الأحد، 22 سبتمبر 2013

تشابه عليهم

عندما طلب النبي موسى من أتباعه أن يذبحوا بقرة، وقع القوم في معضلة وهمية وهي "مواصفات البقرة"؛ فعادوا إلى نبيهم حائرين قائلين أن البقر تشابه عليهم، فأخذ يفصل لهم أوصافها حتى شق عليهم، وعاتبهم الله ورسوله فيما بعد وعاقبهم بكثرة سؤالهم، وربما تكون كثرة الأسئلة تلك هي التي جعلت أمة اليهود تصل إلى ما هي عليه اليوم من التقدم العلمي والتقني والعسكري والفكري، ذالك أن الأسئلة تنشط الذهن وتثيره.

صحيح أن هناك دراسات أنثروبولوجية تكاد تثبت ـ شيئاً ـ أن اليهود الحاليين ليسوا فعلاً من نسل اليهود السابقين الذين طردهم فرعون وسباهم نبوخذ نصر وإنما هم نسل بعض القبائل التترية التي تهودت، لكن الموضوع ليس مهماً، لطالما اعتبرتُ علوم الأنساب والأعراق شيئاً رومانتيكياً لا علاقة له بالواقع ولا يمكن استخدامه في إطار منهج علمي أو استدلالي، وواقع الأمر أن اسرائيل اليوم هي أكثر بلاد العالم "تساؤلاً" لو جعلنا التساؤل مقياساً للتقدم والعكس، وهو حقيقي أنه كلما كان المرء فضولياً في المعمل كان أكثر انتاجاً وإبداعاً، وكلما كان أكثر قناعةً ورضى كلما تناقص انتاجه واضمحل ابداعه. وعليه فإن بلاد العرب هي أقل الأوطان تساؤلاً وأكثرها قناعةً وقدرةً على رد الأمور للغيبيات، وعندما تُردُّ الأمور للغيب فقد انتهى أمرها تماماُ.

إذاً فالموضوع مُثبت في نص تاريخي "القرآن" أن الشعب الاسرائيلي فضولي بطبعه، والشعب العربي يتأرجح بين نصين لا يُعلمُ تحديداً أيهما يقدر على الآخر، أولاهما : "اقرأ" التي قيلت لمؤسس دولة العرب القديمة والحديثة رسول الله، وثانية النصوص : "لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبدَ لكُم تسؤكم" التي وُجّهَت للأمة بأكملها، وصحيحٌ أن القرآن "حمَّال أوجه" ولا ينبغي حشر نصوصه وتحميلها دلالات رجعية كتلك التي تجعل آية "لا تسألوا .." صادمة حاسمة مانعة قاطعة لكل الأسئلة؛ لكن واقع الأمر أن الأمر لم يكن يحتاجُ سوء التأويل ـ الذي وإن كان أدى دوراً فإنه كان مبنياً على قاعدة مستعدة لذالك ـ لأن العرب بطبيعتهم مشبعين بالقناعة والرضا والامتلاء بالفراغ والتشبع به، البيئة الفقيرة وقلة الأحداث المهمة تجعل البشر تافهين ومحطمين وأقل ميلاً للتقدم، ذالك التحطم وتلك التفاهة التي تجعلهم يتقاتلون على سهم أصاب ناقة فيستمر القتال أربعين عاماً.

العرب حديثاً هم العرب قديماً، واليهود حديثاً هم اليهود قديماً، لكن وجه العالم تغير، فاليهودي الذكي الضعيف جسدياً الذي كان معرضاُ للاضطهاد والسبي والذبح على الهوية قديماً من عربي قوي غشيم أصبح اليوم قادراً على تكوين لوبي قوي ودولة قوية يدعمها العالم القادر ـ حيث أن العالم عالَمين؛ قادر وعاجز ـ تستطيع اضطهاد وسبي وذبح الآخر وتفعل ذالك ما استطاعت إليه سبيلا.

ونحن كما نحن، جبناء وضعفاء ونلجأ بالنصوص كي تحمينا من التساؤل، ينقصنا الفضول، نحتاج إلى بعض الشجاعة لرفع الأيدي وطرح الأسئلة على الآخرين وعلى الذات، نحتاج إلى مواجهة كل نصوصنا القديمة والحديثة بعقلية فضولية، وإلا فلو استمرينا على تلك الوتيرة فسنندثر حتماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.