السبت، 1 ديسمبر 2012

شئٌ ما يقف هناك




هل سبق مرة واشتريت قميصاً جديداً وكان يعجبك جداً ، ثم ألقى أحد أصدقائك بتعليق ساخر عنه مما جعلك لا ترتديه مرة ثانية إطلاقاً ، بالعامية "نفسك وقفت" ، يحدث هذا لنا كثيراً ، أيّاً كانت درجة ثقتك بنفسك وبإختياراتك فإن آراء الآخرين تحفر فى اللاوعى مكاناً مهماً قد يجعلك أحياناً تغير حياتك بشكل جذرى ، أعرف شخصاً تخلى عن خطيبته قبل أسبوع من الفَرَح لأن صديقه "وقّف نفسه منها" عندما قال له بكل قلة ذوق وبلاهة :"إنها أكثر ذكورةً منك" ، ورغم أنها لم تكن كذالك على الإطلاق إلا أن العريس المُنتظَر أدرك يقيناً أنه لا يستطيع أن يعيش معها بعد أن سمع هذة الجملة ، فقطع علاقته بصديقه قبل أن يقطع علاقته بخطيبته ، وانتهى به الأمر إلى حالة إكتئاب استمرت لأكثر من شهرين .

إنّها الطبيعة البشرية المعقدة التى يستطيع الأطباء النفسيين وعلماء الإجتماع من خلال دراستها أن يوفروا لأنفسهم دخل مادى كبير ، أنا وأنت وهو نوافق أن ندفع كل أموالنا لكى نعيش بصحة نفسية وسعادة ، قالَت لى : "لا تجعل هدفك هو المال ؛ لكن اجعل السعادة هى هدفك ، فربما أتى المال ولم تأت معه السعادة ، وربما أتى المال وأتت معه السعادة ، إذاً فالسعادة هى الغاية والمال هو وسيلة مفترضة ، لكن ربما لا يكون هو الوسيلة المثالية  " ، صديقتى تجيد الحديث بأسلوب فلسفى رائع ونقى ومنظم ، أعرف هذا جيداً فأنا من علّمها التفكير ، ولا أنكر أنها تتفوق علىّ كثيراً مما يجعلنى أنصت إليها باهتمام وهى تتحدث بكلمات منظمة وتستعين بأمثلة من كبار الفلاسفة والمفكرين وتصنع المعضلات وتضع لها الحلول ، ولا تنسى أن تضع اللمسة النهائية التى ترضى غرورى ؛ "تعلمت هذا منك" ، لم أعلمها المادة لكن علمتها كيف تحصل عليها ، لم أعلمها مواضيع التفكير لكن فقط كيف تدير أى موضوع ، وأعترف أنها أكثر براعةً منى أحياناً واقل أحياناً ، مما يجعلنا متساويين فى كل شئ .

فى البداية عليكِ أن تحددى المشكلة ، وتعرضيها أمام نفسك بهدوء وتماسك ، لا بكاء ولا إنهيارات ولا أمور فتيات ، يمكنك أن تكونى براجماتية أو أخلاقية أو واقعية ، إختارى الأسلوب الذى ستتعاملين به مع المشكلة ، البراجماتية هى أن تبحث عن الحل الذى يحقق أكبر استفادة بغض النظر عن مدى ملائمته لقيمك أو مبادئك ، الأخلاقية هى أن تبحث عن الحل الملائم بشكل تام لقيمك ومبادئك دون بحث عن الإستفادة القصوى ، الواقعية هى الحل الملائم للموقف دون بحث عن الإفادة أو الإتفاق مع المبادئ ، فقط تصرف الآن وبحكم ما يمليه عليك الواقع ، ها قد عرفت كيف أدير حياتى يا صغيرتى ، انطلقى الآن أيتها القوية .



فى الفترة الأخيرة بدأت أقتنع تماماً أنى مصاب بحالة بنرجسيّة حادة ، والنرجسيّة هى متلازمة نفسية للأشخاص الذين تنحصر إهتماماتهم داخل أنفسهم ، يحبون أنفسهم لدرجة الوله وأنانيون جداً ، ربما أكون أحد هؤلاء ، من أصل كل 10 تدوينات أكتبها هناك حوالى 4 عن نفسى وواقع حياتى وذكرياتى ، قال لى الصديق الأكبر سناً والأعلى درجةً فى مجال الأدب : توقف عن الحديث عن نفسك فى المدونة ، هذا يبدو سخيفاً ، فى الواقع هو لم يقل لى أن هذا يبدو سخيفاً ، لكنى سمعت هذة الجملة ترن فى أذنى وافترضت أنه قالها ، على كل حال أنا لا أثق فى رأيه كثيراً ما لم يتفق مع وجهة نظرى "هذة أحد أعراض النرجسيّة" ؛ لكنى أصبحت أشعر بضيق كلما وقعت عينى على أحد هذة التدوينات التى  أتحدث فيها عن نفسى ، رغم أن المدونات أصلاً موجودة لكى تتحدث عن نفسك ؛ لذالك اسمها مدوّنة شخصية ، وأتت الآثار سريعة بأن حذفت بعض التدوينات القديمة وقمت بتعديل البعض الآخر لعل الطابع النرجسى يختفى منها ، وتوقفت عن الكتابة فترة طويلة لأن "نفسى وقفت" من التدوين والمدوّنات ، وعدت مرة أخرى وقد قررت أن لا آخذ رأيه فى شئ آخر مطلقاً وهذا جزاء كل من لا يعطينى نقداً يرضى غرورى "عَرَض آخر من أعراض النرجسيّة" ..



تقول أنك وقح وتطلق الكلمات مثل الرصاص ولا تهتم بمشاعر الآخرين ، وأن نقدك هدّام وقد يجعل إنساناً يتخلى عن شئ هو يحبه كثيراً لأنك "وقّفت نفسه" من هذا الشئ .. هكذا قالت عنى إذاً ! ، إنّها على صواب إلى حد كبير ـ بإستثناء الجزء الخاص بإطلاق الكلمات مثل الرصاص لأنى لا أستسيغ هذا التعبير ـ كل شئ صحيح تماماً لكن ليس الآن ، ربما كنت كذالك منذ شهور عديدة وكوّن البعض هذة الفكرة عنى بشكل يقينى حتى أنه عندما غيرت هذا الجزء من شخصيتى لم يستطيعوا إدراك ذالك ، لم يكن غريباً أن تسمعنى أقول لشاعر مبتدئ "ما هذا الهطل الذى يتحرك بين ثنايا كلماتك ، توقف عن كتابة الشعر إن كنت لا تجيده ويمكنك أن تمارس التريكو أو التطريز" ، كان هذا طبيعياً جداً ولم يكن يرافقه أى شعور بالذنب ، كنت أعلم أنى أهدم آمالاً عريضة وأقصمها إلى شظايا لن تلتئم مرة ثانية ، وأن مواهب قوية قد تموت بسبب النقد الهدّام ، لكنى لم أكن أهتم ؛ " لو تشعر الآن بالغيظ منى يمكنك أن تترك تعليق سلبى على هذا المقال ، وثق تماماً أنى سأقرأه وأتظاهر أنى محطم نفسياً حتى أثأر من نفسى" ؛ ثم توقفت عن هذة العادة ، لن أقول أنى عدت إلى رشدى أو فكرت كثيراً ووجدت أن ما أفعله خطأ ، الموضوع ببساطة أنى استنفذت طاقة الشر التى بداخلى واكتفيت ، أعرف فتاةً تكتب الشعر ولم تتأثر إطلاقاً عندما  نقدتها بشكل عنيف وغير مهنى ، بل قالت كلاماً كثيراً يحمل معنى أنها تشكرنى على كلماتى ، والغريب أنها استمرت فى الكتابة ، حاولت أن أقنع نحّات صديق أن يصنع لها تمثالاً من البرونز بسبب تماسكها لكنه أعتقد أنى أمزح ، قليلات هن الفتيات القويّات اللاتى لا "تقف أنفسهن" من أى شئ .

كن أنانياً إن شئت ، ذاتيّاً إن شئت ، أجعلك حياتك محاطة بالمرايا كى ترى نفسك ، لكن سيأتى الوقت الذى يقول لك فيه أحدهم "ما كل هذة المرايا ؛ شكلها غير جميل !" ، حينها ستقف نفسك من المرايا والذين ينظرون إليها ، إنها الطبيعة البشرية التى تتأثر بآراء الآخرين شئنا أم أبينا ، يمكنك أن تخدع نفسك وتقول أنك لا تتأثر ؛ لكن عد بذاكرتك إلى الوراء وعد المرات التى شعرت فيها بالضيق من شئ كنت تحبه بسبب رأى الآخرين فيه ، لا تكن سبباً فى أن يشعر الآخرون بمثل هذا الشعور ؛ قُل خيراً .أن نىبقثي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.