المكان : مكان داخل سيناء حيث يتمركز أشخاص لن يفيدك أن تعرف موقعهم بالتحديد ..
الزمان : إن كان المكان لا يفيدك فالزمان كذالك .. لكنه ليس حدث بعيد ..
ثلاثة جنود مقاتلين ( ركز جداً على تسمية مقاتلين لأن كلمة مجندين تصيبنا بالأرتيكاريا ) ، على وحنا وأنا ، وأنا إن كنت غير متابع جيد للأخبار إسمى أشرف ، فقط أشرف هو ما يهمك أن تعرفه عنى ، أشهر من النار على العلم المدفون وسط الصحراء حيث لا يراه أحد ، لذالك لن أعاقبك على عدم معرفتك بشخصى .
حنا : نقول عنه أنه متوسط الطول رغم أننا ندرك أنه قصير ، غائر العينين ، معوج الكتفين بشكل واضح .
على : نقول عنه أنه قصير وضميرنا مرتاح لأننا ندرك جداً أنه قصير ، نحيف ، يمتاز بأعين من تلك التى لن تفرقها كثيراً عن أعين الثعالب الجبلية ، يشرب لترين من الماء ونصف كيلو بانجو يومياً ، مفرط جداً فى شرب المخدرات .
ثلاثة أشخاص فى منخفض ، بين جبال سيناء عديمة الملامح ، خنادق تؤدى إلى أعلى الجبل ، مخابئ للأسلحة الغير موجودة ، هو فقط موقع مراقبة لا أكثر ، على الحشاش أفرط فى شرب الحشيش وأشرك معه حنا ، حنا ليس حشاشاً ولكنه يشرب عندما تتاح الفرصة مجاناً ، أنا مستلقى على سريرى ( سأسميه سرير من باب التجاوز المقبول ) أداعب أجزاء سلاحى وأعيد تركيبها على أمل أن يتحول الرشاش إلى دبابة أو قاذفة ،
بينما صوت ضحكات على وحنا يكاد يصل إلى مستعمرات الضفة الغربية .
حنا : ألفلك سيجارة يا أشرف ؟
أنا : لا ماليش مزاج
على يغمز حنا : متفكروش بينا أحسن يقوللنا إشربوا برا
سمعت على وقررت أن أحقق مخاوفه فصحت بصوت جاد : ياللا ياض منك ليه إطلعوا إشربوا برا ..
على ( وقد أصابته عدوى الجدية ) : فيه مطر برا يا عم
أنا : إطلع إشرب برا أحسن مافيش شرب خالص وكفاية كده زادت وفاضت ؛ متنسوش إن فى أى لحظة ممكن ييجى تفتيش
حنا : يا عم ما بتوع الدفاع اللى جنبنا واخدين بالهم يعنى هنعرف لو جه تفتيش ، ومن إمتى أصلاً بييجى تفتيش يا عم المحترس
أنا : طب بطلى فزلكة وقومى جهزى العشا يا سوسن
حنا : حاضر يا سى السيد
******
بعد الطعام ( سأسميه طعام من باب التجاوز ) أشعلت سيجارة وأعطيت على واحدة بينما أعد الشاى ، وأخرج حنا الإنجيل وأخذ يقرأ بإنسجام .
لاحظت أن على يخرج من المبيت ( غرفة إقامتنا إن أسميتها غرفة ) ويعود وعلى وجهه علامات الإرهاق ، سألته :فيه حاجة يا على ؟
أفضل ما فى الخدمة العسكرية هى تلك الرابطة الغير متفق عليها بين الجنود ، كأن هناك صلة قرابة من نوع ما ، قد يحدث خصام أو غضب لكن تظل الرابطة قائمة ..
على : أبداً مافيش شوية مغص
أنا : تاخد حاجة للمغص ؟
فى هذة اللحظة وضع حنا الإنجيل جانباً وإستلقى على الأرض يكاد يغشى عليه من الضحك وهو يردد : إيه يا سيادة نقيب الأطباء منورنا والله
على ( وقد أغراه ضحك حنا بالإستمرار فى الفكاهة ) : معلش والنبى يا دكتور أشرف ممكن حباية ترامادول ؟
سحبت خزنة البندقية وألقيتها تجاه بطن على قبل أن نستلقى جميعاً ضاحكين كأننا فى أحد أندية الضحك الهندية
****
على : لا بجد يا جماعة بطنى بتوجعنى جامد
أكثر من ساعة وعلى يتألم ويتحرك بشكل عرضى داخل الغرفة ، والتوتر يكتسح المكان .
نخاف أن نتصل بالقيادة لنبلغهم بمرض أحدنا حتى لا يؤدى ذالك إلى تغيير مواقعنا وإرسالنا إلى جحيم الكتيبة الأم بعيداً عن رفاهيتنا هنا فى موقع المراقبة ، أو على الأقل قد يؤدى إلى عمل تحليل دم لــ على وينكشف الحشيش الذى يسبح فى دمه .
وأخيراً قررنا أن يأخذ أحدنا على إلى الطريق الرئيس ويستعين بأى سيارة مارة لإيصاله لأقرب مستشفى ، بعد أن يبدلا ملابسهم العسكرية ويرتديا الزى الملكى ( العادى ) إتقاءاً لشر الشرطة العسكرية .
****
فى طريقهم إلى المستشفى تألم على بشدة واصابته نوبة إغماء من فرط الألم فاضطر حنا إلى الإتصال بى فى نقطة المراقبة ليبلغنى بحالة على فاتصلت أنا بأحد أصدقائى المقربين من القيادة فى الكتيبة الأم ، لأستشيره ، فنصحنى أن أبلغ الضابط المسئول لأن الموضوع به خطورة حيث أن على حشاش وربما تتدهور صحته ، وهددنى إن لم أبلغ القيادة سيبلغ هو ليحمينى من المخاطرة إن تدهورة صحة على أكثر .
على ليس مدمن بالشكل الذى يعتقده البعض ، ليس فاقد التركيز ولا تسيل عيناه وأنفه ولا يشعر بتقلصات فى عضلاته عند الحاجة للمخدر ، لكنه يشرب جميع أنواع المخدرات إبتداءاً من الشى والقهوة مروراً بالحشيش والبانجو والترامادول وليس إنتهاءاً بالأفيون ، لذالك صحته بالفعل فى خطر .
بعد ربع ساعة من القلق إتصل بى حنا ليبلغنى أن على أفاق من الغيبوية وهو داخل الآن إلى المستشفى ، وحالته ليست خطيرة ، وما كدت أن ألتقط أنفاسى بعد مكالمة حنا حتى إتصل بى صديقى المقرب من القيادة فى الكتيبة الأم ليخبرنى أنه أبلغ الضابط المسئول وهو فى طريقه إلى الآن .
هنا توقف عقلى !
أين أنا ؟
هل بالفعل هناك ضابط من القيادة ومعه قوة قادمين الآن ؟
هل سيرون آثار الحشيش على الأرض ، وربما بالتفتيش البسيط يمكن إكتشاف مخازن المخدرات التى يخفيها على والتى تكفى لسطل شعب بنما ..
المكان غير مرتب حتى وهو ما يكفى لعقابى بشدة ، كل شئ مخيف من حولى ، لأول مرة أدرك أنى وحيد فى هذة الصحراء الغير منتهية ، أصوات الذئاب التى كنا نتسلى بقتلها اصبحت مخيفة جداً ، الذخيرة !
إن جاء الضابط وفتش على الذخيرة سيعرف أن بها زيادة وهو ما يعنى أننا لا نستهلك المطلوب فى التدريب ولا نقوم بتدريباتنا ..
يجب التخلص من الذخيرة الزائدة ..
والحشيش الزائد ..
وعندما يعود على وحنا بملابس غير عسكرية سيتم عقابهم وعقابى معهم ..
أتخلص من الذخيرة الزائدة والحشيش الذى لا أعرف مكانه ورمل الصحراء الذى يرعبنى وأتخلص من نفسى التى وقعت فى هذا المأزق اللا منتهى ..
مالى وللسلاح والذخيرة ، ما أتى بى هنا ، سيأتى الضابط ليتهمنى بأنى كنت أشرب مع على ، هل سأبقى إلى أن يأتى ؟
أصوات الرمال تخرج منها الشماته وكأن كل ما حولى يعرف ما سيحدث ، لا شئ حولى ، لأول مرة أشعر برهبة هذا المكان ، لأول مرة أحس كم هو واسع جداً ، خرجت من المبيت ووجدت الأمطار شديدة جداً ، أخرجت سلاحى ووجهته إلى الأعلى وأطلقت بعض الأعيرة النارية تجاه اللاشئ .
****
-يتبع
ممتاز جدا يا عمر
ردحذفاسلوبك بسيط وسلس
وقدرت تلمس جوايا شئ من تاريخى
انا كنت بفراء تدوينتك وكأنى كنت اقراء مذكراتى الشخصيه فعلا
فانا ايضا كنت مجند بالقوات المسلحه وكنت اخدم فى نقطه مراقبه
وكانت يومياتنا مثلما ذكرت بالفعل لا تختلف كثيراً
قهذا هو حال الجيش فى الواقع
وعلى فكرة ده مش غريب لأن الأهمال والتسيب وعدم الجديه وعدم مرونه القوانين وعدم قابليتها للتطبيق الفعلى
كلها امور ضاربه فى عمق المؤسسات المصريه جميعا