الأحد، 30 سبتمبر 2012

تحسس المسدس !




                              " كلما سمعت كلمة ثقافة ؛ تحسست مسدسى"

                                                                                 جوزيف جوبلز




توقف ؛ إستدر ، إرفع يديك لأعلى !

هل لديك أى ممنوعات ؟


كتب ، أقلام ، أوراق ، هاتف متصل بالإنترنت ؟


هل توجد داخل عقلك أفكار ، إعتراضات ، مناقشات ، فلسفة ، شعر ؟


حسناً ألقوه فى الزنزانة !



***

عزيزى المثقف ، أنت متهم بممارسة التفكير والتحريض عليه ، ومتهم بمحاولة قلب نظام الأنتريه للبحث عن الكتاب الذى ضاع منك أول أمس ، ومتهم برفض التهم السابقة ومحاولة تبرير شرعيتها .
ما أقوالك ؟
علماً بأن أى عبارة تنطق بها سوف - بالتأكيد - تكون ضدك فى المحكمة !
عزيزى المثقف ؛ الإنكار سيفيدك ، الإنكار يغتصب منك حاسة الشجاعة ، الإنكار سيمنحك الحياة ويجعلك تفقد معناها .
هل تمتلك الشجاعة الكافية للإعتراف ؟

تحرك المثقف قليلاً وهو ينفض الغبار والدم عن معصمه بطريقة مستفزة كأنه غبار ناتج عن مباراة جولف ، ونطق بصوت منظم : لو لم أملك شجاعة الإعتراف لما كنت هنا الآن ، شجاعة الإعتراف هى التى منعتنى من الركوع على عتباتكم النجسة ، الإنكار يجعل منكم رجال .
أنا أعترف بقلب نظام الأنتريه للبحث عن الكتاب ، وأعترف أن هذا الكتاب ممنوع من النشر فى وطنى ، لكن هذا الأنتريه هو ملكى والكتاب ملكى أيضاً ، وكما تعرفون جميعاً كان بإمكانى تحميله من على الإنترنت وقراءته على الكمبيوتر وبالتالى أحقق أقصى إستفادة من غبائكم وألتف على قرار منع طبع الكتاب ، لكنى أردت التحدى ، أما عن تبرير شرعية أفعالى ، فهى لا تحتاج لتبرير لأنها شرعية بالفعل .
بالمناسبة ؛ أنا أفضل الرمى بالرصاص على الشنق لأنى أعانى من حساسية فى الجلد ولا أتوقع من الحبل الذى سأشنق به إلا أن يكون خشن كأرواحكم غليظ كقلوبكم متهالك كعقولكم ، ولا أريد أن أموت بحبل لا يتجاوز ثمنه جنيه ، الرصاص أفضل .

إنتفض المحقق فى غضب ومارس حركاته الروتينية فى صفع وركل المثقف ، وردد : لك ما تريد .. لدينا فائض فى الذخيرة وجنود يحتاجون لتدريب حى .
ما هى أمنيتك الأخيرة أيها التعس ؟

ضحكات هيستيرية تخرج من حنجرة المثقف مختلطة بكلماته : آآآحا ؛ هل أدمنت مشاهدة أفلام حقبة الثمانينات يا أحمق ؟
ما فائدة الطلب الأخير قبل الموت ، وكيف يمكن لشخص يعرف يقيناً أنه مقدم على النهاية أن يطلب شئ مرتبط بحياة سينفصل عنها بعد قليل ؟
أشياء كثيرة أردت فى حياتى أن أطلبها ويتم تنفيذها على الفور ، مثلاً أردت إنتهاء مسلسل نور بأن تختفى نور وتظهر حبيبة مهند الأولى ويتزوجها لأنى أعتقد أنها النهاية الأكثر مثالية ، وأردت أن تقطَّع أطراف الشخص الذى يضع مناهج الثانوية العامة ويصلب وينفى من الأرض ، لكنها ظلت أمنيات ولم تتحقق ثم أتيت أنت بقناعة فكرية مزيفة لتطلب منى أن أتمنى .
آه لو كانوا منحوك حرية التفكير ؛ لعرفت بما أشعر الآن !

إنبسطت عضلات المحقق وهدأ جسده وتعطش عقله نتيجة لنشاط العصب الباراسمبثاوى عند الهدوء الشديد والتركيز ، أرادت شفته أن تنطق كلمات تحث المثقف على الحديث عن الفكر والتفكير والثقافة والعلم ، لكن كرامته وإرتباطه بالــ لا معرفة جذباه نحو العنف ، فأختار الحل الوسط ، فتقدم نحو المثقف بهدوء وركله بقدمه وصاح بعنف : ماذا تقصد ؟

صرخ المثقف وهو يبتسم : حذائك العسكرى إصطدم بعضوى أيها الأحمق ، إنتبه فلا أريد أن أموت وأنا مصاب بتليف فى الخصية !

أنت ستموت مصاباً بتليف فى العقل نتيجة لفقدان المعرفة ، لكنك لن تعانى على أى حال لأن الجاهل لا يدرك مصيبته ، لكن أن تتركنى مصاباً بعاهة مستديمة فى موضع مستقبل أبنائى فهذا شئ لا أقبله حتى ولو كنت سأموت بعد دقيقتين ، هل تعرف أنى تركت وصيتى وتبرعت بكل جسدى للمصابين لكنى لم أتبرع بعضوى !
ولا لسانى !
ولا عقلى !
هل تعتقد أن هناك من يقبل أن يمارس الجنس مع زوجته بعضو تم إستخدامه من قبل ؟
أنا شخصياً لا أوافق ؛ ماذا عنك ؟

أُصيب المحقق بالدوار ولم يستطع أن يدرك معنى كلمات المثقف أو دلالاتها ، لكنه تخيل الجملة الأخيرة وسافر خياله إلى سرير ينام فيه رجل مع امرأة ويضاجعها بعضو مستخدم من قبل ، أحس المحقق بالغثيان ، لم يدرك المعنى الحقيقى ، لكنه أحس أن الكلمات ليست لها دلالة حرفية ، تحرك قليلاً وهو يتحسس عضوه ومسدسة بحركات متتالية وكأنه يتأكد أن أى منهما ليس مستخدم من قبل ؛ وجه بعض النظرات عديمة المحتوى إلى المثقف المبتسم قبل أن يصفعه على وجهه بنفس اليد التى تحسس بها عضوه منذ ثوانى ، نظر إليه كالمنتصر : هل تعرضت للإغتصاب من قبل ؟


رد المثقف بلامبالاة : كثيراً جداً ، وبكل الطرق التى تتخيلها ، ذات مرة تم منع بعض كلماتى من الخروج مما جعلنى أشعر بمرارة الإغتصاب ، ومرة أخرى تم إعتقالى وإغتصابى بشكل حرفى ، لكنى أيضاً كنت أغتصبهم فى كل جرة قلم وفى كل نقطة حبر ، ربما تفكر الآن أن إهانة جسدى سوف تجعلنى أشعر بالذل ، صدقنى أيها الأحمق أنا أوافق أن أدفع جسدى لبيوت الدعارة حيث يتم إغتصابه قبل الوجبات وبعدها مقابل أن لا أشعر بالجهل الذى تشعر به ، أنت داخل دائرة العار لذالك لا تشعر بالتيار القبيح الذى تسبح بداخله ، أنصحك أن تبحث عن طريقة أخرى غير الإغتصاب ، يمكنك مثلاً أن تقتلنى أو تمثل بجثتى .

آه بالمناسبة ستجد فى خزانتى التى لديكم وصية بخط يدى أتبرع فيها بقلبى وكليتى وكبدى وقرنية عينى للمصابين فى الحوادث ، لكن أرجوك حافظ على خصيتى وعضوى ، أو يمكنك أن تصطحبهم معك إلى المنزل تحسباً لأى مشاعر شاذة قد تحس بها ، أو ربما تفقد رغبتك الجنسية مع الوقت ويمكن لعضوى المقطوع أن يساعد زوجتك قليلاً .

إعتصر المحقق زناد مسدسه وأخرج طقلتين إستقرتا فى السقف ثم ألصق فوهة مسدسه برأس المثقف وتحدث بصوت متهدج مرهق : لو لم تخبرنى الآن معنى كلماتك فلن أنتظر حتى الموعد الرسمى لإعدامك .


لم يقطع المثقف إبتسامته : وما الذى يدعوك للإنتظار ، إنه ليس موعد مهم على أى حال ، كما أن إنتظارك لن يغير شئ ، أنا رجل متهم بقلب نظام الأنتريه للبحث عن كتاب ممنوع من النشر وإعدامى هو موضوع لا يحتاج للمناقشة ولا للإنتظار ، كما أنى أدير حوار +18 مع محقق رسمى أثناء تأدية عمله ، ألا تعرف أن هناك من تعرضوا للإعدام بسبب إلقاء منديل ورقى على قدم المحقق ، لم يهتموا حتى بأن المنديل من نوع فاين المعقم بالستيريبرو، لأنه فى الأصل لا يوجد طريقة تعقيم اسمها ستيريبرو وإنما هى فقط كلمات للدعاية عن المنتج المصنوع من مواد معاد تدويرها ، مسدسك هذا ربما يكون مصنوع من مواد معاد تدويرها ، ربما من قطعة حديد تم إستخدامها من قبل كقضيب صناعى إستخدمته زوجتك ثم ألقته فى الشارع حيث إلتقطه جامع القمامة وإلتقطته أيدى عمال مصنع الأسلحة وإلتقطته أنت بدورك ، من زوجتك إليك ، أبعد هذا المسدس عن رأسى من فضلك فأنا لا أحب التدخل فى خصوصيات الآخرين ، ومسدسك هو أمر شخصى له تاريخ عائلى .


صوت الصرخات داخل زنزانة التحقيق يوحى بأن المحقق يعذب المثقف ، لكن فى الواقع هى كانت صرخات المحقق الذى أحس بالضياع الفكرى والعجز عن فهم الكلمات ، أحس كأن هناك عناكب تتحرك داخل دماغه وهو لا يدرك دلالات الحديث ويستهلك كل طاقته فى البحث عن ما وراء الكلمات : أرجوك تحدث بشكل مفهوم حتى أفهمك ، أو تحدث بشكل غامض حتى أقتلك .


لم تتعب عضلات وجه المثقف من فرط الإبتسام ، مد يده وحرك المسدس بطرف إصبعه بعيداً وكأنه بالفعل يرى أن المسدس هو أمر عائلى : أنا أتحدث بوضوح يا أحمق ، أنت فقط تعتقد أن كلماتى لها معانى أخرى ، لماذا لا تسير فى الطريق السهل وتكتفى بالمعانى العادية للكلمات ، أنت لست عميق الفكر ، إكتفى بالمعانى الخارجية ؛ أخرج الآن من زنزانتى !


عمر أبوالنصر
29/9/2012
11.37 PM

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

جنس بشرى !



قالت : هل تعتقد أن القوانين الفيزيائية حتمية الحدوث ؟ ؛ هذا - يا صديقى - ليس صحيح ، حتى أعتى القوانين الفيزيائية وهو قانون الجاذبية يتعطل عند الأحجام متناهية الصغر فلا يمكن تطبيقه فى محيط الذرة ، وإلا كانت الإلكترونات ستسقط إلى الأسفل وهو ما لا يحدث ، كما أنه يفقد فاعليته عند السرعات العالية جداً ، يا صديقى الحبيب لا شئ حتمى الحدوث إلا أنى أعشقك ، هذة هى الحتمية الوحيدة .

إعتدلت وأنا أحاول أن أستفز السرير قليلاً كى يصدر بعض الأنين ؛ ومددت سبابتى إلى شفتيها بهدوء وتحدثت ببطء ؛ لكننا بشر ومشاعرنا تخضع لعوامل معينة فى كيمياء الدماغ ، ألا تذكرين تلك الكلمات فى مرجع الكيمياء الذى قرأناه سوياً يتحدث عن ذبول التفاعل الكيميائى الذى يسبب الحب مع مرور الوقت ؟ ؛ حتى مشاعرنا تنتهى ، وإن كانت هناك بعض الإستثناءات تخضع لها القوانين الفيزيائية فإننا كبشر نخضع لأهم القوانين التى لا تخضع للكسر ؛ قانون الفناء الحتمى ، أليس هذا صحيح يا ذات النهد المتوهج ؟

هى : أولاً توقف عن إيحاءاتك الجنسية أثناء الحوار ، ثانياً توقف عن ملامساتك الجنسية أثناء الحوار ، ثالثاً توقف عن نظراتك الجنسية أثناء الحوار ؛ رابعاً كلامك يحمل من الصواب أضعاف ما يحمل من الخطأ ..
من قال بأن البشر يخضعون لقانون الفناء الحتمى ، ثم ما هو قانون الفناء الحتمى ؟
لم أسمع هذا الإسم من قبل !
هل تخترع قوانين من عقلك أيها النيتشاوى ؟
ألا تذكر ذالك اللبنانى المهاجر حينما قال "أنا كائن منذ الأزل وها أنا ذا وباقى إلى الأبد وليس لوجودى إنتهاء" .. ؟
نحن - بمشاعرنا وإدراكاتنا وأفكارنا - وُجدنا فى علم الخالق منذ الأزل ، ومتواجدون فى الحاضر ، ولن نختفى من العلم المطلق للخالق فى أى وقت فى المستقبل ، لذالك فإننا نتمتع بنوع ما من الخلود ، وحتى أجسادنا تلك التى تتعرض للموت لا تتعرض للفناء وإنما تتحول من حالة فيزيائية إلى أخرى ، أما الفناء المطلق بمعنى التحول إلى فراغ فهو ليس فرض ممكن .



تمدد ظهرى وأشياء أخرى قبل أن أتحدث بلهجة إستفزازية : لكن مرجع الكيمياء يقول ..
قاطعتنى بعنف : هل يتحمل مرجع الكيمياء الأحمق هذا الضغط الذى قد ينشأ من تلاقى كفى عاشقين ؟

أنا : لا أعرف !

هى : بل تعرف ؛ لا شئ قد يتحمل ضغط العشق يا صديقى ، لا شئ على الإطلاق ، ألم تسأل نفسك لماذا تحدث الزلازل وتتفجر البراكين وتنهار الجبال الجليدية ؟
إنها أنفاس العاشقين .

أنا : أرى الحديث يتحول من المنهج العلمى إلى التفسيرات الميتافيزيقية .

هى : لا أمانع فى بعض النغمات الميتافيزيقية ، نحن لا نتحاور فى صالون ثقافى .

ضحكت بهيستيريا ساخرة قبل أن أنطق : بل هو سرير ثقافى أيتها المتوهجة ؛ حدثينى عن قوانين النهد وتغيراته ، وفيزياء الكم عندما تتلاقى مع فيزياء الرغبة ، حدثينى عن النوم والموت والشعر والأدب والطبيعة !

هى : ألا تريدنى أن أحدثك عن رقص التانجو أيضاً ؟ .. هل تعتقد أنى على سريرك لكى أحدثك ؟

أنا : فى الواقع .. أنا مرهق جداً ؛ ولا أملك طاقة لسوى الحديث ، ألا ترضين برجل لا يملك سوى بعض الكلمات ؟

هى : حتى لو لم تمتلك هذة الكلمات ، أخبرتك أن عشقى لك حتمى يا صديقى .

أنا : حيرتنى بعض كلماتك يا حبيبتى ؛ ما صديقك هذا الذى تنادينى به ، وكيف أكون صديقك وقد إنصهرنا فى كيان لا يقبل الإنفصال ، وما فائدة تعريف علاقتنا إن كانت ليس لها تعريف ، ألا تعتقدين - مثلى - أننا قد تخطينا آلاف المراحل العاطفية عندما إلتقت شفانا ؟
ألا تعتقدين - مثلى - أننا ولدنا متعانقين ؟
ألا نتفق على إعتقاداتنا ثم تعتنقيها مثلى ؟
ألست مثلى ؟

هى : أنت على صواب تماماً ، وأنا على صواب تماماً .. يا صديقى !
إنما إنصهرنا لكى نصل لقمة التواصل الروحى والجسدى ، لا يمكننى أن أناديك بعشيقى كلما إلتقيتك وإلا فقدت الكلمة خصوصيتها ، رغم أنا ما بيننا هو عشق تام ، لكن يمكننى أنا أناديك بصديقى لأن ما بيننا بالفعل هو صداقة تامة ، والعشق هو حب الجسد والصداقة هى حب الروح ولا يقلل أحدهما من الآخر ، وليس للروح على الجسد فضل ، نحن من لحم ودم وروح ، عندما أدير معك عقلى أناديك بصديقى ، وعندما أدير معك جسدى أنطقك عشيقى ، وعندما أشتاق إليك أناجيك حبيبى ، لكن لا تقلق من المسميات يا كل الرجال وأول العالم وآخره ، لا صوت يعلو فوق صوتك ، أحياناً أسمع اسمك فألتفت ، لأنك بداخلى تسمع وترى ، لا أعتقد أنك تقلق من المسميات .

أنا : بالتأكيد لا أقلق من أى شئ وأنا فى حضرتك ، لكنه خاطر طرأ لى فأردت أن نتشاركه .

هى "بنظرة لها معنى" : هل إستعدت بعضاً من طاقتك ؟

أنا : نعم ؛ الكثير منها ، لكن أفضل أن أركن إلى الهدوء شيئاً قليلا ، ما رأيك ؟

هى "بينما تجذبنى من رأسى تجاه شفتيها" : لا أعتقد هذا !!


  PDF هـــنـــا

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

أسيوط - بنى سويف - 983




ايوة يا عَمر ؛ عربية رقم كام ؟

التذكرة رقم كام ؟

طيب تمام أنا فى القطر آهوه ..

هذة كانت أولى الكلمات التى خرجت منى فى القطار المتجه من أسيوط إلى بنى سويف حيث أدرس الصيدلة فى جامعة النهضة ، وعَمر هو رفيق السكن وصديقى الذى حجز لى تذكرة القطار ، والقطار هو 983 والتذكرة رقم 24 ، أتحرك وسط زحام شديد وأحمد الله أنى لا أحمل سوى حقيبة سفر واحدة ، كنت هاتبهدل لو كان لدى حقائب كثيرة وسط هذا الزحام ، عربة القطار تمتلئ تقريباً بطلاب من جامعة النهضة أغلبهم أعرفهم ومنهم من أعرفه شخصياً ، لكنى لست إجتماعى على أى حال وليست من عادتى أن أبادر بالتحية ؛ لذالك وصلت إلى الكرسى وألقيت جسدى عليه وانتظرت حتى يتحرك القطار دون أن أنطق بأى كلمة لأى شخص ، حتى عَمر الذى أرهق نفسه فى حجز التذكرة سلمت عليه ببرود ودون كلام ، أتعجب من برودى أحياناً وأحاول تفسيره بطرق مختلفة ، لكنى فى النهاية متعايش معه ، ومع تعدد تفسيرات البرود تظل الحقيقة أنى .. بارد !

أنظر حولى لأستكشف المكان الذى سأقضى فيه حوالى 4 ساعات ، بالخلف قريب منى شخص أعرفه جيداً ، فتاة كان لها أثر غير مباشر فى حياتى وربما هى لم ولن تعلم فى يوم من الأيام أنها أحدثت ذالك الأثر ، لولا أنى بارد لكنت بادرتها بالتحية ، العديدين هنا أعرفهم وبعضهم جمعتنى بهم قاعات دراسة واحدة ، لا يهم ستمر الساعات بسرعة وأصل إلى بنى سويف فى هدوء ، صوت صبّاح فخرى وهو يغنى قدك المياس يجعل الوقت أحلى ، يليه صوت ماجدة الرومى طوق الياسمين ، ثم كاظم الساهر أنا رماد الآن ، ثم كاظم ، ثم ماجدة الرومى ، ثم وديع الصافى ، كاظم مرة أخرى ، بدأت أشعر بالملل ، أوقف سيل الطرب الذى أصبح مملاً وأبدأ فى تفقد مواهبى ، أختار منها موهبة الغناء ، ولا مانع من موهبة التلحين أيضاً ، وعلى رأى فلفل : أنا أحسن واحد يعرف يلحن ويغنى فى عالم سمسم .

وسددت فى وجهى الطريق بمرفقيك ..

وزعمت لى أن الرفاق أتوا إليك .. 

هل الرفاق أتوا إليك ؟ 

أم أن سيدة لديك ؟

وهكذا أخذت أغنى بصوت لا يسمعه غيرى وأغير فى اللحن عدة مرات وأكرر قصائد لنزار وعنترة بن شداد حتى أنى ألقيت على نفسى خطبة قس بن ساعدة بطريقة درامية ، أفادنى هذا كثيرا وضيع ساعة أو أقل من الوقت .

لا فائدة ، الوقت يمر ببطء ببطء ، ولا أطيق الحديث مع أى شخص ، يجب أن أسمع صوتها كى يمر الوقت ، أو كى تمر الشمس فى السماء ، يجب أن أسمع صوتها كى يحدث أى شئ فى العالم ، لا ترد !

أحسن " مش أحسن خالص " ؛ فى ستين داهية " يارب تكون كويسة " !

عموماً سأصل قريباً وكله تمام ، عَمر يدعونى للخروج حتى آخر العربة لكى يتمكن من تدخين سيجارة ، ليس عندى مانع على الإطلاق ، رغم أنى لا أدخن إلا أنى أميل للفساد بشكل تلقائى ، أعشق جلسات الحشيش التى أكون أنا فيها المتيقظ الوحيد ، الجلوس مع المساطيل له نكهة أخرى ، وجلسات الحديث عن الثأر والسلاح وأنواعه تثير داخلى الشخص الشرير ، لذالك لا يمكننى أن أرفض عندما يطلب منى أحدهم أن أساعده ليدخن سيجارة ، خرجت معه فى صمت وأنا أعيد على نفسى بعض الأبيات لــ كثير عزة : 

رهبان مدين والذين عهدتهم ..

يبكون من حذر العذاب قعودا ..

لو يسمعون كما سمعت كلامها ..

خروا لعزة ركعاً وسجودا ..

الله يعلم لو أردت زيادةً .. فى حب عزة .. ما وجدت مزيدا !

وعندما رأيت السيجارة وهى تخرج لتحترق أمامى حاولت جاهداً أن أتذكر بعض الأبيات التى كتبها أشرف أبوالنصر "أخى" فى وصف السيجارة المحترقة ، تذكرت نصف شطر ، ألفافة تبغ نحرقها ؟
ولم أذكر الباقى ، ربما لم يكن هناك باقى فى الأصل وأشرف كان بيشتغلنى ويكرر نفس الجملة ، عموماً صوت القطار المنتظم ساعدنى على تنظيم تفكيرى قليلاً .

عودتى إلى المقعد وأنا أهتز مع القطار ليست بالشئ السهل ، حاولت أن أتحاشى النظر إلى الناس حتى لا أضطر أن أحضن أحدهم أو أسأله عن حاله وأخباره وأشياء أنا فى غنى عنها ، أنظر إلى مقعدى لأجد فتاة تجلس عليه !

نهارنا لبن !

طبيعى - بما أن القطار مزدحم بالركاب الذين لا يمتلكون تذاكر - أن يستغل أى شخص فرصة وجود مقعد شاغر ليجلس عليه ، وطبيعى أن أستخدم برودى المعتاد لأذكره أن هذا مقعدى الذى دفعت "أو دفع لى عَمر" من أجله 28 جنية مصرى شاملة الضرائب ، لكن فتاة ! ، صعب جداً ، أنا هو ذالك الشخص الذى قضى أول 13 سنة من حياته لم يتحدث إلى فتاة سوى أخواته ، من المستحيل أن أطلب من فتاة أن تترك مقعدها / مقعدى لأجلس أنا عليه ، لذالك صدّرت عمر أمامى وفضلت الوقوف فى الممر والعبث بهاتفى المحمول ، وأشرت للفتاة بما معناه أن لا بأس سأقف هنا .. إنه أمر طبيعى !

إن كنت قد قررت أن أقف فى الممر لمدة ساعتين أو أكثر فيجب أن تكون لدى خطة تسلية محكمة لقتل الوقت والتمثيل بجثته ، وهو بالضبط ما لم أملكه ، لذالك وقفت فى معركة ضارية مع الملل وانتصر الملل فى النهاية ، ليس عندى حل آخر سوى أن أرفع رأسى عن الموبايل وأنظر إلى الأشخاص وألقى التحية على بعضهم وأتقبل التحية من البعض الآخر ، وأشير بيدى وأرد على الإشارات ، حركات تراجيدية جداً توحى بأنى أعيد تمثيل فيلم "صعيدى فى الجامعة الأمريكية" ؛ حيث أنى مدعو للإندماج فى وسط الجامعات الخاصة وأنا لا أنتمى إليه بأى حال من الأحوال ، نظرت إلى الفتاة التى أثرت فى حياتى وحاولت أن أبلغها الشكر بطريقة لاسلكية لكنها كانت فى حوار عميق مع المرحلة الخامسة من النوم ، لذالك فضلت أن أشكرها فى قلبى ، نظرت إلى الفتاة التى إحتلت مقعدى فوجدتها فى المرحلة السادسة من النوم ، نظرت إلى عَمر رفيق الرحلة فوجدته فى المرحلة الرابعة بعد المائة الخامسة من مراحل النوم ، حسناً يجب أن أفعل أى شئ .

تحركت قليلاً إلى الأمام ، وجدت شئ غريب !

شئ تقشعر له الأبدان وينتصب له شعر الرأس !

شئ يثير فى جسدك الرهبة والدهشة !

كرسى فاضى !!

صدقنى أنا لا أبالغ ، لكن أن يكون هناك كرسى فاضى فى قطار ملئ بالأشخاص الذين لا يجدون أى مقاعد هو شئ غريب ، جذبتنى نوبة حماس فسألت الشخص الذى يسكن المقعد المجاور للفارغ : حد قاعد هنا ؟

ربما تعرض لهذا السؤال من قبل ويحتمل جداً أن يكون بالفعل حد قاعد هنا لكنه ذهب إلى الحمام أو لتدخين سيجارة أو لقتل الكمسارى أو أى شئ ، لكنى سألته على أى حال ، فأجابنى بحركة من جسدة تعنى تفضل إجلس بجوارى !

جلست ، وأخذت وضعية ساق على ساق ،  وكأنى قد ورثت هذا القطار عن أجدادى الإقطاعيين ، وأرحت ظهرى قليلاً إلى الوراء ، أنا الآن البرنس عمر أبوالنصر أمير باريس والسودان ، بالنسبة للفتاة أفضل شعور هو أن تدوس على السيراميك البارد بعد يوم طويل من الكعب العالى ، بالنسبة لى أفضل شعور هو أن أجلس كما أريد بدون أن أسمع صوت دكتور ينبهنى أن طريقة جلوسى لا تناسب جلالته ، مالك وطريقة جلوسى ؟
هل أجلس على قلبك ؟
جيد أنى فى قطار حيث لا يمكن أن ينقد أحدهم جِلستى ، إنتبهت إلى صوت الجالس بجوارى : إنت طالب فى الجامعة ؟

آه 

جامعة إيه ؟

النهضة !

نعم ؟

النهضة NUB 

دى جامعة خاصة ؟

ثم إستطردنا فى المعضلة الأزلية ، بتدفعوا كام ؟ ،، نظام الدراسة والمعادلة والشهادة والشغل والصيدلة والبقالة والفلوس والسفر والهجرة والثورة والفلول والإخوان والبلد والتعليم وبتدفعوا كام ونظام الدراسة والمعادلة والشهادة والشغل والصيدلة !

ثم تم عكس الدائرة كما هو متفق عليه ، بدأت أنا الأسئلة ، أسامة خريج تجارة أسيوط ، مر بتجربة الجيش ، إذاً فلا مفر من أن أستمع لقصص كثيرة عن بطولاته وأهواله داخل الجيش ، كل من يمر بتجربة الجيش يخرج ليحكى عن أحداث غريبة ، كأن هذا الجيش ينتمى لدولة فيتنام ، ولابد أن أستمع إليه بتشجيع وإيحاء بالإندماج حتى لا أقلل من قيمة أحاديثه ، أسامة يبحث عن عمل ، أسامة شاب مصرى ، أسامة يذهب إلى حديقة الحيوان.

قصة أسامة ليست غريبة على الإطلاق ، هى قصة يشترك فيها عشرات / مئات الآلاف من شباب الخريجين ، لا شئ مشوق ، لا شئ جديد ، لا شئ يدعو للإستمرار فى الحوار ، استأذنك اجيب اللاب ، رجعت إلى مقعدى القديم الذى تعرض للإحتلال ، تناولت حقيبة اللابتوب بهدوء حتى لا أوقظ المحتل ، رجعت إلى مقعدى الجديد ، أخذت أتصفح الفيسبوك ، تحاشياً لأى حوار مع صديق إليكترونى فى ظل إهتزار القطار حولت وضع الفيسبوك إلى أوفلاين ، أخذت أتصفح الأخبار ، لا شئ جديد ، لم يكتب بلال فضل شئ جديد اليوم ، ولا علاء الأسوانى ، لو كان القطار له شباك أكبر قليلاً لألقيت نفسى منه تخلصاً من الملل ، الموت يقتل الملل بالتأكيد .

أتصفح مدونة صديقى محمد الشيخ يوسف ، ذالك الفلسطينى الغزاوى الموهوب ، عندما أقرأ لهذة المواهب الحقيقية أشعر بيقين أنى لست سوى تائه فى رحلة البحث عن الصفر ،  لكن لا شئ مستحيل ، بالمناسبة سأخبركم كيف أثرت تلك الفتاة التى كانت معى فى القطار على حياتى ، قرأت يوماً قطعة صغيرة لها تقول فيها أن كلمة شكراً تفعل الكثير ، وجيد أن تقول لأختك "بعد إذنك" عندما تطلب منها أى شئ ، وجيد أن تشكرها ، وجيد أن تحدث فتى القهوة بصيغة "لو سمحت" ، فكرت فى كلماتها وقررت أن أنفذها فى البيت ، وبدأت التطبيق مع إخوتى ، وكانت النتيجة حاسمة ، وهذا أفادنى من ناحيتين : 

الناحية الأولى أنى أيقنت أن الكلمة قد تغير كثيراً ، كلمة تقولها أو كلمة تسمعها ، تماماً كما فعلت كلماتها البسيطة معى .

الناحية الثانية أنى أصبحت أكثر وأكثر تقارباً مع إخواتى البنات .

فكرت فى مفارقة كيف أنى وجدت كرسى فاضى وسط قطار مزدحم ؛ سألت أسامة الذى بجوارى ، فرد على : هذين المقعدين فى الأصل كانا مخصصين لبعض أعضاء النيابة العامة ، عرف داخل سكك حديد مصر أن تكون هناك مقاعد شاغرة تحسباً لحالات السفر الطارئة للشخصيات المهمة مثل أعضاء النيابة العامة أو الهيئات القضائية ، ولأن أسامة " عنده قرايب مهمــــيـــن " ، إستطاع أن يحصل على هذين الكرسيين بشكل إستثنائى ، وشاءت الأقدار أن أكون أنا فى أحدهما ، كيف عرفوا أنى شخصية مهمة ؟
لا شك أن أخبارى تسبقنى !
ضريبة الشهرة !

تعبت من الجلوس ، على أن أقف الآن فى صف طويـــــــــــــــــــــــل من المنتظرين للنزول من القطار .



الأسطورة تقول : القطر مش بيقف فى بنى سويف غير 5 دقايق ، وفيه ناس كتير جداً نازلين بنى سويف "جامعة النهضة" ، لذالك علينا أن نكون مستعدين للنزول قبل حركة القطار .

مستعدين تعنى أن تقف لمدة حوالى 15 دقيقة تنتظر توقف القطار ، وعندما يحدث هذا تبدأ الحركة البطيئة المتعجلة الصاخبة للنزول ، كأن بنى سويف هى كعبة العلم ونحن الحجاج ، شالله يا نهضة ، أتحرك ببطء ولا يثقلنى شئ لأنى أحمل حقيبة واحدة رغم أنها كبيرة إلا أنها منظمة ، بالإضافة إلى حقيبة اللابتوب الخفيفة ، لا شئ صعب ، فقط على أن أساعد عَمر فى إنزال حقائبه الكثيرة ، لا شئ صعب على الإطلاق .


عمر أبوالنصر
24/9/2012
2.51 Am

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

صوت من قاع المجتمع !



ليس من العيب أن تولد وفى فمك ملعقة من ذهب ، ليس عيباً على الإطلاق كما أنها ليست ميزة ، لكن العيب والعار أن تولد وأنت تشعر بالتفوق على هؤلاء الذين لم يجدوا فى أفواههم حتى ملاعق خشبية .

أكتب عن ديكتاتورية المولد وديكتاتورية النشأة ، عن التفوق الطبقى الذى يقتلع القيم الإنسانية من جذورها ، ولكى نكون واضحين لا تتوقع منى أن أكون محايداً ، طبيعى أن أكون متحيز لطبقتى ، أنا مع الفقراء أينما وجدوا ومع المضطهدين أينما أقاموا ، لا بديل عن الإنحياز للطبقة التى تطعمك وتجعلك ترتدى الملابس الفاخرة ، بصراحة أنا متحيز ، تخلى قليلاً عن فلسفتك التى تعلمتها داخل غرف مكيفة عن ضرورة التواصل بين الطبقات ، بينما كنت تشترى عطر هوجو كان هناك من يعيشون داخل غرف صفيح ، عفواً لا يمكننى إلا أن أتحيز وأنفى واقع التواصل بين الطبقات ، لعلى بالإعتراف أصنع شرخاً فى الجدار الأسمنتى بين الطبقات الإجتماعية .

الثأر؛ هل تعرف لماذا تنتشر عادة الثأر فى الصعيد ؟
ربما لأن أهل الصعيد متخلفين همجيين لم يتخرجوا من مدارس بريطانية أو أمريكية ، ولم تهذب نفوسهم جلسة شاعرية فى كافية ستاربكس ، ولم تتلون مشاعرهم بألوان الطيف فى حفلات منير ، حسناً هذا صحيح نسبياً ، لكن هل تعرف لماذا هم هكذا ؟

بوضوح لأن الفكرة قد تكونت عنهم وأصبحت أمر واقع ، ولا بديل عن صعيد متخلف همجى رجعى حتى يضمن للقاهرة التفوق النوعى ، ويصبح لدى الإنسان القاهرى ما يفخر به ، لا يمكن أن يحدث تطور بالصعيد لأن هذا لا يتوافق والدوافع السيكولوجية التى تحث صناع القرار على بقاء الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للإنتحار ، هل تعتقد أن أهل الصعيد يعشقون الأسلحة ويحبون القتل وتثيرهم مناظر الدماء ؟

مخطئ أنت !

هل شاهدت رجالاً يبكون لأنهم أوقعوا أنفسهم وعائلاتهم فى دائرة الثأر ؟

هل شاهدت أماً صعيدية فقدت زوجها وأخاها وابنها فى دائرة الثأر اللانهائية ؟

هل شاهدت العروس التى قُتل زوجها ليلة الزفاف ومعه أربعة من أصدقائه وعادت إلى بيت أهلها أرملة مصابة بالصدمة وظلت صامته حتى ماتت ؟

أهنئك لأنك لم ترى أى من هذة المشاهد ؛ لو كنت صعيدياً لرأيتها ، ولو شرفتنى بالزيارة لجعلتك تراها أمامك تتكرر كل يوم ، وربما أعرض عليك مشهد ذبح على القبر عرض للكبار والصغار ، حيث يتم إختطاف الضحية وذبحه على قبر القتيل ، يا لهؤلاء المنحطين الجهلة الهمجيين الذين  لم يتخرجوا من مدارس بريطانية أو أمريكية ، ولم تهذب نفوسهم جلسة شاعرية فى كافية ستاربكس ، ولم تتلون مشاعرهم بألوان الطيف فى حفلات منير !

ولم يجدوا من يعلمهم أن القتل حرام !

ولم يجدوا جمعيات خيرية تصور مآسيهم وتبثها وتجمع من أجلها التبرعات التى تذهب لتنمية القرى الفقيرة فى سويسرا !

ولم يجدوا إعلاماً يتحدث عنهم ولا إعلامية تبكى عليهم ولا صحفى يكتب عنهم !

لم يجدوا كتاب أو ورقة ، ولدوا وفى أكفهم البنادق وأمام أعينهم الرصاص ، بينما هناك من يمسك بالبلاك بيرى ويتمرغ كأنثى الحمار الوحشى على سريره ليكتب عنهم : الجحيم للهمجيين !

ثم فجأة تذكرت قوات الأمن أن هناك قرية ما بها حالات قتل فقررت أن تحل الموضوع من جذورة حتى أطرافه - شكراً فاتيكا - عن طريق حملة أمنية موسعة تهبط إلى القرية الغير آمنة فتعتقل النساء حتى يسلم الرجال أسلحتهم ، وتقيم حفلات الصلح الجماعى التى يتم بثها على القناة الإقليمية ، وتستقر الأوضاع حتى ينصرف السيد مدير الأمن إلى حيث تمت ترقيته لجهودة فى القضاء على الثأر ، فتخرج الأسلحة من مكامنها تحت الأرض ، ويخرج الرجال الغاضبين الذين لم يحضروا أى كورسات تعليم إتيكيت من قبل ، وقد إستفزتهم رغبة الثأر وأرادوا أن يحققوا القصاص الذى لا مفر منه ، ويستمر الأمر لسنوات حتى تتذكرهم قوات الأمن من جديد ، فتعود من جديد ومعها القبضة الحديدية ، فيتم إختطاف النساء ، كأن النساء هن أصل المأساة ، فى كل حال يتعرضن لفقدان الأبناء والآباء ، ثم تختطفهم قوات الأمن كرهائن ، أى دولة هذة التى تتخذ الرهائن ؟!

الثأر فى الصعيد يا عزيزى الفخور بقاهريتك سببه هو تهميش الصعيد وتعطيله ، بسبب عدم وجود مؤسسات تعليمية أو ثقافية أو إجتماعية أصبح إطلاق الرصاص هواية ، وأصبح القتل رياضة ، ولأن الصعيد يدفع الضرائب التى تذهب لتشجير حدائق القاهرة ، أصبح الصعيد غابة كبيرة ، يُتهم أهلها بالغباء والفقر !

لا تتاح لهم فرص التعليم من الأصل .

ولا فرص التنمية من الأصل .

كيف تتوقع منهم أن يكونوا أذكياء ناجحين ؟

هل أنا متحيز ؟

نعم أنا كذالك ..

الجهل ؛ مفارقة عادية تلك عندما نرى أن المناطق الأكثر فقراً فى الوطن هى ذاتها الأقل تواجداً فى الجامعات ، هل هى صدفة أن المدقعين لا ينجحون فى التعليم ؟

أثناء دراستى فى الأزهر كان لى صديق ذكى جداً لكنه يعيش فى بيئة تصلى كل يوم كى لا تصبح منها ، يعيش تحت خط الفقر بحيث أنه لو نظر على إمتداد الأفق لما رأى ذالك الخط الذى ابتعد عنه كثيراً ، لكنه كان موهوباً فى الرسم ، تخيل معى من لا يجد طعام إفطاره يحلم بأن يمتلك ألوان كثيرة غالية الثمن ، أقل بقليل من سعر ساندويتش فول ملوث ، ويحلم بورق رسم باهظ الثمن ، ماتت موهبتة وتحللت ، وما عدت أراه يتصفح كتب التربية الفنية منذ أن عمل كسائق ميكروباص .

هناك إحتمال ما أن تكون قد رأيته أمامك من قبل وقلت فى عقلك المرفه ؛ اللعنة على هذة الفئة الهمجية من سائقى الميكروباصات ، وما أدركت أنه لو كان امتلك اثنين بالمئة من مواردك لأصبح فناناً تمد إليه الأيدى للمصافحة ، أو طبيباً تنتظر أمام بابه ساعات ، لكنك فضلت الطريقة الأسهل فى التفكير ، وهى أن هذا الشخص كان ابن مليونير مرفه ولكنه تعلم السفالة من الشارع ويعمل كسائق ميكروباص لأنه لا يليق به إلا مثل هذا العمل ، حتى عقولنا أصبحت عنصرية !

هل رأيت من قبل أطفال الشوارع وهم يحملون فى أيديهم مسامير حديدية يخدشون بها السيارات ؟

ألا يخاف هؤلاء على سيارات آبائهم أن يفعل بها الآخرين هكذا ؟

عفواً ليس لديهم آباء !

ألا يخافون من عقاب الله ؟

أغلبهم لا يعرف الله !

ألا يخافون من أى شئ ؟

ربما لأنك كنت تمتلك أباجورة بجوار سريرك تتيح لك رفاهية إطفاء وإضاءة نور الغرفة فتكونت لديك رغبة بأن تنام والنور مطفأ ، لم تكن لديهم هذة الخاصية ، تحت الكبارى النور كالظلام ، والموت كالحياة ، عفواً لا يخافون من شئ ، لأنهم إعتادوا على كل شئ .

لا تقلق ، يمكنك أن تقوم بزيارة أحد ملاجئ الأطفال وأن تحتضن طفلين وتلتقط معهم الصور وتتبرع بما يجود به قلبك لهؤلاء المساكين ، وتخرج لتشترى بعض المناديل من البائع عند الإشارة ، ثم تعود إلى منزلك وتجلس تحت التكييف وتنعم براحة الضمير ، لكن سيظل بالشارع أطفال يعملون تحت مظلة الفقر والجهل ، وتظل طفلة لم يتجاوز عمرها تسعة أعوام تزور منزلك كل أسبوع لتقوم بأعمال المنزل ، وتظل أنت تزور الملجأ ، ويظل المجتمع يتحلل حتى ينتهى ، وتنطلق ثورة الجياع التى ستجعل الجهل هو سيد الموقف ، والفقر هو صاحب القرار ، وتنعم أنت براحة الضمير !

إطمئن لن يحدث شئ بعد أن تقرأ هذا المقال ، لن تقام ندوات فى الصعيد داخل القرى الأكثر عنفاً ، ولن يتم تطوير التعليم بها ، ولن تحل المشاكل الإجتماعية ، ولن تتحرك أنت ولا أنا ولا الآخرين ، سنفكر ونفكر ونفكر ، ونضع الحلول وندرسها ونحللها ونستمر فى التحليل حتى يتحلل المجتمع بأكمله ، ويسأم الصعيد من تهميشه ويسأم الفقراء من إضطهادهم ، فقط إنتظر .. مسألة وقت !



شارك على الفيسبوك إضغط هــــنــــا

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

صرخة كلمة !

لا أعرف كيف تخلقنى بعقلك وتشكلنى بصوتك وتخرجنى من حنجرتك ثم تتهمنى أنى صفيقة ومبتذلة ووقحة ، سيدى الفاضل .. أنا منك .. كان يمكن أن لا أوجد من الأصل لولا أنك أردت أن تشبع مشاعرك التى تكرهها ، إن إضطهدتنى فأنت تضطهد نفسك .

نحن كلمات ؛ مجرد كلمات من وسط كلمات اللغة التى لا تحصى ، نتراوح بين الشتائم والسباب إلى التعبيرات التلقائية ، ببساطة نحن كلمات صفيقة !

نحن معشر الكلمات المتهمة بالإنحطاط لم نخلق أنفسنا وما يكون لكلمة أن تخلق نفسها ، إنما هم البشر الذين يتداخلون سوياً ويتحركون فى محيط إجتماعى يجعلهم كل يوم يخلقون كلمات جديدة ، ويرسلونها إلى محكمة فى مكان ما داخل عقولهم ، وتبدأ محاكمتها بناءاً على معايير تتكون من كلمات شقيقة ، مثلاً يجب أن أكون ذات صوت معتدل حتى أتوافق مع الطبقة الراقية من المجتمع التى تفرض ثقافتها ، إن كنت "لع" فأنا كلمة من البيئة المتدنية لا تليق بالبشر المتحضرين ، ويجب أن يتم تحويرى وتقطيع أطرافى حتى أصبح "لأ" ، وما بين لأ ولع سنوات ضوئية ، لم أقطع تلك السنوات ولم أقطع أطرافى حتى أتحول من واحدتها إلى الأخرى لكن البشر فعلوا ذالك ، ثم عادوا إلى يتهمونى فى كل مرة بأنى لا أستطيع التعبير بالشكل الكافى ، فتتم الإستعانة بكلمات من لغات أخرى ، لأجد نفسى منبوذة ملقاة على قارعة المعجم لا أجد من يبحث لى عن معنى ، بينما كلمات أخرى غريبة الشكل عديمة العين تنطلق على الألسن إنطلاق النار فى الحطب الجاف ، بعد أن تكوَّنت فى عقول هؤلاء ، رضوا بغيرى .. ثم إتهمونى بأنى لا أليق !

ذات يوم ، كنت أسير فى شارع راقى حيث لا عمل لى ؛  أفكر فى حالى وأراجع نفسى فى مسألة طلب الهجرة إلى المريخ ، وجدت رجلاً مهاب الهيئة ، ووجدت بعض الكلمات الشقيقة تخرج من بين شفتيه ، وفجأة وجدتنى أقفز على شفتيه وأتقلب على لسانه لأخرج فى النهاية بصوت مسموع ، يا ربى كيف حدث هذا ، ما يكون لى أن أخرج من هذا اللسان إنما أنا كلمة صفيقة لا ينطقنى إلا البشر الغير متحضرين ، هل حوار هذا الرجل المهاب مع زوجته يجعله يستخدمنى ، هذا يرضى غرورى بعض الشئ .. شكراً أيها المهاب .

تبعت الرجل إلى الأسفل لا لشئ إلا لأنه كان يستخدمنى كل ثلاث ثوانى تقريباً فأزداد غروراً وإحساساً بالعظمة وقد نطقنى أحد المهابين فى المجتمع ، ورأيت طفل يتراوح عمره ما بين العاشرة والتى تليها ، وقد ضم شفتيه بطريقة أعرفها جيداً ، هو يطلبنى للإستدعاء حيث أنه سينطقنى الآن ، فانطلقت إلى فمه الرقيق وأنا أشعر بسعادة عارمة ، فبعد أنا كنت أعتقد أنى كلمة لا تتداول إلا فى محيط الأسفلين وجدت لى رجل مهاب وطفل رقيق ينطقانى ؛ وبالفعل خرجت من فم الطفل وأنا أكاد أنفجر سروراً ، وما كدت أفعل حتى كدت أنفجر ذهولاً !

ذات الرجل المهاب الذى جعلنى أشعر أنى حصلت على عمل بدوام كامل على شفتيه ، ينهر الطفل الصغير الذى نطقنى للتو ويتهمه بأنه ينطق كلمات سافلة !

ما أوقحك !

ألم أكن أتحرك بين أحبالك الصوتية منذ أقل من دقيقة يا عديم الأصل !

أتمنى أن يتم قبول طلب هجرتى قريباً .. إلى حيث أرض ليس بها منافقين يستخدمونى ثم يهينونى .

أعرفكم بنفسى .. أنا مدام أحا !


شارك على الفيسبوك إضغط هــــنـــا

السبت، 15 سبتمبر 2012

اضحك !



يا صديقى

كلنا نحيا بهذى الأرض نلتحف السماء

مهما إختلفنا

ستظل تجرى فى الشرايين الدماء

ويظل كل الناس متساوين وقت النوم

وقت الجوع

وقت الحزن

عندما يأتى العطش

يشرب المكبوت ماء

ويشرب السعداء ماء

لا أرى سبب القنوط

غير وهم فى الهواء

**

يا صديقى إنما الأحزان شئ من تصاريف السماء

فابتسم إذْ جاء حزنك

إن حزن النفس عندى

مثل طيشٍ ليس يجدى

إنَّ أَملَكَ فى الحياة

سر أسرار البقاء

فابتسم يا دام سعدك

صوت فرحك فوق خدك

يزرع الأفراح بعدك

لا تدع شيئاً يهدك

إنما الأحزان .. داء

**

يا صديقى

ربما تأتى الحياة بزيفها وبعنفها

لا تبتئس

امنع العين الجميلة عن أساليب المدامع

ثم ردد

إننى فى الكون وحدى

ليس فى الأشياء قبلى

ليس فى الأشياء بعدى

إننى أحيا بفردى

يخلق الأفكار عقلى

تخلق الكلمات يدى

تصنع الأشياء كفى

إن فمى تحت أنفى

إن عقلى فوق كتفى

والمرايا كاذبات

تظهر الإحساس مخفى

يا صديقى

كل شئ فى حياتك

إن تعالى

صار مخفى

غير أن الأمل وحده

إن تعالى صار شيئاً .. ليس أدركه بوصفى

**

فابتسم يا دام فرحك

إن حزنك سر جرحك

لا تدع شيئاً بقلبك

أطلق الكلمات .. واضحك


 عمر أبو النصر
15/9/2012
3.08 PM

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

50 ألف سبتمبر | للقتل وجوه كثيرة





فى مثل هذا الوقت من كل عام ، تمتلئ المنابر العربية والحناجر العربية بالتبريرات والتبريئات التى تحمل نبرة متناقضة ما بين الشعور بالذنب والشعور بالفخر ، وتتحول قنواتنا الفضائية من العبث السياسى إلى العبث الأخلاقى عن طريق بث المتناقضات ، ما بين أشخاص فخورين منتشين وكأنهم قد شربوا دماء 2973 إنسان من أديان وجنسيات مختلفة بينهم عرب مسلمون ، وبين أشخاص ينافقون قناعاتهم الفكرية ويعملون على إيجاد تفسير منطقى للقتل ، ولا يعلمون أن تبرير القتل هو جريمة لا تقل فداحة عن القتل نفسه ، عندما تبرر للقاتل فكأنك تعطيه الغطاء الأخلاقى لجريمته ، وتحمل الضحية المسئولية ، لكنى أعذرهم على كل حال ، أن تكون عربياً مسلماً وسط عالم يرى فى كل العرب المسلمين أسامة بن لادن ، ليس أمامك إلا أن تكون بالفعل أسامة بن لادن ، أو تبرر لأسامة بن لادن ، أن تكون عربياً مسلماً .. فأنت فى موقف لا تُحسد عليه .

من المسئول ؟
لاشك أن هذا السؤال يوضع جنباً إلى جنب مع الأسئلة الأزلية التى حيرت العالم .
ماذا تريد النساء ؟
كيف تكونت الأرض ؟
من المسئول عن 11 سبتمبر ؟

أعتقد أنى أمتلك حق الإجتهاد فى هذا الأمر وأعتقد أنه ليس هناك من إنسان لا يمتلك هذا الحق ، هى مأساة تشترك فيها الإنسانية ، وتختلف عن غيرها فى صعوبة تحديد إتجاه المسئولية ، فهى إذاً تختلف عن مجازر القوات الأمريكية فى العراق ومجازر الكيان الصهيونى فى قطاع غزة ومجازر الصرب فى البوسنة ، ليس هناك مسئول محدد قد نفذ هذة الجريمة لكى يحقق مصالح معينة بوضوح ، الغموض هو العامل الأساسى .

محاولة إلقاء المسئولية على شخص بدائى يعيش فى مجاهل أفغانستان وجعله مسئول عن إختراق النظام الأمنى لأعتى دولة فى تاريخ العالم وتفجير أهم المبانى بها تساوى تماماً محاولة تحميل النمل مسئولية نقص السكر فى العالم ، هو فقط شكل من أشكال التهرب من المسئولية ، ولا شك أن هناك أطراف أخرى تتحمل الإثم كاملاً غير منقوص ، مجرد المشاركة بالتسهيل أو المشاركة بعدم المنع "مشاركة سلبية" تعتبر جريمة كاملة غير منقوصة ، وحتى المشاركة بتوفير الدافع تعتبر جريمة كاملة .

لا شك أن الإدارة الأمريكية بجانب تحملها المسئولية الإدارية عن الكارثة ، تتحمل أيضاً المسئولية عن نشر الكراهية حول العالم وتقسيم الأرض إلى معسكرات متناحرة حتى تضمن بقائها على عرش السلطة العالمى ، ولا شك أن الــ"حرب على الإرهاب" التى اطلقها جورج دابليو بوش بعد هجمات سبتمبر لها دوافع أخرى غير القضاء على منابع الهجمات ، لأن هذة الحرب المزعومة قد أفادت هذة المنابع أكثر مما ضرتها عن طريق توفير الحرب المقدسة وخلق التعاطف العربى الإسلامى معها ، ولأنها حرب لن تستمر إلى الأبد فسوف يخرج منها تنظيم قاعدة الجهاد وحركة طالبان أقوى من السابق ، هى إحدى فصول المسرحية العالمية التى نلعب فيها أدوار المتفرجين ، أو المضحوك عليهم ، حيث نجلس فى مقاعدنا الترابية الفقيرة لنشاهد أبراجاً تنفجر وحرباً على الإرهاب للثأر وتأتى الحرب إلينا وتطرق أبوابنا ونحن ما فعلنا إلا مشاهدة التلفاز فى يومٍ مشئوم ، ثم يُقتل المسلمون حول العالم ولا ذنب لهم إلا الإنتماء العقائدى ، ولأول مرة فى التاريخ تتم نسبة التطرف الفكرى إلى الإنتماء العقائدى ، فى حين أن التتار وهم الشعب الذى كان على وشك تدمير التراث العالمى بأكمله لم تُنسب همجيتهم أبداً إلى الديانة البوذية التى كانوا يدينون بها ولكن عندما تحدث عملية قتل عشوائية مثيرة للشكوك تمت بطريقة بدائية وغير منطقية أصلاً ( إختراق 4 طائرات لنظام الدفاع الجوى الأمريكى ! ) يتم تحميل المسئولية لأكثر من مليار مسلم حول العالم وتنطلق الرصاص الأمريكية لتقتل حوالى خمسين ألفاً منهم ، وليس لهؤلاء الآلاف الخمسين يوم نتذكرهم فيه ولا ساعة ننكس فيها الأعلام من أجلهم ، وليس ورائهم وسائل إعلام تبث عنهم الأفلام الوثائقية وتجعل العالم يبكيهم ، تباً للعالم الغير عادل .

أليسوا قتلى ؟
هل الدم الأمريكى أزرق اللون فاخر الموديل والدم العربى أحمر اللون رخيص ؟
لا أعتقد هذا وإنما شراكتنا البشرية وسريان الدم الأحمر موحد التركيب فى عروقنا يجعل من أرواحنا أشياءاً متساوية الأثمان ، لكنها ليست متساوية فى شكل القتل ، هذا يُقتل وهو يمارس عمله فى منظمة دولية فتسقطه طائرة مريبة مجهولة المصدر قتيلاً وتترك ورائه أسرة مكلومة ، وهذا يقتحم عليه الجنود منزله فيقتلونه أمام أسرته المكلومة ، لافرق عندى بين الجسدين ، كلاهما يقتل غدراً وظلماً وإن تعددت أوجه القتل ، فى ذكرى 11 سبتمبر لا يجب أن نرثى فقط هؤلاء الـ2973 قتيلاً ، لكن نرثى آلاف القتلى الذين أسقطتهم الكراهية والعنصرية والمصالح حول العالم ، ونرثى آلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين ، ونرثى الدول التى أسقطتها النزوات السياسية ، والفتن التى أيقظتها الحسابات السياسية ، والجثث التى قتلتها الرغبات السياسية .



للمشاركة على الفيسبوك إضغط هـــنـــا

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

صباح الخير البرادعى عميل | مساء الخير البرادعى عميل



صباح الخير عزيزى الإخوانى ، صباح الخير عزيزى السلفى ، صباح الخير عزيزى الكنباوى ، أعرف ما يدور فى عقولكم وأنا هنا لكى أرضى رغباتكم ، البرادعى عميل أليس كذالك ؟

تستيقظ صباحاً لتغسل وجهك الكريم وتلقى التحية على أهلك وعشيرتك وتجهز نفسك لكى تقول لكل من تقابله فى العمل والشارع وتويتر وفيسبوك أن البرادعى عميل ، ولا داعى للملل ، إن إستنفذت حجة عميل الأمريكان الذى أدخل أمريكا إلى العراق فلا تقلق هناك الكثير ، مثلاً هو عميل فنزويلا الذى أدخل كوبا إلى بنما ، أو عميل عطارد الذى ساعد نبتون على إقتحام شاى العروسة ، لا تقلق ولا تتقلقل ولا تتحول عن مبدأ الجماعة ، لا شك أنك تحس بمتعة خاصة عندما تتهم شخص أنت لا تعرف عنه إلا أقل القليل بأنه عميل وخائن وتربية مخابرات ، لا شك أن هرمونات السعاد تتدفق إلى جسدك وأنا لا أريد أبداً أن أوقف هذا التدفق الهرمونى ، لكن دعنا - بعد إذنك - نراجع ما تقوله ونحاول أن نبرهن عليه بالأدلة القاطعة ، ربما تجد من يحاول أن يرد عليك وينفى عن البرادعى تهمة العمالة والجهل بالوطن ، لذالك سوف أقدم لك الطريقة الأفضل لكى تستمر على طريق الحق ولا تستجيب لأصحاب الفتن والأهواء .

لا تحاول أن تُناقش أو تُجادل أى شخص فى قلبه هوى للبرادعى ، فقط عليك أن ترسم على وجهك علامات الإندهاش المريع ، وكأنك توجه له رسالة ؛ هل هناك من يصدق البرادعى ؟ .. بهذة الطريقة أنت تزرع فى الوعى العام للمجتمع فكرة أن البرادعى عميل وخائن وهذا أمر واقع لا مفر منه ولا جدال فيه ، فقط إرفع حواجبك إلى الأعلى .. أكثر قليلاً .. نعم هكذا .. وافتح فمك على مصراعية .. إفتحه أكثر ، وأطلق عبارات الدهشة مصحوبة بعبارات الإستغفار والحوقلة والبسملة ولا مانع أن تقرأ آية الكرسى أو سورة الكهف من باب تأكيد فكرتك .

علمتنا الأيام يا عزيزى الــ أنتى-برادعى ( مضاد للبرادعى ) أن أنصار هذا العميل دائماً لديهم فيديوهات وأدلة تثبت عكس ما نقوله .. لكن هل معنى هذا أن نتراجع ؟
بالطبع لا .. لا تراجع ولا تهاون ، هذة الفيديوهات باللغة الإنجليزية وكما تعلم فإن الشعب المصرى قد تعلم الإنجليزية فى الكيلاس على يد الميس مرفت لذالك من السهل التشكيك فى أى شئ ، فقط عليك أن تبتسم الإبتسامة المعروفة وتطلق كلمة السر : فوتوشوب .

إن واجهك أحدهم بفيديو للبرادعى فى مجلس الأمن يتحدث فيه عن عدم وجود أسلحة دمار شامل فى العراق ويصف الإحتلال الأمريكى بأنه غزو عسكرى ، إستغفر الله سبعين مرة ثم حوقل وبسمل ووحد وأطلق عبارتك التى ستهز العالم : الترجمة بها خطأ .. وإطمئن سيصدقك كل الموجودين ليس فقط لأنهم لا يجيدون الإنجليزية لكن لأنهم يميلون إلى نظرية المؤامرة التى تجعل الشخص يشعر بأنه أذكى من الآخرين ويعرف خبايا الأمور .

الزن على الودان أشد من جون سينا ، والتكرار يجعل الفكرة راسخة وعقائدية فى عقل الحمار ، وكما أن الفكرة تكونت فى عقلك بالتكرار يمكنك أن ترسخها فى عقل الآخرين الذين على شاكلتك بالتكرار أيضاً .. فى كل مناسبة وبدون مناسبة ، إن كتبت تويتة على تويتر عليك أن تكتب فى آخرها "مش بتعمللى ريتويت ليه يا #برادعى يا عميل " ، وإن كتبت بوست على الفيس عليك أن تختمه بــ " لا للبرادعى عميل إلهام شاهين " ، فقط عليك أن تكرر وتكرر وتكرر ، عمييييييل عمييييييل ، ولا تشتت ذهنك حتى لا تكرر كلمة أخرى ربما سمعت بجانبك كلمة ماء مثلاً فأصبحت تكررها بلا وعى أيضاً .. مااااااء ماااااااء .

عزيزى الــ أنتى-برادعى ؛ لا تفوت الفرصة ، وإن لم توجد فعليك أن تخلقها ، وإن لم تعرف كيف تخلقها فلا تهتم يمكنك أن تقول ما تشاء بدون أى فرص ، مثلاً وعلى سبيل المثال ، مشكلة بترول كردستان العراق والحكومة الكردستانية مع الحكومة المركزية فى بغداد من المسئول فيها ؟
بالتأكيد هو البرادعى ، وإن سألك أحد الذين فى قلبهم هوى للبرادعى وكيف يكون هذا ؟
بالتأكيد لأن البرادعى عميل !
ولا تقلق فلن يرد عليك بأى جملة أخرى لأن الذبحة القلبية عادةً توقف النطق .

صباح الخير البرادعى عميل ؛ مساء الخير البرادعى عميل ، المقال إنتهى والبرادعى عميل ، البرادعى عميل والبرادعى عميل .



الخميس، 6 سبتمبر 2012

المادة الثانية | الإجابة لا


فى عصور النشاط الدينى منذ مئات السنين ، كان أمراً طبيعياً ومٌتعوداً أن تتحول الدولة بأكملها من دين إلى آخر بمجرد تحول الحاكم من دين إلى آخر ، لذالك كانت الأديان مرتبطة شرطياً بالإنتماء العرقى ، العرب مسلمون ولا يوجد فى الجزيرة العربية غيرهم ، والفُرس مجوسيين ، والروم مسيحيين وهكذا ، ويكفى فقط أن تؤمن النُخبة الحاكمة بدين معين حتى يتم التحول الكامل للإعتقاد الدينى والفكرى للدولة .
لذالك كان يتم إعتبار الإنتماء الدينى للدولة هو جزء من الواجب القومى والوطنى ، والتحول عن دين الدولة ( أو دين الحاكم إن أردنا الدقة ) يعتبر تحول من الوطنية إلى الخيانة يستوجب العقاب ، ولم يتغير الأمر كثيراً مع البدايات الأولى للعصور التنويرية فى أوروبا ، فقط تغير مفهوم الإنتماء الدينى المرتبط بالوطنية إلى الإنتماء الفكرى والذى أصبح أيضاً مرتبط بالوطنية ، بدلاً من إعطاء السلطة المطلقة للكنيسة لمعاقبة المفكرين والخارجين عنها بتهمة الخيانة تحولت السلطة إلى أجهزة المخابرات بتهمة الخيانة أيضاً ، أصبحت ألمانيا النازية لا تقبل بين صفوف مواطنيها من يكفر بالفكر النازى وتعتبر ذالك نوع من الخيانة ، وكذالك روسيا الشيوعية كانت تعتبر وجود معارضين للشيوعية بين صفوفها هى خيانة عظمى ، وأمريكا إعتبرت وجود شيوعيين وسط صفوفها خيانة عظمى ، بل أن الشيوعية أصبحت تهمة يعاقب عليها القانون ، إذاً لم يتغير الوضع كثير عن العصور القديمة ، فقط إستبدلنا الدين بالفكر .
لماذا ؟
لماذا دائماً هناك إفتراض كامن داخل عقولنا بأن الإنتماء الفكرى أو العقائدى يجب أن يكون مرتبط بالإنتماء العرقى ؟ .. أعتقد أن هناك نوع من الإرتداد للقبلية ، العاطفة الدينية وهى أقوى عاطفة غير بيولوجية موجودة فى الإنسان تعتبر حافز قوى لجمع كل أبناء القبيلة تحت غطاء فكرى واحد ، ومجرد التواجد فى أوقات الصلاة معاً يؤدى إلى تعزيز الإحساس الغريزى بأن هناك شئ مشترك قوى ، لذالك كان ربط الإعتقاد بالقبيلة هو شكل من أشكال الحفاظ على الهوية العرقية .
ماذا إذاً فى الوقت الحالى وقد تجاوزنا حقبة التعصب الدينى .. وتجاوزنا أيضاً فترة بدايات التنوير حيث كانت الدولة تصنع لنفسها كيان فكرى جامد وتعتبره شكل من الوطنية "شيوعية . رأسمالية . نازية .إشتراكية" .. ونحن الآن فى فترة الحرية الفكرية حيث تتنوع فى الدولة الواحدة أشكال الإنتماء الفكرى ، وبالتالى نتجه إلى قطع العلاقات بشكل نهائى مع الحالة القبلية وحالة الدولة ذات الفكر الواحد .
هل من المقبول اليوم أن ينُص دستور جمهورية مصر العربية على أن مصر دولة إشتراكية مثلاً ؟
بهذا نكون قد عُدنا إلى بدايات القرن العشرين حين كانت كل دولة تحصر نفسها فى إطار فكرى ، كابوس أليس كذالك ؟
إن كنت تعتقد أن العودة إلى قفص الإعتقاد الفكرى الجامد هو كابوس وفى نفس الوقت تعتبر المادة الثانية من الدستور التى تحدد دين الدولة فى إطار دينى معين نوع من الحرية فيجب أن تراجع ثوابتك وبخاصة تلك التى تتعلق بأن "المبادئ لا تتجزأ".
عندما نقرر أن الشيوعية أو الرأسمالية هى فكر الدولة فنحن نتراجع للوراء أكثر من مائة عام ، لكن عندما نقرر أن الإسلام هو دين الدولة فنحن نتراجع حتى تصطدم مؤخرتنا بالعصور الحجرية ، نتراجع إلى عصر دولة المماليك عندما أعلن ملك القبيلة الذهبية للتتار إسلامه على يد السلطان بيبرس وأعلن إذاً أن الإسلام دين الدولة ، نتراجع إلى عصر الدويلات الشيعية والسنية والدرزية التى كانت تتبنى نظرية دين الدولة .
المفهوم المُتميّع لمصطلح دين الدولة لا يمكن أن يشفع لأى شعب فى العالم بقبوله ، قد نسمع أحد الردود من فصيلة : هذة المادة على أرض الواقع غير مُطبّقة ، وإن تعمقنا بفكرنا قليلاً سنجد أنه لا يوجد تطبيق لها إلا فى الواقع الإفتراضى "ربما فى لعبة فيديو مُستقبلاً" ، لأن فكرة دين الدولة فى العصر الحالى موجودة لكى تضمن سير مؤسسات الدولة على نظام أخلاقى معين ، من حيث الإلتزام والأمانة وضمان عدم تحلل القيم المجتمعية ، وهذا بالفعل ما تقوم عليه أى دولة حديثة سواءاً أكانت تستند إلى مادة فى الدستور تنص على دين الدولة أم لا ، لذالك هذا النص الدستورى موجود فقط من أجل ترضية بعض التيارات السياسية التى تهتم بالشكليات جداً جداً ، لكن هل هذة الحجة كافية ؟
هل نقبل بوضع مادة غير حضارية فى الدستور فقط من أجل إرضاء فئة سياسية تهتم بالشكليات ؟
إذاً أنا أُطالب أن تكون المادة الثالثة من الدستور تنص على أن وظيفة الدولة هى الصيدلة ، وفكر الدولة هو الليبرالية ، وقبيلة الدولة هى بنى قحطان ، ولا يهم مدى حضاريةهذة المادة أم لا فهى لن تٌفعّل على الأرض لذالك يجب أن توافق عليها .
ربما يكون الرد من فصيلة : المادة الثانية من الدستور هى ضمانة للوحدة الوطنية !
أو ضمانة لحفظ حقوق الأقليات !
أو ضمانة لعدم مخالفة قوانين الدولة للشريعة !
أعتقد أن هذة المادة لا تصلح حتى كضمانة للحصول على قرض بنكى ، فى وجود المادة الثانية من الدستور تم إنتهاك قواعد الوحدة الوطنية ، ولم تُحفظ حقوق أى أقليات ، وشًرعت القوانين التى تسمح ببيع الخمور ، إذاً فلا داعى للتشدق بالشعارات ذات البعد العاطفى ولنتحلى بالعقلانية قليلاً .
كيف تسمح لنا ضمائرنا أن نوافق على جعل وطننا أشبه بالقبيلة التى تحتاج إلى غطاء من وحدة الدين .. غطاء وهمى وليس حقيقى لأن مصر بها أقلية مسيحية ليست صغيرة العدد وأقليات أخرى درزية وبهائية ، ومع ذالك يخرج نداء القبيلة من مؤخرة أدمغتنا ليطالبنا أن نعلن دين الدولة الإسلام ، هل يُدرك هؤلاء أن الدولة تتكون من شعب وإقليم وسيادة .. هل الشعب بالكامل مُسلم ؟ .. لا
هل الإقليم مُسلم ؟ .. كيف ننسب الدين إلى الأرض .. لا يمكن أن توصف الأرض بأنها مسلمة أو مسيحية ، ولو فتحنا الباب للتأويلات الدينية فى هذا الشأن فإن كل أتباع دين يرون أن الأرض تابعة لدينهم .
هل السيادة مُسلمة ؟ الأشخاص الذين لهم السيادة قد يكونوا مسلمين أو غير ذالك ، قد تتحول السيادة فى الإنتخابات القادمة إلى شخص غير مسلم مثلاً "سأتعايش مع خيال أننا سوف نكون فى وطن ديمقراطى" .. لذالك لا يمكن أيضاً وصف سيادة الدولة بأنها تنتمى لدين مُعيّن .
إذاً فإن الدولة بعناصرها الثلاثة لا يمكن أن نصبغ عليهم الصفة الإسلامية أو المسيحية أو الهندوسية ، ما الداعى إذاً لكى نضع فى الدستور مادة تحدد دين الدولة ؟!
أعتقد أن هناك حالة من الفزع قد تصيب بعض الأشخاص عند قراءتهم هذا المقال ، ومجرد فكرة أن هناك شخص يرفض وجود المادة الثانية من الدستور بنص الإسلام دين الدولة قد تجذب إلى الذهن نظرة تقليدية عن شخص خارج عن الملة إتبع هواه وكان أمره فرطا .
لكن يجب أن تسأل نفسك سؤال بسيط فقط ؛ هل المادة الثانية للدستور هى التى تساعدك على إقامة الصلاة ؟
هل هى تساعدك على أن لا تكون شخص مرتشى وأن لا تخدع الآخرين ؟
هل المادة الثانية من الدستور تضمن أخلاقياتك أو أخلاقيات أى شخص ؟
هل هى تضمن تدينك أو تديُّن أى شخص ؟
واجه نفسك بأن الموضوع سياسى وليس دينى ، لكن تتم إثارتك بشكل دينى ، نوع من إستغلال العاطفة الدينية فى السياسة "أمر طبيعى فى مصر".
عزيزى المتحمس لوضع نص دين الدولة ، راجع نفسك وقرر هل تريد بالفعل أن تعود آلاف السنين إلى الوراء ؟
عزيزى الموافق على نص دين الدولة ( لأنك لا تريد المشاكل ) .. راجع نفسك هل بناء دولة متحضرة يبدأ بالتنازل ؟
لذالك ومن ضمير يشعر بالإرتياح وعقل لا يهتم بالعواصف التى تُثار على الرافضين ، اُعلن رفضى للمادة الثانية من الدستور .
عمر أبوالنصر
6/9/2012