الجمعة، 5 يوليو 2013

بين الروايات


الرواية الأولى

إنها السادسة صباحاً، لم أكتب حرفاً في المدونة مُنذُ ثلاثة أسابيع تقريباً، لكني الآن أشتهي الكتابة، بداخلي مشاعر كثيرة وأفكار متداخلة، أُريد ـ بوضوح وصراحة ـ أن أتحدث عن نفسي.

حدّث رجُلاً عن نفسه سيستمع لك إلى الأبد ـــ فولتير

أمضيتُ ثلاثة ساعات مُتَّصلة في تصفح رسائل الدردشة القديمة بيني وبينها، لا أدري لماذا تتفاقم لديَّ كُل يوم عادة تصفح الشات هيستوري أكثر فأكثر، 14 ألف رسالة دردشة مع حسابها القديم، و16 ألف رسالة مع حسابها الجديد، فضلاً عن رسائل الياهو التي فُقدت، لقد كان الأمر عميقاً ما يكفي لكل شيء، لكنه لم يكفيني كي أُدرك أنَّهُ لن يستمر طويلاً.

بين الرسائل أرى عبارات قُلتها في لحظة تفاؤل، كانت في قلبي شعلة من الأمل بدأت تخبو مع الوقت، وتم تتويجها بانهزام مُروّع استمر صداه ـ صداهُ فقط ـ سبعة شهور كاملة، مع أن العلاقة نفسها لم تستمر، في توهجها، سوى خمسة أشهر، اللامنطقيون يحتلون المدينة.

أعتقد أن بعض العلاقات يجدر بها أن تستمر كذكرى جميلة، هذا أفضل بكثير من استمرارها كواقع مضطرب، لكن أن تستمر كذكرى مُضطربة فهذا يجمع أسوأ ما في الأمرين. أمس أغلقت خط الهاتف بكل عنف وقلة ذوق في وجه فتاة جميلة ليس لها ذنب إلا أني أردتها أن تتحدث مثل مريم، أردت أن أسمع في صوتها العادي نفس تردد أنفاس مريم، حاولت أن أجعلها تتحدث أسرع قليلاً وتضحك بين الكلمات وتقول لي "يا عُمَر" بتلقائية، لكنها استمرت في كلماتها المُتكسرة وهدوئها وإيروتيكيتها. إنها تتعامل مع شخص مُضطرب، عليها أن تتحمل النتائج، وكان من النتائج أن طلبت منها أن تجعل بشرتها أكثر سَماراً، كادت الفتاة تُجن، السائد في مصر أن تتجه الفتيات إلى جعل بشرتهن أكثر بياضاً، أنا لا أهتم، لم تستطعْ أن تُدرك طلبي الغريب، رَفَضَته، فامتنعت عن النظر بوجهها.

ليس من حقي أن أرفض النظر بوجهها لمجرد رغبتها في ألَّا تكون نسخة من أحد، كما أنها جميلة أصلاً ، أشعر بالذنب كلما تذكرت ذالك، أشعر أني أُحرق جمالها. لم أهتم يوماً بمستوى وسامتي، أدركتُ مُبكَّراً أن جاذبية الرجل تتوقف كثيراً على عوامل أخرى بعيدة عن الوسامة، لكني اليوم أشعر ـ ويخنقني شعوري ـ بالتمنّي لو كُنتُ وسيماً، لو كانت لديَّ تلك الجاذبية التي تجعل الأشياء تقترب لا إراديَّاً، لم يعد تكرار البيت الشهير " ولست وسيماً ولكنني أكونُ وسيماً وأنتي معي" يُرضيني، قيل لي يوماً أنني كسرٌ للقاعدة، وأني ـ رغم عاديَّتي ـ أُعدُّ جذَّاباً، لكنها كانت مجاملات في لحظة وداع من شخص أراد أن يحشد في ذاكرتي أكبر كم مُمكن من الكلام الجميل، قالت كلاماً جميلاً كثيراً كاذباً، أسعدتني بكذبها، مجرد شعور أنا شخصاً ما يُريدُ إسعادك، هذا حَدَث مُثير للسعادة.

وعلى سياق آخر، لا أدري لماذا تركتُ في وجدان مريم شعور عميق بالأمومة، تقولُ أن لدي كَم من الطفولية يُثير مشاعر الأمومة في أي فتاة، آحا إذاً، لا أُريد أن أكون طفلاً في حيث يجب أن أحتل موضعي كرجُل، لا يجب أن يُقال لي "أنت طفلي أو تلميذي أو صديقي الصغير"، أستحق على الأقل لقب "صديقي" بدون الصغير هذه، عموماً هذه العبارة لم تقلها مريم الأصلية، بل النُسخة الناضجة منها.


الرواية الثانية

هُناك بعض الأشخاص الذين يجب أن نمنحهم مشاعر الإعجاب عن بُعد فقط، لأنَّ الاقتراب منهم يكشف أشياءَ تجعلهم مُنفّرين وتجعلنا نادمين على منحهم تلك المشاعر، مثلاً تلك التي كتبت عن رغبتي فيها تدوينة سابقة، وكُنت أعتقد حتى وقت قريب أنها لا تعلم بأمر هذه  التدوينة، ثُم عرفتُ أنها تعرف عنها كُل شيء، كاشفتها وتقاربنا قليلاً، لكني وجدتُ أمامي شخصاً غريباً بحق، ألا ليتني استئنستُ بخيالي. الشخصية التي كانت في خيالي بعنفها وقوتها وصلابتها وذكاءها وتفردها وانطلاقها، وجدتها أمامي واقعاً هشَّاً مُتَثَاقفاً مُدَّعياً يرفض تطوير نفسه ويُقابل دعوات التطوير بجمود كالبدو، ألقيت لها آخر كلماتي برسالة ستقرؤها لاحقاً محتواها وداع ووعد بأني سأكتب عنها لو اشتقت إليها، لكني لم أُقاوم شهوة توجيه الرسائل الجارحة عبر المُدوَّنة، في الواقع أنا لا أشتاق إليكِ يا رماد، وهذا هو اسمك الحركي  بعد اليوم، أنا فقط أشعر بالندم لأني انصعت وراء رغبتي في استكشافك، الأمل في تغييرك معدوم، ستبقين بغضبك الغير مبرر على المُجتمع ورفضك لإعادة هيكلة هذا الغضب، سيبقى انتمائك القوي إلى طبقة المُتثاقفين الهشة، ستكرهينني بعد هذه الكلمات، ليس فقط لأني أستحق الكراهية، وليس لأني أُريدك أن تكرهيني، لكن لأنك لا تملكين إلا المشاعر السلبية توزعينها هُنا وهُناك، لا تستطيعين منح الحُب الصافي، أنا أُشكك ـ بوضوح وصراحة ـ في كُل ادعاءاتك بأنك استطعت يوماً ما ممارسة الحُب القَلبي المحض، إن كراهيتك للأشياء أكبر من أن تسمح بوجود أي حيز في قلبك لأي شعور إيجابي.

يا رماد، أتدرين لماذا أسميتك رماداً؟، ليس فقط تنكيلاً، وليس فقط تجريحاً، وإن كان التنكيل والتجريح ورسم البسمة على وجوه القُرَّاء وجعلهم يشاركونني شعور الشر المُتمكن في داخلي أثناء الكتابة وتقاسم ذنوب التشهير معهم هو جزء أصيل من أسباب إطلاق هذا الاسم عليكِ، لكن كُل هذا ليس هو السبب الرئيسي، السبب الرئيسي أني كرهتك، كرهتك جداً، لماذا؟، لأني أشعرُ بالندم، أخطأت حين أقنعت نفسي أن اشتهائي لك هو جزء من اشتهائي لها، وأن سُمرة وجهك المُزيَّفة تقترب من درجة لون وجهها، وأن المعركة الضارية بينك وبين مُجتمعك تُشابه تلك التي تعيشها هي، لكن شتان ما بين عيسى وبين عيسى المسيح، فذاك يُحيى الموتى وذاكَ يُميت الصحيح.

كما أن اسم "رماد"، وهو أول تصور لاسم قبيح ورد في ذهني، يُعد النقيض الطبيعي للرغبة، حيث أن اسم مريم هو أول تصور لاسم جميل ورد في ذهني، فهو بمعنى المرغوب بها، التي يُريدها الجميع، اسم مفعول من رامَ أي أرادَ / رامَ من يَريم ، رِمْ ، رَيْمًا ، فهو رائم ، والمفعول مَريم، اسم جميل أليس كذالك؟، لن يُلامسك ابداً، ستبقين بعيدة عنهُ كُل البعد، والله الموفق.

Either it's not bad things, Or they aren't good people.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.