الجمعة، 5 سبتمبر 2014

ما قاله اللورد هنري

أنت لا تحس بشبابك لأنك تمتلكه، ولن تحس به إلا إذا فقدته، ولسوف تفتقده يوم يضيع منك. ستفتقده حين يزول جمالك ويمتليء وجهك بالغضون، ستفتقده حين يحفر الهم أخاديده في جبينك الجاف ويكوي الأسى بنيرانه شفتيك، أنت تفتن الدنيا أينما ذهبت الآن، فهل يدوم لك ذالك؟ ما رأيت وجهاً قط في جمال وجهك يا مستر جراي، ولا تعبس فهذه حقيقة مقررة، والجمال لون من ألوان النبوغ، بل الجمال أعلى قدراً من النبوغ، وهذه أيضاً حقيقة مقررة. فإن كنت تشك في ضوء الشمس أو في الربيع أو في القمر الفضي حين ينعكس خياله على المياه المظلمة أو في أشباه هذة الحقائق الأولية فلك أن تشك في صدق ما أقوله، إن الجمال يحكم العالم بإذن من الله، والله لا ينازعه في دولته شيء في الوجود، فمن حبته الطبيعة به جلس على عرش القلوب.

أراك تبتسم لهذا الكلام ولكنك لن تبتسم حين يزول عنك جمالك، أسمع الناس يقولون إن الجمال سطحي، ولعلهم صادقون فيما ذهبوا إليه، ولكن الجمال مهما كان سطحياً فلن تصل تفاهته إلى تفاهة الفكر.

ولو سألتني الرأي لقلت لك إن الجمال عجيبة العجائب، وقد يكون الجمال قشرة ظاهرية، ولكن الظواهر هي كل شيء في الحياة ومن لا يحكمون بالظواهر هم السطحيون الذين لا يفهمون شيئاً عن لغز الحياة. فلغز الحياة هو ما نراه وليس ما لا نراه. نعم يا مستر جراي إن الآلهة تحبك، ولكن لا تنس أن الآلهة تسترد ما تمنح، ولم يبق إلا سنوات معدودات تستطيع فيها أن تحيا جمالك على أكمل وجه، فحين يذوي شبابك يذوي معه جمالك ولسوف تجد حينئذ أن أيام مجدك قد مضت وتفهم معنى الهزيمة، أو تقتنع من كل هذا السلطان العريض بذكرى مجدك الزائل؛ وهذا أشد مرارةً من الهزيمة.

إن كل شهر يفوت يقترب بك من هذا المصير الأليم. فالزمن ينفس عليك شبابك ويغار من وردك ورياحينك، وحين يصرعك الزمن يشحب لونك ويتجعد خداك وينطفيء البريق الذي يلمع الآن في عينيك، وتتعلم كيف يكون الشقاء .. فانعم بشبابك ما بقي لك.

أيامك ذهبية فلا تبعثر ذهب أيامك مستمعاً إلى نصائح الوعاظ الثقلاء أو آخذاًَ بيد العاثرين أو مكرساً حياتك للجهال والسفهاء، فهذه أهداف عصرنا وهو مريض وهذه مثله العليا وهي زائفة. عش وانعم بالحياة المتفتحة فيك، واستفد من كل اختبار يمر بك، وجدد إحساسك بالحياة ولا تخش شيئاً، فعصرنا بحاجة إلى دين جديد، إلى وثنية جديدة، إلى إحياء عبادة الجمال التي انطوت تحت أنقاض اليونان. ولتكن أنت رمز هذه الفلسفة الجديدة، فالدنيا وما عليها طوع بنانك حتى ينطوي ربيعك الناضر.

*شخصية اللورد هنري ـ رواية "صورة دوريان جراي" ـ أوسكار وايلد

هناك تعليق واحد:

  1. انا طالب الحقيقة....السلام عليكم...نعم صدقت ان الجمال يتربع على عرش القلوب رغما عنها....هو فطرة بل هو قطرة من اسرار الوجود....الجمال عندما يضربنا في قلوبنا ويؤلمنا هو يضربنا من غير دنب منا....وهو يدخل قلوبنا من نوافد عيوننا دون ان يستادن...اه من جمال الشباب....ما شبابنا الا سنوات معدودات ربما هي على الاكثر 15 سنة...ثم بعد مواد شبابنا تضمحل وتنقض حتى تزول.....لكن الا ترى ان جمال ارواحنا يبقى
    ...تفنى المواد وجواهرها تؤثر في الاماكن و الاركان.....ان الشباب يدهب و الجمال يغرب...لكن سحر الروح و الخلق يبقى لان معدنه دهب....

    ردحذف

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.