أشعر* الآن بالحزن ، كما لو أني أرى أفروديتي إلهة الجمال تُباعُ كالجواري ، أو جسد ملكة فرعونية عظيمة يُعرضُ في مزادٍ علني . أشعر بالحزن ، وكل الأشياء حولي تُحرضني على الاستمرار في شعوري . هانت الدنيا فليس أسهل عليَّ الآن من الخروج على قواعد الأرض .
الجميلات لم يُخلقن عبثاً ، ولم يحصلن على هذا الكم من الجمال بفعل عشوائية الطبيعة ، لا يجب اضطهادهن في مدينة القبح هذه ، إلى متى سيستمر الوطن في تشويه روح كل جميلة وقتل طموحها وإجبارها على التبعية . وإلى متى تستمر الجميلة نفسها في القبول بهذا الوضع ، لا أُحرضكِ على الثورة ؛ وأعرف أني لو فعلت فإني أدفعك لقتل نفسك ، ولو كنت مكانك لما استجبت لدعوات الانقلاب على الحاكم التي تستمعين إليها ليلاً نهاراً . لا تنقلبي ولا تثوري ، احزني في رُقيّ ، ابكْ ، مزقي الوسادة ، وتعالي إليَّ بعد عامين وقد فقد وجهك نضارته وتهدّل ثديك وانطفأت عيناكِ وقولي "قتلوني" .
وما بيدي شيء ، ولا بعقلي ، ولا بقلبي شيء ، أنا مثلك يا مريم ؛ ضعيفٌ قليل الحيلة ، استلب التتر أسلحتي ووزعوها فيما بينهم ، فذاك يأكل عقلي وذاك جسدي ، وثالثٌ يركض وراء رابعٍ يُمسك بكفه أطراف روحي . الحزن يقُصّني كالأظافر الطويلة، فسامحيني .
وعدتكِ يوماً أن أبقى بجوارك مهما تقلّبَت الأيام ، وبمجرد الاهتزاز ؛ رحلت . أنا لست رجلاً يا صغيرتي ، لست رجلك ، لست فارسك ولا فارس أحد ، لن أمتطي يوماً جواداً ابيض لأُنقذ أميرة سمراء ، إني رجلٌ مُنهكٌ كاذبٌ مُدَّعي يكتفي بالبكاء الهيستيري في أحلك المواقف . لا أفكر بعقلانية ، ولا أبكي بعقلانية ، ولا أُمارس الرجولة . مُدركٌ تماماً لما وراء كلماتك عن هذا الغير مناسب الذي ارتقى القمر . مُدركٌ تماماً لوضعك يا مريم ، أعلم أنك مُضطرة ، ولم تُدركي بعد أنه لا أحد يجيب المضطر . الجميع متآمرون عليكِ ، السماء والأرض والبحار والصحاري ، الكُلُّ يتآمر على شفتيك كي تتحجرا .
لا تشعري بالذنب ولا تضعي نفسك موضعاً أقل مما جعلتك فيه . ولا تشعري أنّكِ خدعتني وزيّفت نفسكِ أمامي ، كذباتك الصغيرة أعرفها وتعرفني وبيننا صداقة ، أعرفُ كل خطاياكِ ، وأكبرها أنّكِ تصطنعين الخطايا ، تكذبين كثيراً محاولةً إبداء شفتيك كأنهما لغانية إغريقية . وهما ليستا كذالك ، أعرفُ جيداً أنهما كالألماس الخام الذي لم تلمسهُ أصابع فنان يُقدّرُ فنَّه . لا تدّعي أنكِ فعلتِ وفُعلَ بكِ ، نهداكِ ما زالا بغلافهما لم يُمسّا .
وأعرف أني لست عندك شيئاً ، ولا يعنيني هذا بشيء . لا أفكرُ في الضغط عليكِ كي أحتل جزءاً من يسار الصدر ، لن أزيد همَّكِ همَّا . ولو أملك الذي يطلقه الساحر على القلب فيتحرر لما ترددت به أن أحرر قلبك الصغير . يا مَريم التي قُتلت بها مشاعر الحب الطبيعية ، يا مَريم التي لا تُجيد الحُب أصلاً ، ولا تعرف كيف يكون ، يا بدائية التكوين ، هدّئي رَوعَ روحك .
لست أكتب عاشقاً أو مُدَّعياَ أو معاتباً ، انتهى وقت كل شيء . قولي مثلاً أنّي أكتبُ باكياً ، أكتب كالطفل الشارد لا يعي ما يقول ولا يفهمه أحد ، لا تلتفتي لي ولو قليلاً . إنّي لا أُدرك كيف يكون العالم الحقيقي ، تأتيني منهُ الصدمة تتبعها الصدمة فلا أُدرك الواقع إلا وهو يعتصرني .
يا مَريَمي ؛ يا أكمل البنات ، تذكّري جيدا أن الأشياء ليست كما تبدو عليه ، والسلام .
*صيف
أول طلّة لي هنا ..
ردحذفرائع تعبير الجنيه على صفحات كتاب أحلام .. شعرت المثل بعد قراءة نسيان .. أفلست تماما بحق
جميل قلمك ..