الأحد، 28 يوليو 2013

مَعَادة

أتدرين* يا أمل، مات مبتسماً، ربما واتته السعادة، أبعد كل هذا الحزن يموت سعيداً، أتراه مات سعيداً يا أمل؟، وهل يسعد الأشقياء، وهل يسعد الفقراء، المرضى، قليلوا الحيلة؟،ربما هي ملهاة ألقاها الله لنا كي ننسى بؤس الحياة بابتسامة باهتة نراها على وجوه موتانا.

كان أبوكِ وسيماً قسيماً، قويَّاً نديَّاً، لهذا اختارته مصفاة الموت الدقيقة، الموت لا يختار قليلي الأهمية والحثالة بل يعمد إلى أزاهر البساتين فيقطفها، أواه يا أملي، أراه أمام عيني راقداً يُقاتل المرض، فتصرعه الغيبوبة تارة ويظفر بالإفاقة تارة، وبين هذا وذاك يأن في سكون ويتوجع في غير صوت، لكني كنت أشعر به وأسمعه وأراه وأتلمسه بيدي كلما فارق الوعي، كنت أدرك أني سأفقده لابد من ذالك. لكنَّ شيئاً ما بداخلي كان ينهرني قاسياً كلما ذكرت نفسي بالمصير الأسود. قومي يا أمل فدفئي سرير أبيك، استلقي فيه يا صغيرتي، يا شبيهة قلبي الذي رحل، تدثري وتناثري على أطراف السرير، امنحيني شعوراً زائفاً بالحياة يا ابنتي.

الله كريم؛ ربما أراد الله شيئاً ما نعجز عن إدراكه يا أمي.

ولماذا لا يخبرنا الله بمسعاه يا أمل؟

استغفري الله يا أمي.

لن استغفره.

استغفروا الله لي ولكِ يا أمي المتوجعة، يا أمي الضعيفة.

أنا لست ضعيفة يا ابنتي ولم أكن كذالك يوماً، التقيت بأبيكِ منذ عشرين عاماً وكنت قوية، وتزوجنا فأمددني بقوة من عنده، حتى عندما سقط بين فكي المرض العياء لم تُنزع عني قوَّتي أبداً، لكن ألا يحزن الأقوياء؟

بلى؛ الكل يحزن يا أمي، لكن تماسكي هداكِ الله؛ أما ترين الحياة ماشية، والأرض راسية، الدنيا لا تقف على أحد يا أمي، احزني لكن كالصفصافة تلك القائمة على باب دارنا، لقد افتقدت أبي فلم تسقط أوراقها ولم تتكسر فروعها ولم تتشقق جذورها، بل حزنت بقلبها الخشبي، احزني بقلب خشبي يا أمي فالحياة قاسية.
____

* المَعَادة هي المناحة أو الجنازة العظيمة، وكانت تستخدم قديماً في الصعيد لوصف الجنازات الهائلة التي تستمر أسبوعاً أو أكثر عند موت شاب أو رجل ذي شأن، وهذا النص مقدمة مبتورة لقصة قصيرة ـ أو ربما رواية ـ لم أُكملها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.