الأحد، 30 سبتمبر 2012

تحسس المسدس !




                              " كلما سمعت كلمة ثقافة ؛ تحسست مسدسى"

                                                                                 جوزيف جوبلز




توقف ؛ إستدر ، إرفع يديك لأعلى !

هل لديك أى ممنوعات ؟


كتب ، أقلام ، أوراق ، هاتف متصل بالإنترنت ؟


هل توجد داخل عقلك أفكار ، إعتراضات ، مناقشات ، فلسفة ، شعر ؟


حسناً ألقوه فى الزنزانة !



***

عزيزى المثقف ، أنت متهم بممارسة التفكير والتحريض عليه ، ومتهم بمحاولة قلب نظام الأنتريه للبحث عن الكتاب الذى ضاع منك أول أمس ، ومتهم برفض التهم السابقة ومحاولة تبرير شرعيتها .
ما أقوالك ؟
علماً بأن أى عبارة تنطق بها سوف - بالتأكيد - تكون ضدك فى المحكمة !
عزيزى المثقف ؛ الإنكار سيفيدك ، الإنكار يغتصب منك حاسة الشجاعة ، الإنكار سيمنحك الحياة ويجعلك تفقد معناها .
هل تمتلك الشجاعة الكافية للإعتراف ؟

تحرك المثقف قليلاً وهو ينفض الغبار والدم عن معصمه بطريقة مستفزة كأنه غبار ناتج عن مباراة جولف ، ونطق بصوت منظم : لو لم أملك شجاعة الإعتراف لما كنت هنا الآن ، شجاعة الإعتراف هى التى منعتنى من الركوع على عتباتكم النجسة ، الإنكار يجعل منكم رجال .
أنا أعترف بقلب نظام الأنتريه للبحث عن الكتاب ، وأعترف أن هذا الكتاب ممنوع من النشر فى وطنى ، لكن هذا الأنتريه هو ملكى والكتاب ملكى أيضاً ، وكما تعرفون جميعاً كان بإمكانى تحميله من على الإنترنت وقراءته على الكمبيوتر وبالتالى أحقق أقصى إستفادة من غبائكم وألتف على قرار منع طبع الكتاب ، لكنى أردت التحدى ، أما عن تبرير شرعية أفعالى ، فهى لا تحتاج لتبرير لأنها شرعية بالفعل .
بالمناسبة ؛ أنا أفضل الرمى بالرصاص على الشنق لأنى أعانى من حساسية فى الجلد ولا أتوقع من الحبل الذى سأشنق به إلا أن يكون خشن كأرواحكم غليظ كقلوبكم متهالك كعقولكم ، ولا أريد أن أموت بحبل لا يتجاوز ثمنه جنيه ، الرصاص أفضل .

إنتفض المحقق فى غضب ومارس حركاته الروتينية فى صفع وركل المثقف ، وردد : لك ما تريد .. لدينا فائض فى الذخيرة وجنود يحتاجون لتدريب حى .
ما هى أمنيتك الأخيرة أيها التعس ؟

ضحكات هيستيرية تخرج من حنجرة المثقف مختلطة بكلماته : آآآحا ؛ هل أدمنت مشاهدة أفلام حقبة الثمانينات يا أحمق ؟
ما فائدة الطلب الأخير قبل الموت ، وكيف يمكن لشخص يعرف يقيناً أنه مقدم على النهاية أن يطلب شئ مرتبط بحياة سينفصل عنها بعد قليل ؟
أشياء كثيرة أردت فى حياتى أن أطلبها ويتم تنفيذها على الفور ، مثلاً أردت إنتهاء مسلسل نور بأن تختفى نور وتظهر حبيبة مهند الأولى ويتزوجها لأنى أعتقد أنها النهاية الأكثر مثالية ، وأردت أن تقطَّع أطراف الشخص الذى يضع مناهج الثانوية العامة ويصلب وينفى من الأرض ، لكنها ظلت أمنيات ولم تتحقق ثم أتيت أنت بقناعة فكرية مزيفة لتطلب منى أن أتمنى .
آه لو كانوا منحوك حرية التفكير ؛ لعرفت بما أشعر الآن !

إنبسطت عضلات المحقق وهدأ جسده وتعطش عقله نتيجة لنشاط العصب الباراسمبثاوى عند الهدوء الشديد والتركيز ، أرادت شفته أن تنطق كلمات تحث المثقف على الحديث عن الفكر والتفكير والثقافة والعلم ، لكن كرامته وإرتباطه بالــ لا معرفة جذباه نحو العنف ، فأختار الحل الوسط ، فتقدم نحو المثقف بهدوء وركله بقدمه وصاح بعنف : ماذا تقصد ؟

صرخ المثقف وهو يبتسم : حذائك العسكرى إصطدم بعضوى أيها الأحمق ، إنتبه فلا أريد أن أموت وأنا مصاب بتليف فى الخصية !

أنت ستموت مصاباً بتليف فى العقل نتيجة لفقدان المعرفة ، لكنك لن تعانى على أى حال لأن الجاهل لا يدرك مصيبته ، لكن أن تتركنى مصاباً بعاهة مستديمة فى موضع مستقبل أبنائى فهذا شئ لا أقبله حتى ولو كنت سأموت بعد دقيقتين ، هل تعرف أنى تركت وصيتى وتبرعت بكل جسدى للمصابين لكنى لم أتبرع بعضوى !
ولا لسانى !
ولا عقلى !
هل تعتقد أن هناك من يقبل أن يمارس الجنس مع زوجته بعضو تم إستخدامه من قبل ؟
أنا شخصياً لا أوافق ؛ ماذا عنك ؟

أُصيب المحقق بالدوار ولم يستطع أن يدرك معنى كلمات المثقف أو دلالاتها ، لكنه تخيل الجملة الأخيرة وسافر خياله إلى سرير ينام فيه رجل مع امرأة ويضاجعها بعضو مستخدم من قبل ، أحس المحقق بالغثيان ، لم يدرك المعنى الحقيقى ، لكنه أحس أن الكلمات ليست لها دلالة حرفية ، تحرك قليلاً وهو يتحسس عضوه ومسدسة بحركات متتالية وكأنه يتأكد أن أى منهما ليس مستخدم من قبل ؛ وجه بعض النظرات عديمة المحتوى إلى المثقف المبتسم قبل أن يصفعه على وجهه بنفس اليد التى تحسس بها عضوه منذ ثوانى ، نظر إليه كالمنتصر : هل تعرضت للإغتصاب من قبل ؟


رد المثقف بلامبالاة : كثيراً جداً ، وبكل الطرق التى تتخيلها ، ذات مرة تم منع بعض كلماتى من الخروج مما جعلنى أشعر بمرارة الإغتصاب ، ومرة أخرى تم إعتقالى وإغتصابى بشكل حرفى ، لكنى أيضاً كنت أغتصبهم فى كل جرة قلم وفى كل نقطة حبر ، ربما تفكر الآن أن إهانة جسدى سوف تجعلنى أشعر بالذل ، صدقنى أيها الأحمق أنا أوافق أن أدفع جسدى لبيوت الدعارة حيث يتم إغتصابه قبل الوجبات وبعدها مقابل أن لا أشعر بالجهل الذى تشعر به ، أنت داخل دائرة العار لذالك لا تشعر بالتيار القبيح الذى تسبح بداخله ، أنصحك أن تبحث عن طريقة أخرى غير الإغتصاب ، يمكنك مثلاً أن تقتلنى أو تمثل بجثتى .

آه بالمناسبة ستجد فى خزانتى التى لديكم وصية بخط يدى أتبرع فيها بقلبى وكليتى وكبدى وقرنية عينى للمصابين فى الحوادث ، لكن أرجوك حافظ على خصيتى وعضوى ، أو يمكنك أن تصطحبهم معك إلى المنزل تحسباً لأى مشاعر شاذة قد تحس بها ، أو ربما تفقد رغبتك الجنسية مع الوقت ويمكن لعضوى المقطوع أن يساعد زوجتك قليلاً .

إعتصر المحقق زناد مسدسه وأخرج طقلتين إستقرتا فى السقف ثم ألصق فوهة مسدسه برأس المثقف وتحدث بصوت متهدج مرهق : لو لم تخبرنى الآن معنى كلماتك فلن أنتظر حتى الموعد الرسمى لإعدامك .


لم يقطع المثقف إبتسامته : وما الذى يدعوك للإنتظار ، إنه ليس موعد مهم على أى حال ، كما أن إنتظارك لن يغير شئ ، أنا رجل متهم بقلب نظام الأنتريه للبحث عن كتاب ممنوع من النشر وإعدامى هو موضوع لا يحتاج للمناقشة ولا للإنتظار ، كما أنى أدير حوار +18 مع محقق رسمى أثناء تأدية عمله ، ألا تعرف أن هناك من تعرضوا للإعدام بسبب إلقاء منديل ورقى على قدم المحقق ، لم يهتموا حتى بأن المنديل من نوع فاين المعقم بالستيريبرو، لأنه فى الأصل لا يوجد طريقة تعقيم اسمها ستيريبرو وإنما هى فقط كلمات للدعاية عن المنتج المصنوع من مواد معاد تدويرها ، مسدسك هذا ربما يكون مصنوع من مواد معاد تدويرها ، ربما من قطعة حديد تم إستخدامها من قبل كقضيب صناعى إستخدمته زوجتك ثم ألقته فى الشارع حيث إلتقطه جامع القمامة وإلتقطته أيدى عمال مصنع الأسلحة وإلتقطته أنت بدورك ، من زوجتك إليك ، أبعد هذا المسدس عن رأسى من فضلك فأنا لا أحب التدخل فى خصوصيات الآخرين ، ومسدسك هو أمر شخصى له تاريخ عائلى .


صوت الصرخات داخل زنزانة التحقيق يوحى بأن المحقق يعذب المثقف ، لكن فى الواقع هى كانت صرخات المحقق الذى أحس بالضياع الفكرى والعجز عن فهم الكلمات ، أحس كأن هناك عناكب تتحرك داخل دماغه وهو لا يدرك دلالات الحديث ويستهلك كل طاقته فى البحث عن ما وراء الكلمات : أرجوك تحدث بشكل مفهوم حتى أفهمك ، أو تحدث بشكل غامض حتى أقتلك .


لم تتعب عضلات وجه المثقف من فرط الإبتسام ، مد يده وحرك المسدس بطرف إصبعه بعيداً وكأنه بالفعل يرى أن المسدس هو أمر عائلى : أنا أتحدث بوضوح يا أحمق ، أنت فقط تعتقد أن كلماتى لها معانى أخرى ، لماذا لا تسير فى الطريق السهل وتكتفى بالمعانى العادية للكلمات ، أنت لست عميق الفكر ، إكتفى بالمعانى الخارجية ؛ أخرج الآن من زنزانتى !


عمر أبوالنصر
29/9/2012
11.37 PM

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.