كانَ وأشواقها
وإني أكره الشوق ، يقتلُ فيَّ الصبر ويردّني طفلاً ، أُودُّ لو كانت الأشواق صخرية ، والأشياء صخرية ، والتفاصيل الصغيرة بيني وبينكْ ؛ لو كانت صُنعت من حجر . أودُّ لو أستيقظ في الخامسة صباحاً لأُراقب انتحار النجوم أو مولد الشمس أو أستمع للموسيقى ، لكني ـ عوضاً عن هذا ـ أُهيئ نفسي من جديد ليومٍ أمر فيه على أجزائي المُفتتة هُنا وهُناك . أُريدُ أن أدعو عليكِ ، أدعو الله أن يبتليكِ ـ أيتها المُطهرة النقيّة ـ بالشَوقِ وتكرارُه . لكني لا أستطيع ، أُشفقُ عليكِ يا وَريدي ، فَكوني بخير .
27/5/2013 ـ 5.21 ص
سأقولُ في التفكيك*
يبدأ غسان كنفاني إحدى رسائله إلى غادة السمان قائلاً : " عزيزتي غادة .. يلعن أهلك ؛ كتبتِ إلى الجميع ( رسائلَ ) ولم تكتبي لي حرفاً ". أُصيب الأديب بالملل من تكرار الشوق ، وأوجعته رسائلها المتتابعة إلى أصدقائها وصديقاتها ، ها هي تذكر الجميع وتنساه ، فما كان منه إلا أن لعن أهلها ، وربما أزاد وأفاض في التعبير ، لستُ أدري . نشرت غادة هذه الخطابات فيما بعد ، وحسناً فَعَلت . رسائل غسان كنفاني تقول لي بصراحة ؛ لست وحدك .
أشعر برغبة جارفة في الكتابة ، لا لشيء إلا لشهوة الكتابة ذاتها . لديَّ ، بعد قليل ، اختبار نهائي لمادة النباتات الطبية3 ، لن ينتهي هذا أبداً ، سأظل لنهاية عُمري أدور في حلقة مفرغة . أتدري ـ يا قارئي ـ لماذا كُنت أراها مُختلفةً جداً ؟ لأنها استطاعت كسر الحَلَقة . لا أكتب كثيراً عن من تتقاطع حياتهن مع حياتي ، لا أكتب عنهُنَّ أصلاً ، لكنها كسرت القاعدة ، أُحب من الأشياء كسر القواعد ، الخروج عن المألوف ، الخضوع بعد المقاومة والمقاومة بعد الخضوع ، ديناميكية العلاقة .
سأُحاول تفكيك علاقتنا فكرياً حتى أستطيع التغلب على بقاياها في عقلي ، وروحي . لنبدأ ؛ هي تكبرني بعامٍ أو أكثر قليلاً ، إذاً فربما للأمر علاقة بعُقَد الطفولة المُتراكمة داخلي ، أو عُقَد الأمومة داخلها . ها قد انتهينا من التفكيك ، الأمر لا يتعدى كونه عُقدتين تلاقَتا .
لكن ؛ لماذا اشتهيها بجنون ؟ .. لماذا تثور أشيائي إذا تلاقت عيني ، سهواً أو قصداً ، بنهديها الناهدَين . إذاً لنتوقف ولنبدأ التفكيك مُجدداً ، رُبما هي الشهوة ، الشهوة المُجرمة السافلة المُنحطة ، يا ربّي ، ضاعت مني الليالي أذوبُ شوقاً في عشقٍ لا يتعدى كونهُ شهوة . انتهى التفكيك ، دُمتم بخير .
الحقيقة ؛ أني أُزيف الحقيقة . لم يكن الأمر شهوةً مُجرّدة ، لم يكُن مثل شعوري تجاه التي كتبت عنها " شهوة موجهّة " ، أبداً أبداً . لقد اشتهيت معها نبضات القلب الصغير الذي رفضني ، اشتهيت معها تردد الهواء في الرئتين ، كان شيئاً يثير فيَّ رغبةً أخرى أكثر عُمقاً من الشهوة الطبيعية ، لستُ أدري ** .
عزيزتي مريم ؛ لم أستطعْ تفكيك علاقتنا فكرياً ، ولم أستطع فهمها يوماً ، ولم أستطع الحفاظ عليها ، هلا توليت هذه المهام عنّي ، عدا الأخيرة فقد انتهى وقتها . شُكراً .
28/5/2013 ـ 7.03 ص
*مستوحاة من "سأقولُ في التحقيق" ، لنزار قباني ، قصيدة "بلقيس" .
** متأثر بالمصطلح نفسه في قصيدة "الطلاسم" ، لإيليا أبو ماضي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك لازم يكون مفيد، الشكر وإبداء الإعجاب أمور غير مفيدة.