الأحد، 2 يونيو 2013

سادَ العرب

يتحدث ابن خلدون في مقدمته عن  قانون السيادة الثقافية للأُمم المنتصرة على الأُمم المغلوبة ، ويضرب لذالك أمثلةً وتثبت الأيام صحتها ، فعندما ساد العرب على أجساد الأمم المتفرقة التي أطاحوا بها ظهرت الثقافة العربية كمظهر للتمدن والحضارة في كل العالم ، وعندما انقلب الوضع انقلب الوضع . كمشروع ثقافي أُحاول مع أحد أصدقائي البدء في موقع طبّي تثقيفي يكون موجهاً للجمهور العام ، قررنا أن نبدأ العمل به كمدونة صغيرة حتى نصبح مستعدين لإطلاقه كموقع حقيقي له روافد إليكترونية ، ولم يأخذ منّا الأمر وقتاً حتى نقرر أنه سيكون باللغة الإنجليزية ثُمَّ إن أردنا إطلاق فرع عربي سنفعل ، لكن لماذا يبدأ اثنان من العرب مشروعهما باللغة الإنجليزية ، لأن العرب لا يهتمون بالقراءة أصلاً ، ولأنني وصديقي لا نهتم بالعرب .

وكنت من قبل ، ولمدة أسبوع فقط ، قررت أن أهتم بالعرب وأحاول مساعدتهم ما أمكنني على تخطي مآسيهم التي صنعوها بأنفسهم . فاتجهت لبناء مدونة إليكترونية مهتمة خصيصاً بثقافة الجسد العربي وتوعية العرب بأجسادهم التي يعاملونها بغباوة ، وكان الشريان الرئيسي للمدونة هو حساب على موقع الأسئلة والإجابات ـ Ask.Fm . لكنّي توقفت لأني أدركت أنَّ مأساة هؤلاء ليست فقط في أجسادهم بل في عقولهم ، هم لا ينظرون للمشاكل الكبيرة على أنها مشاكل حقيقية ، وربما تراهم يتعاملون مع مشاكل بسيطة على أنها نهاية العالم . وآخر ما يعنيهم هو البحث في المصادر العلمية الجيدة ، رجال الدين أفسدوا عقولهم تماماً وأخضعوهم للسلطوية المستمدة من أعالي السحاب فلا فكاك منها . وجدتهم يتعاملون مع فكرة التوعية بالجسد على أنها خروج عن النص ، النص الفَوقي الذي استعبدهم . سأخبرك فقط أنّي أجبت في حساب المدونة على 400 سؤال ، وحذفت أكثر من ألفي سؤال ما بين شتائم ومحاولات هداية وأسئلة شرعية . وحتى الأسئلة التي أجبتها كانت نسبة كبيرة منها مكررة بشكل غريب ، لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الأسئلة المشابهة فضلاً عن البحث في المجلات الطبية والمصادر العلمية الموثوق بها ، مدونة صغيرة تتعرض لإبلاغات إليكترونية بالمئات يومياً مُعرضة للإغلاق من جوجل في أي لحظة وشتائم كثيرة تنهال عليَّ ، ما الذي يُجبرني على هذا ، فليتحمَّصوا في الجحيم بعلّاتهم الجسدية وسرعة قذفهم وجهلهم .

الغرب ليس أكثر تحضراً بشكل مطلق ونهائي ، هناك ـ أيضاً ـ تجد حمقى ومتخلفين ومنكفئين ورجعيين ، وتجد الكثير من المُحافظين والأخلاقيين ، في الغرب أيضاً هُناك رجال دين مجرمين يغتصبون الأطفال ويسرقون الكبار ويبيعون الماء على الفضائيات . لكن الفرق بيننا وبينهم يكمن في النخبة ، نُخبة العرب فاشلة وأسلوب تصعيدها أكثر فشلاً ، وسيلة ترقية المواطنين كي يصبحوا نخبة المجتمع هي إما بالتوريث في الدول الملكية أو بالتعريص في الدول الغير ملكية . لا الكفاءة تكفي ولا الإجادة تُجدي . لهذا وجد رجال الدين أنفسهم بعيداً عن وجود نُخبة مثقفة أو علماء حقيقيين لهم كلمة مسموعة ، ولك أن تتخيل مجتمع يعتبر محمد حسان وأبا إسحاق الحويني علماء حقيقيين . بينما تُثار في الغرب مناقشات حادة حول اعتبار علم الاجتماع علم حقيقي أو علم كاذب Pseudoscience ؛ يتبارى هَمَج صحاري العرب في استصدار مصطلحات جديدة يدمغون قبلها مصطلح "علم" ، لنرى علم العلاج بالرُقية وعلم الحجامة . الفرق بيننا وبين الغرب هو أن حماقتنا تتصدر الشاشة ويتم ترقيتها ، بينما حماقتهم تتم مكافحتها .

قررنا بداية مشروعنا الإليكتروني باللغة الإنجليزية ، لكن تواجهني مشكلة ضعف اللغة . درست الإنجليزية لتسعة أعوام متواصلة ولا زلت عاجزاً عن كتابة مقال طبي خالي من الأخطاء . أتمنى لكل مدرسي اللغة الإنجليزية في مصر أن يُشووا في نار جهنم خالدين فيها أبداً . لكني أكثر حظاً من الكثيرين على كل حال ؛ فلا زلت قادراً على القراءة بالإنجليزية والتعرف على الثقافة الغربية ومقارنتها . أُريدُ لنفسي في المستقبل ، خلال عامين مثلاً ، أن أصبح قادراً بشكل تام على الكتابة بالإنجليزية بطلاقة . وأُريد لوطني ، مصر ، أن يصبح أبناءها قادرين على رؤية مستنقعهم ومقارنته بالعالم الحقيقي حتى يستطيعوا الخروج منه ، اُريدُ لهم التعرف على باقي ثقافات العالم والتخلص من التكبر العربي الذي أوصلنا لما نحنُ فيه .

هناك 3 تعليقات:

  1. لأن العرب لا يهتمون بالقراءة أصلاً ، ولأنني وصديقي لا نهتم بالعرب .


    أعجبتي كثيرا هاذي

    ردحذف
  2. الغرب ليس أكثر تحضراً بشكل مطلق ونهائي ، هناك ـ أيضاً ـ تجد حمقى ومتخلفين ومنكفئين ورجعيين ، وتجد الكثير من المُحافظين والأخلاقيين
    -----
    كون المرء محافظا يعني أنه مختلف معك ولا يعني أنه أحمق أو جاهل
    الدول تتقدم بالكفتين بين متحررين و محافظين
    و الفكر أعلم

    ردحذف
  3. بالنسبة للغة فنفس المشكل عندي مع الفرنسية

    موضوعك رائع عزيزي تحية حارة و عطرة لك عمر أبو النثر

    الأمر نفسه أقوم به عند نقدي لبلدي و شعبها و كل ما فيها فيخال لك أنني أكره شعبها،لكن أعود و أتحدث عن أمور لا أستسيغها و أحاول إعطاء الحلول و أن أصلح نفسي و مجتمعي أو أشارك بنسبة في ذلك
    دمت عزيزي و دامت الميدسين

    ردحذف

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.