الاثنين، 15 أبريل 2013

أعداء العِلم

نشرت شبكة مباشر 6 أبريل على الفيسبوك منذ يومين خبراً مفاده أن طالباً مصرياً ما استطاع ابتكار نظرية فيزيائية ما ستهدم إن شاء الله نسبية أينشتين ، وتحمل كلمات المنشور فى طياتها كماً كبيراً من التضخيم للبحث العلمى الذى قام به الطالب المصرى ، كما أرفقت الشبكة بالخبر صورة لأينشتين بجوار الطالب فى دلالة واضحة على أن المصرى تفوّق على أينشتين . هكذا بدون وضع النظرية أمام مؤتمر علمى أو تصعيدها فى المحافل العلمية أثبتت شبكة مباشر 6 أبريل أن أينشتين يتلوى فى قبره بعد أن ماتت نظريته .

بصراحة كان يمكن أن يكون خبراً غثاً من جملة مخلفات الإعلام المصرى الذى على استعداد لنشر أى شئ يحمل سمة التفوق الذاتى بدون أى نوع من المهنية الإعلامية ، لكن ما استفزنى فعلاً هو ركاكة الأخلاق التى يمكن أن يقع فيها صحفى تابع لمؤسسة محترمة ونضالية مثل 6 أبريل لدرجة أن يُسئ إلى فكرة العِلم فى أذهان المصريين بهذة الدرجة ، فلا هو بحث علمى موثق أو معترف به من مؤتمر علمى ولا هو اكتشاف حاصل على براءة اختراع ولا هى نظرية تم توثيقها فى الشهر العقارى وإنما مجرد بحث دراسى تقدم به طالب لمُعلمة الذى هو أستاذ فى مجال الفيزياء ولو وجد البحث حارقاً خارقاً لتم تصعيده على المستويات العلمية ، ولا أظن أن هناك مؤامرة كونية على الطالب حتى يتم دفن عبقريته من قبل أساتذة قسم الفيزياء بجامعته . فعندما قام طالب من مدرسة ثانوية بزيمبابوى بوضع نظرية فيزيائية تنص على أن الماء الساخن يتجمد بشكل أسرع من الماء الفاتر لم يقف أحد من دولة العالم الرابع هذة فى وجه نظريته بل تم تصعيدها فى المحافل العلمية وإثباتها عملياً وسميت باسمه ويمكنكم تقصى هذة المعلومة ، إذاً فما الداعى لإثارة النعرات المازوشية لدى الشعب وإشعاره أن هناك حملة كونية من أجل إجهاض عباقرته . 

ولم يأتْ الخبر مستفزاً فقط على المستوى المهنى ، لكنه لفت النظر إلى حالة عداء العلم التى نعيشها ـ نحن العرب ـ كل يوم ونتعاطاها مع كل وجبة ، كان يُمكن مثلاً القول بأنه تم "عَكس" نسبية أينشتين ، أو أن عالماً ما أتى بنظرية مخالفة لنظرية أينشتين ، لكن أن تُصاغ العبارة بكلمة "دحض / هدم" فهذا يدل على أننا نضع العلم دوماً موضع العداء .

وعلى نفس السياق تعمل شبكة الجزيرة الإخبارية ، التى ـ بدون سبب وجيه ـ تسلك مسلكاً مُعادياً لنظرية داروين بشكل مُريب ، كأن داروين كان شريكاً لسمو الأمير حمد ثم تم فض الشراكة بسبب اختلاف على توزيع مناطق النفوذ . حيث قامت الشبكة بنشر تقرير بعنوان "الانسان اصله انسان" جاء فى ديباجته ومحوره مواد علمية مزيفة تحاول إثبات عكس نظرية داروين ، وأنصحكم بقراءة النقد العلمى لهذا التقرير من مدونة أصحاب العقول النيرة هـــــنــــا ؛ الخلاصة أن الجزيرة زوّرت ودلّست وأساءت للمهنة وخالفت أخلاقياتها من أجل معاداة نظرية التطور ، لماذا نُعادى العلم لهذة الدرجة ؟!

لا أدعو ـ وما ينبغى لى ـ إلى تقديس بعض النظريات العلمية ووضعها فى منطقة فوق النقد والدحض ، لكن أدعو إلى التعامل مع العلم بعلم ، لا بمنطق العداء والقبيلة تُشهر سلاحها ضد القبيلة ، ليس فقط لأن هذا الأسلوب مُشين ومعيب ولكن لأنه أيضاً غير مُجدى ، فمهما استخدمت الميديا من أجل تشويه سمعة فكرة ستظل المحافل العلمية والأوساط الفكرية تتبناها حتى تخرج فكرة أخرى تعكسها من المعمل لا من الاستوديو ، ما زلنا نعيش فى وهم الكاميرا التى ستهزم أنبوبة الاختبار ، لا لن تفعل ولو حدث سيكون هذا فى عقول العامة فقط لا فى عقول الذين يُديرون العالم من صفوة العلماء والمفكرين ، يُمكن للجزيرة أن تنتج بأموال قطر ألف فيلم وثائقى تُقسم فيها أن التطور خطأ علمى ، لكنها ستبقى النظرية الأكثر شيوعاً فى الأوساط العلمية حتى تخرج نظرية أخرى ولو حتى من معمل متواضع تثبت عكس ذالك ، يمكنكم مشاهدة فيديو المكانة الحقيقة لنظرية التطور فى الأوساط العلمية اضغط هـــنـــا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.