الخميس، 2 مايو 2013

الجيتو المسيحي

الجيتو هو التجمع السكانى الذى يقتصر أفراده على الإنتماء لطائفة دينية أو فكرية أو عرقية واحدة "غالباً دينية" وينعزلون عن وسطهم المُحيط مُحاولين تحقيق إكتفاء ذاتى فكرى وأحياناً مادى وربما لوجستى (1) فى حالات متطرفة ، ظهر المصطلح لأول مرة فى مدينة البندقية الإيطالية لوصف تجمعات اليهود المنعزلين الذين أرادوا بشكل مُبالغ فيه أن يحافظوا على تقاليدهم وإرثهم الدينى من أى محاولة إنفتاح .

بين كل الظواهر الدينية السلبية تبرز هذة الظاهرة كشوكة كبيرة تطعن التناسق الإجتماعى فى مصر ، تجد المسيحيون يشكلون كيان منعزل يمنع أفراده بعضهم بعضاً باستخدام الإجبار المجتمعى والضغط النفسى من التكامل مع باقى المجتمع . بالطبع لم ينشأ الأمر من الفراغ ولم يبدأ بلا سبب ، وإن كان أول جيتو فى العالم قد ظهر فى البندقية بإيطاليا فإن سببه كان إضطهاد اليهود وشعورهم بالخوف من المجتمع الأوروبى الرافض لهم مما أدى لتقوقعهم على أنفسهم وصناعة مجتمع يهودى مغلق ، ولطالما كانت هناك تلك الجيتوهات اليهودية فى كثير من دول العالم ، وتتراوح أسماءها ما بين "حارة اليهود" (2) .. "شارع اليهود" .. "تلة اليهود" ، وغيرها من التسميات التى تقطع بأن هذة الفئة لسبب ما كانت دوماً مُنعزلة ، وللأسف يبدو أن مصر تتجه لحالة مشابهة .

وعن الأسباب .. نتناول أولاً الاضطهاد ؛ عندما يشعر الإنسان بالخطر فإنه يلجأ عادة للإحتماء بقوميته العرقية أو الدينية أو الفكرية ، عندما تتعرض الأمم لأخطار تهدد وجودها تتلاشى القوميات الفرعية ويتوحد الجميع تحت راية الدولة ، تماماً كما يحدث فى حالة الأزمات الإنسانية أوالثورات أوالحروب ، لكن عندما يتعرض أحد عناصر الوطن لإضطهاد خاص فإن هذا يدفع أفراد القومية الدينية إلى الإحتماء ببعضهم البعض ، مثلاً أن تكون طالب جامعى مسيحى مصرى فهذا يعنى شعورك بالضعف والخوف لو تورطت فى مشاجرة مثلاً ، سيتحول الأمر فوراً للطائفية . لذالك يميل المسيحيون للتعامل مع أبناء دينهم لضمان المساواة .

ثانياً ؛ التهميش .. لا يمكن أبداً إنكار تعرض المسيحيين المصريين للتهميش ، حتى لو افترضنا عدم وجود خطوات ممنهجة فإن "التهميش النفسى" وهو أحد أشكال ازدراء الإنسان يُعتبر عامل مهم يدفع بالفرد المسيحى إلى العزلة . أن تكون مسيحيّاً فهذا يعنى شعورك بالدونية فى الوطن الذى ولدت به ، فُرصك فى النجاح وسط المسلمين مشكوك فيها ، أغلب مشاعر التهميش التى يشعر بها المسيحيون حقيقية ، لكن هناك نسبة لا يُستهان بها من هذة المشاعر تكون نتيجة "التسخين الطائفى" المسيحى ، القنوات الفضائية التى تبث من خارج الوطن ، رجال الدين المتطرفين ، لا أقول أنهم يصنعون شعور الازدراء الذى يشعر به المسيحيون تجاههم كبشر مختلفين فى العقيدة عن الأغلبية ، لكنهم يُضخمون هذا الشعور لدى الفرد المسيحى مما يؤدى لإذكاء روح الجيتو أكثر ، مثلاً تعبير "الشعب القبطى" و "ابناء الله" .. تعبيرات يمكن وصفها بأنها "جيتاويّة" بامتياز ، تدفع المسيحيين دفعاً لينعزلوا مكونين شعباً قبطياً داخل الشعب المصرى .

هناك أيضاً النشأة الجيتاوية وتربية الكنيسة ، أن تولد فى أسرة مسيحية فهذا طبيعى ، لكن أن تكون هذة الأسرة فى عمارة كل سكانها مسيحيين "وأحياناً شارع بالكامل أو قرية" ، وكل تعاملاتك مع مسيحيين ، ومعظم نشاطاتك تتمحور حول الكنيسة ودورها التربوى ، سيجعلك هذا بالطبع تشعر بالغربة عندما تبدأ فى التفاعل مع مُسلمين فى وسط الجامعة مثلاً . لا أُنادى بعزل الكنيسة عن دور التربية لكن أن تكون هذة التربية روحية لا اجتماعية ، لا يجب أن يصبح الفرد القبطى الذى يتعامل مع مختلف الأيدلوجيات والعقائد نسخة اجتماعية من راهب منعزل لا يتعامل إلا مع بنى دينه . وهناك ـ أحياناً ـ بعض الجهود التى تبذلها الكنيسة من أجل تفكيك الجيتو ، لكنها تبقى غير مؤثرة مادامت فى حيز النصائح والتوجيهات بدون تفكيك أسباب تكوين الجيتو نفسها ، وكانت إحدى توصيات مؤتمر الشباب الأرثوذكسى تحفيز الطلاب المسيحيين فى الجامعات على الإختلاط بغيرهم وعدم تكوين حائط عزلة ، لكنها تبقى كما قلنا توصيات فى إطار النصائح الهلامية .

ويبقى الفرز على الهوية والتصنيف الطائفى عاملاً أساسيّاً فى إضافة المزيد والمزيد من الطاقة للجيتو ، حتى بالنسبة للأشخاص الأكثر تنوّراً والغير مقتنعين بالإنعزال ، حتى الأشخاص الإجتماعيين هؤلاء يجدون أنفسهم مضطرين دوماً للتصنيف أمام الآخرين على أساس دينى استجابةً للفرز على الهوية الذى يمارسه المجتمع كسلوك عام بدءاً من خانة الدين فى بطاقة الهوية وليس انتهاءاً بـ "اسمك إيه ؟ هانى .. هانى إيه ؟ هانى سعد .. هانى سعد إيه ؟ هانى سعد بيشوى ـ الآن عرفت أنك مسيحى ، تم تصنيفك  " تخيل مواطناً مسيحياً يجد نفسه مضطراً دائماً لتبرير موقفه كمسيحى ، مضطر دائماً لتوضيح أنه مسيحى ، مطاعم إسلامية وأخرى مسيحية ، محلات ملابس لا تقبل إلا موظفين مسلمين وأخرى لا تقبل إلا مسيحيين ، أماكن معينة مخصصة للمسيحيين عُرفاً ، لا توجد فرصة كى يشعر بمصريته ، يلجأ إلى التصنيف الذى طوّقه به المجتمع ، يلجأ إلى الجيتو .

وعلى غرار الجيتو السُكّانى (3) أى انعزال المسيحيين فى تجمعات سكنية واحدة ، هناك أيضاَ الجيتو التعليمى (4) بمعنى تقارب الطلاب المسيحيين فى الجامعات والمدارس تحت ضغط الأسباب السابقة حتى يكونوا كتلة واحدة "حماية الجيتو" . وهناك أيضاً جيتوهات متنوعة فى مجالات العمل والمطاعم والكافيهات ، لقد فقدنا التجانس الإجتماعى "Social harmony" تحت ضغط الكُتل الطائفية التى تضرب الوطن ، لن تُجدى الشعارات المجوّفة المكررة اللزجة ، يجب أن نستأصل الأسباب ، الوطن أصبح مثل شبكة اجتماعية تتخللها عُقَد ونتوءات تجعلها غير صالحة ، هذة العُقَد اسمها الجيتو المسيحى .

____

(1) الجيتو اللوجيستى أى أن يعتمد الأفراد على طائفتهم الدينية فى الإحتياجات اليومية كالطعام وشراء الإحتياجات اليومية دون غيرهم ، كالشخص الذى لا يأكل إلا من مطاعم المسلمين أو الذى لا يأكل إلا طعام المسيحيين ولا يشترى إلا منهم .

(2) كانت هناك حارة كبيرة لليهود فى مصر بجوار شارع الموسكى بها 360 حارة صغيرة بالإضافة لـ 13 معبد يهودى .

(3) هُناك سماسرة عقارات متخصصين فى حشد المسيحيين فى عقارات متقاربة بعيداً عن أى وجود لساكن مُسلم .

(4) فى كثير من الجامعات المصرية الحكومية يوجد ما يسمى الـ CH وهو مكان معين بالحرم الجامعى يتجمع به المسيحيون دون غيرهم ، وهناك أماكن معينة بممرات الجامعات وقاعات الدراسة مخصصة للمسيحيين بشكل مُتفق عليه .

هناك تعليقان (2):

  1. إنه الغيتو... ليسّ الجيتو...

    ردحذف
  2. فى مصر بنترجم الـ G كـ "ج" ، فى بعض الدول العربية الأخرى اصطلح المترجمون على تحويلها إلى "غ" . وهناك رأى يميل إلى ترجمتها " ك" .

    فمثلاً اسم "شيكاجو" المدينة الأمريكية يمكن أن يكون أيضاً "شيكاغو" وقيل "شيكاكو" .

    ملاحظتك تافهة ، لكن عموماً شكراً لك .

    ردحذف

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.