده الذي كان يحبه لكنه كان ملوثاً بالفيروس ويجب بتره.

لم أترككِ يوماً حتى حين تركتك، كنت أحبك حين أكون حبيب سواكِ و "أشرب نخبك حين ترافقني امرأةً للعشاء**"، كان السؤال عن حالتي العاطفية يربكني ويهزمني ويذكرني بضآلتي في حياتك وضخامتك في حياتي ويكسر بي كبرياء الرجل، ما اسوأ أن ينكسر كبرياء الرجل يا مريم ، وما أحلى أن ينفض المرء عن ذاته الغبار المخدر ويقف على قدميه، القيام بعد الركوع، سأرمم كبريائي ببطء وعزيمة وسأجدد غروري بقسوة. وأنتِ، ما أنتِ إلا يدٌ تطاولت على روحي فقطعتها.

لا أشكو إليكِ ولا أراسلك ولستِ صديقتي بعد الآن، إنما أكتب ما أكتب ذا كي أؤلمك. أي قسوة تلك التي مارستيها عليَّ حتى تجعليني رجلاً يكتب كي يؤلِم؟

ملحوظة1: ألقيتُ الجزء الذي سرقته من سلسلتك في القمامة، والعملة التي عليها خطك منحتها لمتسول فشكرني ثم رماها في وجهي قائلاً أنها لا تصلح، عبثاً حاولت إقناعه أنها تساوي سبع جنيهات ما اقتنع؛ فألقيتها في وجهه.

ملحوظة2: مهرجان شعبي كي أجعل هذا النَص سيئاً، لا تستحقين نصاً جيداً: https://soundcloud.com/sm3nash3pey/fw2otxadqrgx


الوداع بلا تحايا

عمر عاطف أحمد علي

أسيوط، وبني سويف – 15/11/2014

*الراح هي الخمر
**من قصيدة "تناقضات ن.ق الرائعة"، نزار قباني

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

ما قاله اللورد هنري

أنت لا تحس بشبابك لأنك تمتلكه، ولن تحس به إلا إذا فقدته، ولسوف تفتقده يوم يضيع منك. ستفتقده حين يزول جمالك ويمتليء وجهك بالغضون، ستفتقده حين يحفر الهم أخاديده في جبينك الجاف ويكوي الأسى بنيرانه شفتيك، أنت تفتن الدنيا أينما ذهبت الآن، فهل يدوم لك ذالك؟ ما رأيت وجهاً قط في جمال وجهك يا مستر جراي، ولا تعبس فهذه حقيقة مقررة، والجمال لون من ألوان النبوغ، بل الجمال أعلى قدراً من النبوغ، وهذه أيضاً حقيقة مقررة. فإن كنت تشك في ضوء الشمس أو في الربيع أو في القمر الفضي حين ينعكس خياله على المياه المظلمة أو في أشباه هذة الحقائق الأولية فلك أن تشك في صدق ما أقوله، إن الجمال يحكم العالم بإذن من الله، والله لا ينازعه في دولته شيء في الوجود، فمن حبته الطبيعة به جلس على عرش القلوب.

أراك تبتسم لهذا الكلام ولكنك لن تبتسم حين يزول عنك جمالك، أسمع الناس يقولون إن الجمال سطحي، ولعلهم صادقون فيما ذهبوا إليه، ولكن الجمال مهما كان سطحياً فلن تصل تفاهته إلى تفاهة الفكر.

ولو سألتني الرأي لقلت لك إن الجمال عجيبة العجائب، وقد يكون الجمال قشرة ظاهرية، ولكن الظواهر هي كل شيء في الحياة ومن لا يحكمون بالظواهر هم السطحيون الذين لا يفهمون شيئاً عن لغز الحياة. فلغز الحياة هو ما نراه وليس ما لا نراه. نعم يا مستر جراي إن الآلهة تحبك، ولكن لا تنس أن الآلهة تسترد ما تمنح، ولم يبق إلا سنوات معدودات تستطيع فيها أن تحيا جمالك على أكمل وجه، فحين يذوي شبابك يذوي معه جمالك ولسوف تجد حينئذ أن أيام مجدك قد مضت وتفهم معنى الهزيمة، أو تقتنع من كل هذا السلطان العريض بذكرى مجدك الزائل؛ وهذا أشد مرارةً من الهزيمة.

إن كل شهر يفوت يقترب بك من هذا المصير الأليم. فالزمن ينفس عليك شبابك ويغار من وردك ورياحينك، وحين يصرعك الزمن يشحب لونك ويتجعد خداك وينطفيء البريق الذي يلمع الآن في عينيك، وتتعلم كيف يكون الشقاء .. فانعم بشبابك ما بقي لك.

أيامك ذهبية فلا تبعثر ذهب أيامك مستمعاً إلى نصائح الوعاظ الثقلاء أو آخذاًَ بيد العاثرين أو مكرساً حياتك للجهال والسفهاء، فهذه أهداف عصرنا وهو مريض وهذه مثله العليا وهي زائفة. عش وانعم بالحياة المتفتحة فيك، واستفد من كل اختبار يمر بك، وجدد إحساسك بالحياة ولا تخش شيئاً، فعصرنا بحاجة إلى دين جديد، إلى وثنية جديدة، إلى إحياء عبادة الجمال التي انطوت تحت أنقاض اليونان. ولتكن أنت رمز هذه الفلسفة الجديدة، فالدنيا وما عليها طوع بنانك حتى ينطوي ربيعك الناضر.

*شخصية اللورد هنري ـ رواية "صورة دوريان جراي" ـ أوسكار وايلد

الأربعاء، 27 أغسطس 2014

ليه عنترة بن شداد؟

عنترة بالنسبالي مثال للراجل الحقيقي، الراجل اللي عنده طموحات طبقية شرعية وبيحققها بالطرق الرجولية، بالسيف والشغل على نفسه وتطوير مهاراته، عارف إيه أصعب من إنك تتحول من فلاح ابن فلاح لباشا ابن باشا؟، إنك تتحول من عبد لـ حر.

عنترة كان عبد وقدر يبقى حر عن طريق الشغل، الشغل ده بيختلف بقى من عصر لعصر، على أيامه كانت الحروب هي المكاتب والسنان هي الأقلام، وهو كان مثال للشخص مدمن العمل (الـjob addicted) اللي معندوش استعداد يذل نفسه لأي حد مادام يقدر بشغله يوصل للدرجة اللي عايزها.

عنترة كان بيحب نفسه، بيعشقها، أصلاً أنا شايف قصة حب عنترة الأصلية ليست مع ليلى لكن مع ذاته، قال شعر في نفسه أكتر ما قال في ليلى، وحتى لما قال شعر في ليلى كان بيفخر بنفسه ويلتمس طريقه لعشقه الذاتي الأصلي :

هلا سألت الخيل يا ابنة مالكِ، إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنمِ

عنترة مكنش مجرم لكن كان فارس، رغم إدمانه للقتل في المعارك لكنه كان يكره ما يكره الفرسان، كان بيكره إن حد يشتمه أو إنه يرد الشتيمة بمثلها:

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر للحرب دائرة على ابني ضميمِ

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لقيتهما دمي

معنى الأبيات : أنا خايف أموت قبل ما ألتقي في الحرب بـ ابني (ضمضمِ)، وضمضم هذا هو فارس قتلهُ عنترة في معركة سابقة، وأولاده هما (هرم وحصين) كانوا بيتوعدوا عنترة بالقتل إذا لقياه، وبيشتموه في عرضه، وهو كان خايف يموت قبل ما يقابلهم بالسيف.

عنترة كان عنده مباديء وقيم تتدرس، ليه قصائد في الحكم رائعة، لازم تقرأوا قصيدة (وللموت خير للفتى من حياته) اللي بيقول فيها : وللموت خيرٌ للفتى من حياته إذا لم يثب للأمر إلا بقائدِ، يعني انت تموت أحسن ما تبقى حياتك كلها انقياد للآخرين.

العرب بتُطلق على الشخص اللي قدر يوصل بمجهوده اسم (عصامي)، وده من بيت شعر للنابغة الذبياني بيقول فيه : نفس عصام سوَّدت عصاما. وعصام اللي اتقالت فيه القصيدة هو عصام بن شهبر الجرمي حاجب النعمان بن المنذر، لكن أنا مش فاهم ازاي عصام هذا يبقى هو مثال ومصدر اسم العصامية (أصبحت مصطلحاً للاعتماد على الذات) بينما عنترة بن شداد أحق بذالك وأولى، وأظهر في المثال وأوضح، عنترة هو أيقونة الذاتية الإيجابية على مر العصور.

السبت، 16 أغسطس 2014

شرح بالعامية لمقطع من إحدى قصائد زهير بن أبي سلمى

في فترة الإنفلات الأمني في الجاهلية واحد اسمه الحارث بن ورقاء (اسمه بالكامل الحارث بن ورقاء بن سويط بن الحارث بن نكرة بن نوفل بن الصيداء، واتكرر اسمه في قصائد زهير بني أبي سلمى باسم ابن ورقاء أو ابن نوفل، أبناء عمومته بني الصيداء وعشيرته بني نوفل وقبيلته أسد) هجم على أملاك زهير بن أبي سلمى، واستولى على مجموعة جمال مع الراعي بتاعهم كان عبد راعي اسمه يسار.

زهير كان شاعر، والشعراء في الجاهلية كانوا قوى عظمى، كل الناس بتخاف منهم، لو رزعك قصيدة هجاء هيفشخ وزنك بين القبائل والناس هتتغنى بشتيمتك.

زهير الشاعر الأسطورة هدد الحارث بن ورقاء إنه لو مرجعش العبد الراعي "يسار" مع الجمال هيكتب فيه قصائد هجاء تخليه يفقد كل شيء، القصيدة أمضى من السيف، قصائد زهير كان اسمها الحوليات المحككة، القصيدة بتاخد سنة كاملة علشان تطلع للنور ولما تطلع مترجعش تاني، أسطورة في رصانتها وبلاغتها وأسلوبها.

من أروع قصائد زهير تلك التي هدد بها الحارث بن ورقاء وطلب منه إنه يرجعله العبد بتاعه:

هلّا سألت بني الصيداءِ كُلَهمِ، بأي حبل جوارٍِ كُنتُ أمتسِكُ؟

يعني اسألوا بني الصيداء  "العشيرة اللي منها الحارث" إزاي احنا جيران ويعملوا معايا كده، شكلها إيه الجيرة دي.

يا حارُ لا أُرميَن منكم بداهيةِ، لم يلقها سوقةٌ قبلي ولا ملكُ

البيت ده ولا أروع، يا حارُ : يقصد يا الحارث، بلاش تعملوا معايا حركة منحطة محصلتش قبل كده للـ "سوقة : الدهماء والعامة" ولا الملوك، العرب كانوا بيعتبروا غدر الجيران دي أفظع الفظائع وأحط أوجه الإنحطاط.

أُردد يساراً ولا تعنف عليه ولا تمعك بعرضك، إن الغادر المَعِكُ

يعني رجعلي العبد الراعي بتاعي، ومتعرضوش لأي إهانة، ومتعرض عرضك وشرفك وسمعتك للبهدلة بالغدر.

ولا تكونن كأقوامِ علمتُهُم يلوون ما عندهم حتى إذا نُهِكوا
طابت نفوسهمُ عن حق خصمهمُ مخافة الشرِّ فارتدوا لما تَرَكوا

متبقاش زي الناس اللي يعاندوا لحد ما "يُنهَكوا" يعني يتشتموا ويتعرضوا للهجاء، وبعد ما يتهزقوا ويتبهدلوا يتنازلوا ويرجعوا في كلامهم.

تَعلَّمن، ها، لَعَمرُ الله، ذا قسماً، فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلِكُ

البيت ده تهديد صريح، أداة التنبيه وأداة القسم وأسلوب الأمر، اقدر بذرعك يعني شوف خطواتك، يعني بالمصري شوف بتحط رجلك فين، وانظر أين تنسلِكُ يعني متدخلش نفسك في حوارات انت مش قدها.

لئن حللت بجوِ في بني أسدِ في دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ
ليأتينك مني منطقٌ قذعٌ باقِ كما دنس القُبطية الوَدَكُ

يعني لو أنت في حمى عشيرتك وقبيلتك وبيني وبينك صحاري شاسعة هيوصلك مني قصيدة هجاء خالدة الذكر تشوهك وتحط من شأنك للأبد ولا يزول أثرها، تلوث ذكراك كما يتلوث الثوب الأبيض بالشحم.

جدير بالذكر إن الحارث اضطر يطلق سراح العبد الراعي يسار ويكسيه كمان ويرجعه لزهير بني أبي سلمى معزز مكرم رغم إن عشيرته "بني نوفل" اعترضوا وطلبوا منه يقتل العبد، زهير كتب قصيدة تانية فيها مدح للحارث وهجاء لبني نوفل ، ومن القصيدة دي بيت رائع بيقول فيه :

إن ابن ورقاء لا تُخشى غوائلهُ، لكن وقائعهُ في الحربِ تُنتظرُ.

يعني الراجل ده ميتخافش من غدره، لكن في الحروب ضرباته حاسمة.

عموماً يعني زهير بن أبي سلمى حد كويس، ابقوا اقرأوا الديوان بتاعه.

تحميل الديوان PDF :  اضغط هنا

سكرينشوتات من ديوان زهير :

------
 ------

 ------

الأربعاء، 28 مايو 2014

أن يقتل المرء نفسه

التدبيج : الشعور بالذات تصحبه سعادة لحظية، أورجازم مؤقت يستمر لفترة قصيرة جداً ثم ما يلبث أن يتحول لبؤس مُقعد مُقيم عندما تتضخم ذاتك، تبدأ الذات في الإنتفاش حتى تلف وجودك كأصلة عملاقة لم تأكل شيئاً منذ عامين، تعاسة، اختناق.

--

الموقف : لماذا يرتكب بعض الناس فعل الإنتحار؟، لسببين .. إما أن شعورهم بذواتهم تضخم لدرجة كبيرة بحيث لم يعودوا قادرين على تحملها. أو أن المشكلات أصبحت تزاحم الشعور بالذات المتضخمة فكان يجب أن ينتصر أحدهما على الآخر، وبكل الأحوال فإن المُنتحر واقع تحت تأثير ذاته المنفوخة بشدة، مُعاناة الشعور الحاد، متلازمة نفسية تجعل شعورك بالأشياء حاد وعنيف.

--

الإطناب : لطالما وقفت حائراً أمام فعل Commit الذي يسبق فعل الإنتحار (Suicide) في اللغة الإنجليزية، ما دلالته؟، وكيف يمكن ترجمته حرفياً بكل ظلاله اللغوية؟، هل يعني "أن يفعل المرء فعل الإنتحار"؟، وأشياء أخرى مثل تعبير Do drugs المُربك أيضاً والذي بقُدرة قادر يعني "تعاطي المخدرات!". في اللغات الأخرى تراكيب لا يمكن أن تتدفق إلى دمي طالما بقيت عربياً، ستظل تومض أمامي كشقراء أمريكية مُدهشة الجَمال معقدة التفاصيل، لهذا يرتكب المرء فعل إغراق سنوات طويلة من حياته في دراسة لغة أخرى .. فقط كي يشعر بها، يمكنك أن تتعلم الإنجليزية ـ وهي لغة سهلة ـ في شهور قليلة بالممارسة، لكن أن تشعر بها، فهذا يحتاج أن لا تكون عربياً، أو أن تضيع عمرك.


الخميس، 24 أبريل 2014

وهم الشعبية المزيفة في تويتر والفيسبوك


You can't fake creativity, competence, or sexual arousal.

"Douglas Coupland"


كشفت فضيحة تامر حسني المدوية في العام الماضي عندما انخفض عدد متابعيه على تويتر إلى النصف ( التفاصيل )، كشفت تلك الفضيحة غطاءً هشاً عن شبكة كبيرة من تزييف الوعي الذي يحصل بكثرة مخيفة تحت السطح في مواقع التواصل الإجتماعي عموماً وتويتر خصوصاً.

بوضوح وبدون تفاصيل سأحاول شرح كيف يحدث هذا، كيف تعكس مواقع التواصل الإجتماعي صوراً مزيفة عن مدى شعبية الشخص وجودة أفكاره وانتشارها.

في تويتر؛ إذا كنت تقيّم الأشخاص بحسب عدد متابعيهم، فتوقف عن ذالك يا صديقي، لأن موقع خمسات لبيع الخدمات الإليكترونية يمتليء بمئات العروض لبيع متابعين وهميين ( اضغط هنا ) وتصل العروض للرخص لدرجة أن بعضها يعرض عشرة آلاف متابع بخمسة دولارات فقط، أي حوالي 35 جنيه مصري أو 20 ريال سعودي تقريباً، يمكنك شراء أربعين الف متابع لتصبح مشهوراً كفاية على تويتر.

لكن كيف يحدث هذا؟

حسناً، موقع تويتر سخيف جداً لدرجة أنه يمكنك عمل 100 حساب تويتر يومياً بدون رقيب من إدارة الموقع، ولن يعتبرها إنشاءات وهمية (سبام)، فقط عليك الدخول إلى أحد مواقع إنشاء البريد الإلكتروني المؤقت ( مثل جوريللا ميل ) والإنطلاق في بناء مئات حسابات تويتر.

بعد تكوين قائمة محترمة من حسابات تويتر التي لا تعبر عن أشخاص حقيقيين يقوم الشخص بربطها سوياً بحيث يمكن توجيهها جميعاً كأنها حساب واحد عن طريق تطبيق تويتدك، يمكنه عن طريقهم عمل ألف ريتويت مثلاً لتغريدة ما على تويتر بضغطة زر.

لكن لماذا ينتهي كل هذا نهاية مأساوية ميلودرامية مثل تلك التي حدثت لتامر حسني؟

الحسابات الوهمية في تويتر عادةً ما يتم إساءة استخدامها بشكل واضح وفج، مثل الريتويت المدفوع والفيفوريت المدفوع ومتابعة قوائم كاملة من الأشخاص، وبالطبع لا تقوم بتفاعل حقيقي أو كتابة تويتات ذات مغزى، لذالك فإنه من المعروف لأي شخص تعامل مع الحسابات الوهمية أنها معرضة للإغلاق بشكل دوري كل فترة معينة حسب درجة إساءة استخدامك لها، فأحياناً يستمر الحساب الوهمي لعام كامل وأحياناً يغلق بعد شهور. لكن لأن تويتر سخيف، فإنه أحياناً كثيرة يُعيد نشاط الحساب الوهمي بعد فترة من إيقافه.

وهذا يبرر انخفاض عدد متابعي تامر حسني، الحسابات الوهمية أغلق عدد كبير منها، وإذا تابعتم التعليقات التي يقدمها "المشترون" على خدمات بيع المتابعين في موقع خمسات يمكنكم رصد العديد من الشكاوي التي تقول أن المتابعين انخفض عددهم بعد الشراء، رغم أن هذا طبيعي ومنطقي.

هذا عن تويتر فماذا عن الفيسبوك؟

الفيسبوك موقع محترم بالفعل، قوانينه صارمة ومتابعة تنفيذ القوانين صارم أيضاً، لكن تلك القوانين نفسها هي التي تصنع الثغرات، فرغم أن التعديلات الأخيرة في الفيسبوك خفضت مستوى تفاعل الصفحات التجارية كثيراً لصالح الصفحات التي تطرح محتوى حقيقي أو التي تعبر عن أشخاص حقيقيين، إلا أن هذا لا يمنع ظهور شعبويات مزيفة كثيرة على الفيسبوك.

مثلاً؛ آية مصطفى فتاة لطيفة تقدم فيديوهات كوميدية على يوتيوب، لديها صفحة على الفيسبوك ازداد عدد معجبيها ربع مليون في اسبوع واحد ( المصدر ). إذا كنت تعتبر هذا دليلاً قاطعاً على شعبية آية، فأعد التفكير.

الفيسبوك يطرح دورياً ميزة "الدخول في قائمة التوصيات" لصفحات الفيسبوك، أي أنه يتم عشوائياً اختيار مجموعات من الصفحات النشطة وضمها إلى قائمة من الصفحات تظهر بكثرة لمستخدمي الفيسبوك في الشريط الجانبي تحت عنوان "صفحات موصى بها"، اختيار الصفحات للدخول في قائمة توصيات الفيسبوك يتم عشوائياً، كانت لدي صفحة مختصة في نشر صور الطبيعة موجهة للناطقين بالإنجليزية دخلت في قائمة التوصيات فكان عدد معجبيها يزيد يومياً بمعدل 15 ألف معجب، ثم تم إغلاقها من قبل إدارة الموقع بعد أن وصلت لحوالي ربع مليون متابع لأني نشرت محتوى من موقع ناشيونال جيوجرافيك محمي بموجب حقوق النشر، وهذا سبب غير شائع لغلق الصفحات في الواقع، لكنها مأساة نسألكم الدعاء.

هذا بالضبط ما حدث في صفحة آية مصطفى ويحدث في صفحات فيسبوك كثيرة تعتقد أنها زادت بسبب زيادة شعبيتها بينما زيادتها حدثت نتيجة صدفة بحته. وهناك وسائل أخرى كثيرة غير شرعية لزيادة الصفحات مشابهة لما يحدث في تويتر، حيث يتم بيع المعجبين للصفحات بأسعار تتراوح ما بين دولار وثلاثة دولارات للألف معجب.

كما أن متابعي الحسابات الشخصية في الفيسبوك (السبسكرايبرز سابقاًُ الفوللورز حالياً) يتم بيعهم أيضاً عن طريق قوائم مشابهة لما يحدث في تويتر لا داعي لشرحة طريقة عملها، وأسعار المتابعين للحسابات الشخصية رخيصة جداً ومتاحة في موقع خمسات أيضاً، لكنهم بالطبع متابعين وهميين لا يتفاعلون معك وكما ذكرنا فإن عددهم قد يتناقص، لكن رغم هذا فإن فيسبوك لا يزال موقع منضبط مقارنةً بتويتر المُهمَل.

مواقع التواصل الإجتماعي، ذالك العصر الجديد، ورغم كل عيوبه فإنه سيظل كوكباً موازياً جميلاً، استمتعوا به دون أن تتعرضوا للخداع.

تحديث هام : يتيح الفيسبوك ايضاً دفع الأموال مقابل الترويج للصفحة أو المنشور على صفحتك الشخصية، وهي طريقة شرعية لأنها توصل منشورك للمهتمين به فعلاً، ومثال على ذالك صفحة أحمد حلمي الرسمية على الفيسبوك التي ظهرت منذ خمس دقائق بعد كتابة هذا الموضوع ( هنا )  والتي زاد عدد متابعيها ليقارب الثلاثمائة ألف في ساعات قليلة بطريقة الإعلانات الممولة للفيسبوك.

وهناك عامل آخر أدى لزيادة معجبي هذة الصفحة أيضاً وهو قانون جديد للفيسبوك يسمح لصفحات المشاهير الموثقة بالحصول على كل معجبي الصفحات المزيفة التي أنشأها آخرون باسمهم، فمجرد توثيق الصفحة باسم "أحمد حلمي" يتم عمل حصر تلقائي لكل الصفحات التي تحمل نفس الاسم ونقل معجبيها إلى صفحة أحمد حلمي الحقيقية.

الثلاثاء، 11 مارس 2014

الرجل الذي شرب الفرابتشينو مع حبيبته السابقة في الخيال

My fake plants died because I didn't pretend to water them

"Mitch Hedberg"

- ماذا تشربين؟

- شربت كثيراً، لنقتحم الأمر ونخلص

- دعكِ من تلك الجمل السينمائية، فيه هنا فرابتشينو بالبندق زي الزفت، أدعوكِ إليه بكل قرف

- اتكلم كويس يا عمر، احنا مفيش بيننا دلوقتي غير كل احترام

- حاضر

- حسناً ماذا نفعل الآن، دعنا ننهي الأمر قبل أن يرانا أحد، لا ينقصني سوى أن يعرف خطيبي بوجودي مع شخص غريب بمفردنا

- لكني لست شخصاً يا ريم، أنا لم أعد شخصاً، الشخصية ذابت كالملح بالماء وأصبحت وهماً، لن يغضب خطيبك ـ العِجل ـ عندما يعلم أنك جلست مع وهم بمفردكما، لا يغار الرجال العاديون ـ والعادية سُبَّة عندما يتعلق الأمر بالرجال ـ لا يغارون من الأوهام

- لكنك لست وهماً؛ أنت أكثر تحققاً من الأرض والوطن

- ما علينا، كفاية فزلكة لحد كده

- كفاية

- طيب نبدأ؟

- نبدأ إيه؟

- اتَّكي عليه

- نعم؟؟

- أقصد أنه ليس هناك ما نبدأه، لم تنتهي الأشياء كي نعيدها إلى نقطة البداية، وليس ثمة شيء جديد كي يبدأ، قولي "نكمل"

- لا، لن أقول "نكمل"، سأقول فقط بطل انت فزلكة فاضية وانزل على الأرض شوية يا فاشل

- طيب، بطلنا فزلكة، قولي لي ماذا نفعل الآن، الحياة واقفة والكوكب توقف عن الدوران حول الشمس، وحول محوره، لم تعد الأشياء تحدث منذ ذالك اليوم الأشقر الذي رأيتك به، أعطيني حلاً قبل أن أطلع تربنتين أهلك واعبيه في شوالات، خلاص، لا أستطيع التحمل أكثر

- مش فاهماك، مش قادرة افهمك ولا افهم تصرفاتك وكلامك العجيب ده، انزل قليلأً، او اصعد، تحرك تحرك، اخرج من أطوار الجنون تلك التي تعصف بك وبمن حولك، الأرض لا زالت تدور حول الشمس يا صديقي ولم يتغير شيء، الأشياء تحدث، أنت تتعلم وتكتب وتقرأ وتتنفس، وأنا كذالك، لا تبالغ وتواضع للحقيقة وتحرر من مراهقتك

- وكيف أتحرر إذا كانت كل كلمة منكِ تقيدني أكثر بهذا العقل الواعي، وهذا الجسد الثائر. المشكلة يا ريم ليست القدرة في التحرر، لكنها القدرة على خلق الرغبة في التحرر منكِ، لو كنت أريد لفعلت، لكني لا أريد

- عمر، انت أحمق، تقرأ الشعر وتسقطه على حياتك حرفياً، ربما قرأت للمجنون بيتاً قال فيه "وقالوا لو تشاء سلوت عنها، قلت لهم فإني لا أشاءُ" فأسقطت الحالة على ذاتك وتماهيت، توقف عن التماهي يا مجنون فستفقد حياتك يوماً متماهياً في شيء ما

- تصدقي صح .. انتي اتعلمتي كل ده فين

- لوحدي

- شكراً

- بطل بقى

- ابطل ايه

- أوف؛ لقد أصبحت لا تُطاق

- بجد؟

- لأ، لكن يجب أن أقول لك أنك لا تُطاق بين الحين والآخر، انا بنت، والبنات لا يجب أن يكُنَّ راضيات، أتعلم .. لو أصبحت الفتاة راضية عن كل شيء ربما تصاب بجلطة قلبية، السخط على الأشياء جزء من طبيعتنا

- كأنك لا تريدين لهذا الحديث أن ينتهي يا ريم، كأنه مسلي ولذيذ

- نعم؛ لكنه سينتهي، وسأعود لحياتي الطبيعية، وأنت كذا ستعود، وسأقف بعد شهور أمام زوجي عارية

- انتي سادية مريضة

- لست سادية، بل أذكرك بالحقيقة حتى لا نتمادى كلينا

- إذا كنت تعلمين أن وجودنا سوياً الآن خطأ وأنك ستقفين أمام "زوجك" بعد شهور، لماذا أتيت لمقابلتي؟

- يا مجنون، أتصدق أني أتيت لمقابلتك حقاً؟، أنت لم تدعني أصلاً، وأنا لم أجيء، انت تتحدث إلى نفسك في مدونتك وتختلقني اختلاقاً لأنك تشتاق إليَّ، وتجعلني أنطق بما تعتقد أني سأنطق به، تجعلني أتحدث مثلك، وتحشرني في الفصحى وأنا لست بنت الفصحى، اخرجني من هنا يا عمر قبل أن تنشر حوارك هذا على الملأ

- طيب طيب

- لا ليس الأمر طيباً، لقد زاد عن حده بجنون، حياتك تضيع، لقد رسمتني على كل شيء حولك، حتى تلك الجميلة التي ضاجعتها منذ يومين حدثتها عني على السرير، توقف عن ذالك

- لا تخرجي عن النص يا ريم، أنت تفسدين الحوار، وأنا أريده حواراً نقياً بيني وبينك، لا تتحولي وتصبحي ذاتي ويصبح الحوار ذاتياً، أنا مالك هذة المدونة ومن حقي أن أنشر فيها ما أشاء

- انت عبيط يابني؟، أنا لا أملك الخروج عن النص أصلاً، انت من تكتب باسمي الآن، أنا نائمة على سريري في منزلي وأنت تكتب باسمي، لا تطلب مني أشياءً، هذا ضرب من الجنون. ثم ما هذا التعبير "ضرب من الجنون"، كيف تكتبه على لساني، أنا لا أقول تلك الكلمات الميتة

- بصي يا بت، أنا اكتب اللي انا عايزه باسمك أو باسم أي حد، انا حر

- وانا كمان حرة، طلعني من هنا دلوقتي

- اسمعيني، أنا فعلاً أريد أن أنهي هذا الأمر، نوبات الاكتئاب تتكرر، صوتك يتكرر، وجهك يتكرر، لكني فعلاً لا أعرف ماذا أفعل، قولي لي أنتِ ماذا أفعل، الحياة تصبح أسوأ كل يوم يا ريم، ولا أمل، لا أمل إطلاقاً

- يعني لو قولتلك تعمل ايه هتسمع الكلام؟

- لأ، لكن قولي، أريد أن أستمع إليكِ

- عبث

- وما في الأرض غير العبث؟، يعني قدرتي تستحملي كل عشوائية وعبث الحياة ومش قادرة تستحملي قليل من الهرتلة يلقي بها عشيق قديم، قديم، يائس؟

- لا تلقي اللوم عليَّ، انت تعرف جيداً أني تحملتك كثيراً

- لا أعرف عن ذالك شيئاً

- بل تعرف، مجرد التعلق بك ألقى على صدري حملاً ثقيلاً

- آه صح بمناسبة الصدر؛ هل تراجعتي عن فكرة التصغير؟

- بطَّل بقى

- أبطل ايه، باسألك تراجعتي عن فكرة التصغير ولا لأ؟

- ليس من شأنك

- بل من شأني، لا تستطيع الشمس أن تنطفيء وتتجاهلني

- يابني بطَّل بقى، لم يعد كلامك يثير فيَّ شيئاً، أنا كبرت عليك، مهما حاولت أن تجذبني بالكلام الجميل لن تستطيع، الحياة صدمتني بقوة حتى أني أدركت أنك هلس

- لماذا يدرك الجميع أني هلس بشكل مفاجيء، وهل ادَّعيتُ قبلأً أني خليفة أمبيدوكليس في الملاعب؟، لا أرى وجهاً للمفاجئة، انتي تصورتِ شيئاً وآمنت به لفترة طويلة، ثم تراجعت عن إيمانك، ما ذنبي؟

- طيب، أنا مضطرة أمشي دلوقتي يا عمر، اشرب الفرابتشينو لوحدك، عندي خيال شاعر تاني لازم اروحله دلوقتي حالاً

- مفيش أحلى من خيالي يا بت، أنا عامللك جو شاعري خالص

- انت مجنون والله، انت صدقت فعلاً انك بتكلمني؟

- لأ، لكن التمنّي العميق يقرب الخيال من الواقع، وكلما زاد التمني زاد القرب، حتى يُجن المرء ويرى هلاوس يعتقدها واقعاً من فرط التمني

- حسناً لا تفرط فيه

- طيب

- ياللا سلام يا عمر، خد بالك من نفسك

- انتظري قليلاً يا روح أمك، انتي فاكراني تامر حسني تسيبيني كده واقولك قوليله ياخد باله منك؟، انتي هنا في خيالي ومش هتطلعي غير لما ابقى انا عايزك تطلعي

- لأ، هاطلع دلوقتي حالاً، حتى في خيالك لي الأمر من قبل ومن بعد

- تفتكري؟

- آه أفتكر

- طب قولي آسفة يا عمر

- آسفة يا عمر

- قولي أنا باسحب كل كلامي وانا أصلاً مقدرش اعمل حاجة منغيرك

- أنا باسحب كل كلامي ومقدرش اعمل حاجة منغيرك

- الله، خيالي حلو أوي، أقدر أخليكي تقولي أي حاجة

- أيوة بس كله كلام فاضي، مجرد خيال، انت عارف اني في الحقيقة مش باسمع كلامك أصلاً، مش باشوفك، مش باحس بيك، مش بانفذ أوامرك، كل اللي بتعمله محاولة للهروب لا أكثر، اؤمرني تاني وهتلاقيني بانفذ .. لأنك انت اللي بتكتب الحوار وانت اللي هتخليني أنفذ، بس ده في خيالك بس

- اسكتي شوية كفاية دوشة، عايز افتكر شوية حاجات وانتي ضاغطة على مركز التذكر في دماغي بصوتك

- أراهن إنك عايز تفتكر حاجة متعلقة بيَّا

- تكسبي

- كفاية كده يا عمر، تعالى نتكلم كشخصين متحضرين، كشخص بيخاطب خياله بتحضر، كلمني بتحضر شوية، انا واثقة فيك

- كدابة .. عمرك ما كنتي واثقة فيا، ولا لحظة، انتي معاييرك مضروبة بالنار ومتعرفيش حاجة اسمها ثقة أصلاً، وياللا ارجعي اتكلمي بالفصحى

- الفصحى من جديد .. لماذا؟

- مزاجي كده

- من فضلك أعدني إلى اللهجة العامية

- لأ الفصحى أحلى، بتخليكي زي العروسة اللعبة

- أتريدني كذالك؟، من فينا السادي المريض إذاَ؟

- كلانا يا ريم، كلانا تسادى ـ أي مارس السادية ـ على الآخر، كلانا متعب الروح ومصلوب على باب الرجاء، لقد قتلنا بعضنا كمملوكين في قتال ترفيهي

- لم أقتلك، لكنها الأحداث وطبائع الأشياء وتقلبات الله وأطواره

- والأحداث السياسية وانهيار الين وهبوط مؤشر كيس 30، لماذا لا تلقين اللوم على نظام مبارك بالمرة؟

- أوف، الحديث معاك مجرد حلقات متواصلة من العبث، اضغط "نشر" وانهي هذا الحوار السخيف من فضلك

- مش عارف، حاسس اني اتكلمت كتير ومش فاكر يمكن اكون قلت أسرار مينفعش تتنشر

- أسرار مينفعش تتنشر ! .. من تعتقد في نفسك بحق الجحيم، مدونتك لا يقرأها إلا ثلاثة اشخاص، اثنان منهم أصدقاؤك

- بتحبطيني ليه؟، مش هتبطلي العادة السخيفة دي؟

- سأتوقف عن إحباطك لكن اجعلني أتحدث باللهجة العامية

- لأ، كملي الكلام بالفصحى

- لن أفعل

- بل ستفعلي

- أترى، هذا ما كنت تفعله طيلة الوقت يا عمر، كنت تضغط كي تسير الأحداث على مزاجك الشخصي، حتى وأنت تحدثني في خيالك وعلى سطور مدونتك تحشرني في رداء لا أحبه وتجعلني أتحدث بالفصحى، كنت تفعل هذا معي كل الوقت، ثم تعود لي بالنهاية معاتباً، كم أنت أنت

- إيه ده، انتي خيالي فعلاً؟، ايه يا بت انتي بقيتي بتتكلمي ازاي كده، انتي كونتي شخصية مستقلة

- ليس ذنبي، أنت أطلت الحوار لدرجة أني تكونت لي شخصية مستقلة عنك في خيالك

- لقد طال الحوار فعلاً، أصبح كخيط من الحرير ملفوف حول عنقي، يحز في جلدي ويؤلمني ولا يُرى. طالت كل الحوارات يا ريم، طالت أوردتي فسحقتها، يجب أن ينتهي كل شيء قبل أن يُنهيني

- طيب ما ذنبي في كل هذا، أنا أريد حياة بسيطة وهادئة بدونك، بدأت أتخلص من كل مسببات التوتر حولي، وكنت أنت أولها، أنت علمتني أن أتصرف ببراجماتية وأحاول الاستمتاع بالحياة، لكنك علمتني بشكل خاطيء .. جعلتني نسخة منك وأنت تعلم جيداً أن الشحنات المتشابهة تتنافر

- كنا متشابهين مذ التقينا فماذا تغير

- تغيرت الحياة من حولنا يا صديقي

- تعرفي؛ انا مش عايز حياة مثالية، ولا عايزك معايا طول العمر، تأقلمت على عدم الرغبة في ذالك، لكن عايز افهم بس، عايز أعرف، ليه كل الحاجات اللي انا عايزها مش بتحصل، ليه كل التوقعات الجيدة بتخفق، ممكن اتقبل انتهاء العلاقة بس لو فهمت هي انتهت ليه، نفسي حد يفهمني الحياة اتغيرت ازاي .. أنا باتمنى الموت مش علشان ميول انتحارية .. لكن علشان مش فاهم، مش فاهم حاجة، تصوري عندي واحد وعشرين سنة وباتمنى الموت علشان مش فاهم؟، إيه كمية البؤس دي

- حاول تفهم

- مع ريم الجلاد

- بنتكلم جد يا عمر، حاول تفهم، ركز مجهودك في إنك تفهم وخلاص، انسى كل حاجة سخيفة عن الحب والجنس والحياة وركز في إنك تفهم،اتخلص من لا اكتراثيتك لأنها موسمية ومؤلمة

- بتنصحيني ليه؟

- لأني مهتمة بيك

- هو ده، هو ده الوصف بالظبط، انتي مكنتيش بتحبيني أنتي كنتي مهتمة بيَّا، كما يهتم المرء بكتاب شيق أو مسلسل تليفزيوني، لا يحب المرء الأشياء بل تنتابه مشاعر أخرى تجاهها مثل الإعجاب والاهتمام، لكن الحب، العشق، لا يكون إلا للأشخاص، لم أكُ في حياتك شخصاً يا ريم، كنت شيئاً

- طيب بتلومني ليه؟، مش انت اللي دايماً تقول إن مش من حقنا نلوم الناس على مشاعرهم؟، بتلومني ليه دلوقتي .. أنا عندي مشاعر معينة إنشالله تكون كراهية تجاهك، ليه تلومني عليها يا عم المنطقي؟

- مش بالومك يا بنت، وما ينبغي لي، لكني باحاول أطيل الحوار قليلاً

- القاريء هيحس بالملل

- انتي عارفة رأيي في موضوع القاريء ده

- طبعاً عارفة، حتى لو مكنتش قولتلي، لكن انا انت دلوقتي أصلاً، جزء من خيالك وأكيد كل اللي انت تعرفه أنا أعرفه، لكن انت اللي خليتني اكلمك عن القاريء علشان عايز ترد عليا بكده

- بس بقى كفاية ذاتية والتفاف

- كفاية انت، افصل بين الشخصيات في الحوار كي لا تصاب بالدوشة

- مُصابٌ بها منذ جئت للدنيا

- أوف

- توقفي عن التأفف علشان ما أمدش إيدي عليكي

- حاضر

الأحد، 9 مارس 2014

الجريمة التي ارتكبتها أماني الخياط عندما مست الذات المقدسة لباسم يوسف

كانت أماني تعارض نظام المشير طنطاوي، خرجت ضده وهتفت في ميدان التحرير كما فعلت أيام الثورة، أماني مذيعة عادية عندما تعبر كلمة "عادية" عن الروتين العادي لتطور الإنسان المصري الثوري، أصبحت تؤمن بأن الإصلاحيين يجب أن ينتصروا على الثوريين، أخذت تهاجم الشباب المتحمس الفاشل الذي لطالما أثبتت الأيام فشل حماسه في إحراز أي تقدم، طلبت أن يقود الجنزوري رئاسة مجلس الوزراء وتعود فايزة أبوالنجا لمنصبها، إنها ليس متقلبة ولا تناقض نفسها أبداً، أماني مصرية طبيعية وأي مصري طبيعي يعلم أن هناك مئات الآلاف ممن مروا بمراحل تطور مع الثورة فتغيرت آرائهم تدريجياً حتى انقلبت رأساً على عقب.

كانت أماني تعيش حياة عادية، حتى أخطأت يوماً وارتكبت جريمة التلميح الخفيف إلى تصرفات باسم يوسف في عبارات مقتضبة وغير واضحة، قالت أماني أن هناك شخصية ما تقوم بقص ولصق الفيديوهات من أجل إظهار شخصيات ما بصورة سيئة. جمع لها باسم فريقاً من متخصصي الفيديوهات ووضع لها برنامجاً معقداً لهدمها أمام الجميع، كسرها وجعلها أضحوكة، مع أنها لم تقل بدعاً من القول وزورا .. لقد قام باسم يوسف من قبل بتجميع وقص فيديوهات للمعتوه خالد عبدالله وإخراج الكلمات من سياقها الأصلي ورد عليه خالد بفيديو (هنا) يوضح مغالطات باسم، كانت تلك فضيحة مستترة للمهرج اللطيف، لكن أحداً لم ينتبه لأن باسم أضحكهم وانتهى الأمر.

ليس باسم مثالياً، فاستغلال برنامج يشاهده الملايين في تصفية الحسابات الشخصية ليس تصرفاً مثالياً، الإفيهات الإباحية في غير موضعها بلا داعي منطقي أو لزوم كوميدي ليس تصرفاً مثالياً، لكن يجب أن نتجاهل كل هذا من أجل خفة دم باسم وزرقة عينيه، وعندما تتطور آراء أماني الخياط وتلمح ضمنياً لفساد باسم وانحرافه عن احترام الكوميديا والمشاهدين فيجب أن تُعاقب على الجريمة التي ارتكبتها عندما مست الذات المقدسة لباسم يوسف.

خفة الظل سلاح له حدود كثيرة، سلاح قاتل ومغري بالاعتداء على الآخرين، قد ينهمك خفيف الظل في عمل منحرف مثل التهكم على الآخرين ومحاولة تأديبهم عن طريق جعلهم أضحوكة، قد يتحول خفيف الظل إلى مجرم لطيف ينتهك حيوات الآخرين ويفسدها ويربكها ويجعلهم هدفاً سهلاً وجاهزاً للمتنمرين (Bullies ) وبلطجية الإنترنت، قد ينهمك خفيف الظل في التحفيل على الآخرين، قد يصبح خفيف الظل يوماً ما شريراً كما كان باسم يوسف في تهكمه الوقح وغير المفهوم على أماني الخياط.

الأحد، 23 فبراير 2014

الترافيك يا حبيبي الترافيك

مشكلة المواقع الإليكترونية العربية التقليدة تكمن في كلمة واحدة : " الترافيك " ، يعني عدد الزوار اللي بيدخلوا الموقع الإليكتروني، وممكن نطلق الكلمة تجاوزاً على عدد القرَّاء اللي بيقرأوا الأعداد الورقية في الجرايد برضو.

الترافيك هو مصنع الفلوس، مفيش ترافيك مفيش فيو للإعلانات مفيش كليك (أو مفيش بيع للمنتجات أو أفيليت لو الموقع بيروج لمنتج معين) وبالتالي مفيش فلوس، علشان كده كل الجرايد في العالم وكل المواقع الإعلامية هدفها إنها تعمل ترافيك عالي.

لكن الترافيك مش كل حاجة، فيه حاجة تاني اسمها اللاست تايم، يعني مدة بقاء الزائر في الموقع، لو اللاست تايم بتاعك قليل هتبدأ محركات البحث تتجاهل موقعك وتعتبر إنه بيدخل الزوار عن طريق العناوين المبهرة بدون محتوى جيد، هتبدأ تترمي في الصفحات الأخيرة من نتائج البحث، موقعك مش هيكون ليه قيمة عند القاريء وهتبدأ تتشتم في الكومنتات.

المعادلة الصعبة هي مستوى عالي من الترافيك ومستوى عالي من اللاست تايم (وحاجات تانية كتير فنية زي الزوار الداخليين .. يعني الزائر اللي بيدخل صفحة من موقعك وبعدين صفحة تانية من نفس الموقع وهكذا ده بينشط الموقع جداً). طبعاً المعادلة دي صعبة لأنك إما تجيب زوار كتييير من السوشيال ميديا بعناوين مبهرة "شاهد سقوط فستان إليسا من فوق برج خليفة" وساعتها الزائر هيدخل يفطر عليك بشوية شتيمة حلوين ويطلع بسرعة، وسمعة موقعك تنزل الأرض ومع الوقت ينهار، وإما إنك تعمل محتوى كويس "شاهد إليسا بتفطر الصبح عادي" وساعتها مش زوار كتير هيدخلوا بس اللي هيدخل هينبسط ويلاقي اللي هو عايزه ويتعود ع الموقع.

المواقع العربية بقى شوية حمير بصراحة، لا أستثني منهم أحداً إلا بعض المواقع الشبابية النضيفة ( زي عالم التقنية مثلاً ). 

اللي بيحصل إنهم عايزين ترافيك بأي شكل، عايزين عدد كبير جداً من الزوار بأي طريقة، مع الوقت الموقع بينهار حرفياً لأن مفيش جمهور عنده ولاء للموقع ولا بيحبه.

مرة كان فيه واحد اسمه هافنجتون، عنده مدونة إخبارية صغيرة، بدأ يتوسع فيها ويكسب ثقة جمهوره ببطء وبإصرار، مدونته حالياً بتعملله أرباح 2.8 مليون دولار في الشهر، هافنجتون بوست.

نتيجة شغل أسبوع في موقع طبي أنا والعيال اصحابي، ترتيبنا العالمي خمسة مليون
في مصر عشرين ألف
الزائر بيقعد في الموقع 8 دقايق
في المتوسط .. الزائر الواحد بيدخل أربع صفحات من الموقع
نسبة الزوار اللي بيدخلوا صفحة واحدة ويمشوا علطول 37.5%

الإحصائيات دي بتتجدد تلقائياً (اضغط هنا)

الخميس، 13 فبراير 2014

لماذا العرب؟

لا أعرف ما الذي يربطني بالعرب ولغتهم وعاداتهم وأفكارهم ومجتمعهم لهذا الحد، لماذا لا أبتعد ببساطة، أنتفض هارباً من كل هذة الغوغائية، حتى أحلامي تنتمي للعرب، طموحاتي عربية بشكل مُخيف، أفكاري وكلماتي، كلها كلها عربية، وكأن العرب عاملينلي عمل على ورك جمل.

عندما فكرت أن أدرس البرمجة كان طموحي مختلفاً .. لم أكن أريد العمل في جوجل أو ياهو؛ لكن في حسوب! وهي شركة عربية ناشئة متوسطة النجاح لكني منبهر بها إلى حد كبير ومتابع لكل أخبارها. ورغم أني أجيد الإنجليزية بشكل ما لكن مشروعي الإليكتروني انطلق باللغة العربية حيث لا نجاح متوقَّع كبير لأي انطلاقة بهذة اللغة التعيسة على الويب.

أوفف