الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

أهل الخليج لم يعودوا بدواً



تحدث الدكتور بصوت مرتفع معاتباً الطلاب : لقد درّست فى الخليج العربى ووجدت طلابه على درجة عالية من الإلتزام الأكاديمى .
ردت إحدى الطالبات : أهل الخليج نفطيون لا هم لهم سوى جمع المال .

هنا يتوقف المشهد وتثبت الكاميرا ، حدث هذا الموقف أمامى فى كلية الصيدلة بإحدى الجامعات المصرية ، وفى نفس اللحظة كان فى حقيبتى كتاب عن الهوية والعرقية من إصدارات وزارة الثقافة فى إمارة الشارقة بالإمارات العربية ، وأمامى مجلة العربى التى تصدر عن وزارة الثقافة الكويتية ، وكنت قد أنهيت أمس حواراً مع صديق مُدوّن قَطَرى مثقف جداً أخبرنى أنه يمكنك فى قطر أن تحصل على مئات الكتب مجاناً فى معارض تنظمها المؤسسات الحكومية بين وقت وآخر ، تراكم كل هذا فى عقلى واصطدم بكلمات الطالبة الزميلة وهى تصف شعوب الخليج العربى بأنهم "نفطيون لا هم لهم إلا جمع المال" .

لاشك أن الشعب المصرى يجمع فى ثنايا عقله بين صفتين متناقضتين تماماً ؛ الفخر الزائف والنقد الذاتى الهدام ، حيث ترى عباراتنا تضج بالكذب والمبالغة فى وصف الذات بعبارات مثل "الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم !" "الرجل المصرى أقوى رجل فى العالم !" "المخابرات المصرية أقوى مخابرات فى العالم !" ،، وفى نفس الوقت يمكن أن تسمع عبارات نقد ذاتى تصل لحد شتم الذات ، وواقع الأمر يؤكد أن المبالغة فى المديح الذاتى أو الإنتقاص الذاتى كلاهما ليس له أى اساس من الصحة ، لأنه فى الأصل لا يمكن وصف شعب بأكمله بوصف معين أو حتى بشكل شبه تقريبى ، لأن الشعوب تمازجت وتداخلت فى صفاتها حتى لا يمكن وصف أى شعب بأنه نقى عرقياً أو قريب من النقاء العرقى باستثناء بعض القبائل البدائية فى الأمازون وأدغال أفريقيا التى لم تختلط بالعالم المتحضر ، لكن مثلاً لا يمكن أن تصف نفسك بأنك عربى نقى العروبة لأن جيناتك اختلطت عبر آلاف السنين بجينات الفراعنة والنوبيين والليبيين وشعوب المتوسط ، لكن يتبقى للعوامل التضاريسية والأجواء المناخية بعض الأثر الطفيف لكنه لا يكفى لكى تعلق صفة على شعب بأكمله ، كما أن هذة الظروف تختلف أصلاً داخل كل دولة , لذالك فإن أى تصنيف إيجابى أو سلبى للشعوب هو خاطئ من الأصل .

لكن جرت العادة أن يتم وصف شعوب الخليج العربى بكل النقائص التى يمكن أن تتوارد إلى الذهن ، فهم عبيد الريال ورهينة النفط الخاملين ، ظللنا لعقود طويلة نصفهم بالخاملين الذين يعتمدون على الخارج ويستوردون كل إحتياجاتهم من أوروبا ، ولو كنّا وجهنا عين النقد إلى الداخل قليلاً وبدأنا بعيوبنا لوجدنا أن مصر أيضاً تستورد حتى قمح شعبها ولعب أطفالها من الخارج ، وما يضر المواطن الخليجى أن يلجأ للإستيراد ، وما يعيبه أن ولد فوجد على رأسه حكومات خاملة فاسدة ، نحن أيضاً رزحنا تحت نير الحكومات الخاملة الفاسدة لعقود ولم نتململ ، لكننا لم نفكر فى وصف أنفسنا بالخاملين .



عندما طلب منى دكتور الباراسيتولوجى "علم الطفيليات" أن أبحث عن فيديو على اليوتيوب يوضح حياة الدودة الشريطية ، كان أبرز وأفضل ما وجدته هو فيديو تم تصويره داخل مدرسة ثانوية فى المملكة السعودية ، حيث يتم عرض ديدان شريطية داخل معمل البيولوجى ، وعلى الرغم أنى أدرس بجامعة خاصة على مستوى عالى إلا أنى ذهلت من درجة الرقى التى وصل إليها معمل المدرسة الثانوية فى المملكة السعودية ، وتذكرت بأسى وحزن حال مدرستى الثانوية وما كان بها من قصور وإهمال ، شعوب الخليج العربى أدركت حالها يا سادة وأدركت أن لا خلاص لها من حالة البداوة إلا بالإهتمام بالعلم والثقافة ، لكننا ما زلنا نعيش فى وهم أننا أكثر المثقفين ومننا يخرج أعظم العلماء ، فى حين أنا لو أخضعنا قياساتنا لقواعد النسبة والتناسب لوجدنا أن دولة صغيرة العدد والمساحة مثل الكويت قد أفرزت فى الأعوام الماضية عدداً من العلماء والمثقفين والحاصلين على درجات علمية عالمية ما قد يفوق كثيراً دولة مثل مصر لو تذكرنا أن عدد سكان مصر أضعاف مضاعفة عدد سكان الكويت ، لكننا ما زلنا نعيش فى أسطورتنا الشخصية بأن الخليج العربى متخلف ، الخليج العربى بدوى إلخ إلخ .

توقّفوا عن عنصريتكم ضد شعوب الخليج التى تتقدم بسرعة رائعة نحو الحضارة ، شجعوهم ولا تمنوا عليهم بأنكم منحتوهم المعلمين والأطباء ، شجعوهم من أجل مصيرنا المشترك ، شجعوهم ولا تصنعوا حواجز نفسية وعداوات بين الشعوب ، عدونا المشترك هو الفكر المتجمد والتفرق الطائفى الذى ورثناه من الإستعمار الأوروبى ، مصيرنا المشترك هو إهتمامنا بالثقافة والعلم وإدراكنا لضرورة التكامل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.