الخميس، 6 سبتمبر 2012

المادة الثانية | الإجابة لا


فى عصور النشاط الدينى منذ مئات السنين ، كان أمراً طبيعياً ومٌتعوداً أن تتحول الدولة بأكملها من دين إلى آخر بمجرد تحول الحاكم من دين إلى آخر ، لذالك كانت الأديان مرتبطة شرطياً بالإنتماء العرقى ، العرب مسلمون ولا يوجد فى الجزيرة العربية غيرهم ، والفُرس مجوسيين ، والروم مسيحيين وهكذا ، ويكفى فقط أن تؤمن النُخبة الحاكمة بدين معين حتى يتم التحول الكامل للإعتقاد الدينى والفكرى للدولة .
لذالك كان يتم إعتبار الإنتماء الدينى للدولة هو جزء من الواجب القومى والوطنى ، والتحول عن دين الدولة ( أو دين الحاكم إن أردنا الدقة ) يعتبر تحول من الوطنية إلى الخيانة يستوجب العقاب ، ولم يتغير الأمر كثيراً مع البدايات الأولى للعصور التنويرية فى أوروبا ، فقط تغير مفهوم الإنتماء الدينى المرتبط بالوطنية إلى الإنتماء الفكرى والذى أصبح أيضاً مرتبط بالوطنية ، بدلاً من إعطاء السلطة المطلقة للكنيسة لمعاقبة المفكرين والخارجين عنها بتهمة الخيانة تحولت السلطة إلى أجهزة المخابرات بتهمة الخيانة أيضاً ، أصبحت ألمانيا النازية لا تقبل بين صفوف مواطنيها من يكفر بالفكر النازى وتعتبر ذالك نوع من الخيانة ، وكذالك روسيا الشيوعية كانت تعتبر وجود معارضين للشيوعية بين صفوفها هى خيانة عظمى ، وأمريكا إعتبرت وجود شيوعيين وسط صفوفها خيانة عظمى ، بل أن الشيوعية أصبحت تهمة يعاقب عليها القانون ، إذاً لم يتغير الوضع كثير عن العصور القديمة ، فقط إستبدلنا الدين بالفكر .
لماذا ؟
لماذا دائماً هناك إفتراض كامن داخل عقولنا بأن الإنتماء الفكرى أو العقائدى يجب أن يكون مرتبط بالإنتماء العرقى ؟ .. أعتقد أن هناك نوع من الإرتداد للقبلية ، العاطفة الدينية وهى أقوى عاطفة غير بيولوجية موجودة فى الإنسان تعتبر حافز قوى لجمع كل أبناء القبيلة تحت غطاء فكرى واحد ، ومجرد التواجد فى أوقات الصلاة معاً يؤدى إلى تعزيز الإحساس الغريزى بأن هناك شئ مشترك قوى ، لذالك كان ربط الإعتقاد بالقبيلة هو شكل من أشكال الحفاظ على الهوية العرقية .
ماذا إذاً فى الوقت الحالى وقد تجاوزنا حقبة التعصب الدينى .. وتجاوزنا أيضاً فترة بدايات التنوير حيث كانت الدولة تصنع لنفسها كيان فكرى جامد وتعتبره شكل من الوطنية "شيوعية . رأسمالية . نازية .إشتراكية" .. ونحن الآن فى فترة الحرية الفكرية حيث تتنوع فى الدولة الواحدة أشكال الإنتماء الفكرى ، وبالتالى نتجه إلى قطع العلاقات بشكل نهائى مع الحالة القبلية وحالة الدولة ذات الفكر الواحد .
هل من المقبول اليوم أن ينُص دستور جمهورية مصر العربية على أن مصر دولة إشتراكية مثلاً ؟
بهذا نكون قد عُدنا إلى بدايات القرن العشرين حين كانت كل دولة تحصر نفسها فى إطار فكرى ، كابوس أليس كذالك ؟
إن كنت تعتقد أن العودة إلى قفص الإعتقاد الفكرى الجامد هو كابوس وفى نفس الوقت تعتبر المادة الثانية من الدستور التى تحدد دين الدولة فى إطار دينى معين نوع من الحرية فيجب أن تراجع ثوابتك وبخاصة تلك التى تتعلق بأن "المبادئ لا تتجزأ".
عندما نقرر أن الشيوعية أو الرأسمالية هى فكر الدولة فنحن نتراجع للوراء أكثر من مائة عام ، لكن عندما نقرر أن الإسلام هو دين الدولة فنحن نتراجع حتى تصطدم مؤخرتنا بالعصور الحجرية ، نتراجع إلى عصر دولة المماليك عندما أعلن ملك القبيلة الذهبية للتتار إسلامه على يد السلطان بيبرس وأعلن إذاً أن الإسلام دين الدولة ، نتراجع إلى عصر الدويلات الشيعية والسنية والدرزية التى كانت تتبنى نظرية دين الدولة .
المفهوم المُتميّع لمصطلح دين الدولة لا يمكن أن يشفع لأى شعب فى العالم بقبوله ، قد نسمع أحد الردود من فصيلة : هذة المادة على أرض الواقع غير مُطبّقة ، وإن تعمقنا بفكرنا قليلاً سنجد أنه لا يوجد تطبيق لها إلا فى الواقع الإفتراضى "ربما فى لعبة فيديو مُستقبلاً" ، لأن فكرة دين الدولة فى العصر الحالى موجودة لكى تضمن سير مؤسسات الدولة على نظام أخلاقى معين ، من حيث الإلتزام والأمانة وضمان عدم تحلل القيم المجتمعية ، وهذا بالفعل ما تقوم عليه أى دولة حديثة سواءاً أكانت تستند إلى مادة فى الدستور تنص على دين الدولة أم لا ، لذالك هذا النص الدستورى موجود فقط من أجل ترضية بعض التيارات السياسية التى تهتم بالشكليات جداً جداً ، لكن هل هذة الحجة كافية ؟
هل نقبل بوضع مادة غير حضارية فى الدستور فقط من أجل إرضاء فئة سياسية تهتم بالشكليات ؟
إذاً أنا أُطالب أن تكون المادة الثالثة من الدستور تنص على أن وظيفة الدولة هى الصيدلة ، وفكر الدولة هو الليبرالية ، وقبيلة الدولة هى بنى قحطان ، ولا يهم مدى حضاريةهذة المادة أم لا فهى لن تٌفعّل على الأرض لذالك يجب أن توافق عليها .
ربما يكون الرد من فصيلة : المادة الثانية من الدستور هى ضمانة للوحدة الوطنية !
أو ضمانة لحفظ حقوق الأقليات !
أو ضمانة لعدم مخالفة قوانين الدولة للشريعة !
أعتقد أن هذة المادة لا تصلح حتى كضمانة للحصول على قرض بنكى ، فى وجود المادة الثانية من الدستور تم إنتهاك قواعد الوحدة الوطنية ، ولم تُحفظ حقوق أى أقليات ، وشًرعت القوانين التى تسمح ببيع الخمور ، إذاً فلا داعى للتشدق بالشعارات ذات البعد العاطفى ولنتحلى بالعقلانية قليلاً .
كيف تسمح لنا ضمائرنا أن نوافق على جعل وطننا أشبه بالقبيلة التى تحتاج إلى غطاء من وحدة الدين .. غطاء وهمى وليس حقيقى لأن مصر بها أقلية مسيحية ليست صغيرة العدد وأقليات أخرى درزية وبهائية ، ومع ذالك يخرج نداء القبيلة من مؤخرة أدمغتنا ليطالبنا أن نعلن دين الدولة الإسلام ، هل يُدرك هؤلاء أن الدولة تتكون من شعب وإقليم وسيادة .. هل الشعب بالكامل مُسلم ؟ .. لا
هل الإقليم مُسلم ؟ .. كيف ننسب الدين إلى الأرض .. لا يمكن أن توصف الأرض بأنها مسلمة أو مسيحية ، ولو فتحنا الباب للتأويلات الدينية فى هذا الشأن فإن كل أتباع دين يرون أن الأرض تابعة لدينهم .
هل السيادة مُسلمة ؟ الأشخاص الذين لهم السيادة قد يكونوا مسلمين أو غير ذالك ، قد تتحول السيادة فى الإنتخابات القادمة إلى شخص غير مسلم مثلاً "سأتعايش مع خيال أننا سوف نكون فى وطن ديمقراطى" .. لذالك لا يمكن أيضاً وصف سيادة الدولة بأنها تنتمى لدين مُعيّن .
إذاً فإن الدولة بعناصرها الثلاثة لا يمكن أن نصبغ عليهم الصفة الإسلامية أو المسيحية أو الهندوسية ، ما الداعى إذاً لكى نضع فى الدستور مادة تحدد دين الدولة ؟!
أعتقد أن هناك حالة من الفزع قد تصيب بعض الأشخاص عند قراءتهم هذا المقال ، ومجرد فكرة أن هناك شخص يرفض وجود المادة الثانية من الدستور بنص الإسلام دين الدولة قد تجذب إلى الذهن نظرة تقليدية عن شخص خارج عن الملة إتبع هواه وكان أمره فرطا .
لكن يجب أن تسأل نفسك سؤال بسيط فقط ؛ هل المادة الثانية للدستور هى التى تساعدك على إقامة الصلاة ؟
هل هى تساعدك على أن لا تكون شخص مرتشى وأن لا تخدع الآخرين ؟
هل المادة الثانية من الدستور تضمن أخلاقياتك أو أخلاقيات أى شخص ؟
هل هى تضمن تدينك أو تديُّن أى شخص ؟
واجه نفسك بأن الموضوع سياسى وليس دينى ، لكن تتم إثارتك بشكل دينى ، نوع من إستغلال العاطفة الدينية فى السياسة "أمر طبيعى فى مصر".
عزيزى المتحمس لوضع نص دين الدولة ، راجع نفسك وقرر هل تريد بالفعل أن تعود آلاف السنين إلى الوراء ؟
عزيزى الموافق على نص دين الدولة ( لأنك لا تريد المشاكل ) .. راجع نفسك هل بناء دولة متحضرة يبدأ بالتنازل ؟
لذالك ومن ضمير يشعر بالإرتياح وعقل لا يهتم بالعواصف التى تُثار على الرافضين ، اُعلن رفضى للمادة الثانية من الدستور .
عمر أبوالنصر
6/9/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.