الثلاثاء، 28 مايو 2013

سأقولُ في التفكيك

كانَ وأشواقها


وإني أكره الشوق ، يقتلُ فيَّ الصبر ويردّني طفلاً ، أُودُّ لو كانت الأشواق صخرية ، والأشياء صخرية ، والتفاصيل الصغيرة بيني وبينكْ ؛ لو كانت صُنعت من حجر . أودُّ لو أستيقظ في الخامسة صباحاً لأُراقب انتحار النجوم أو مولد الشمس أو أستمع للموسيقى ، لكني ـ عوضاً عن هذا ـ أُهيئ نفسي من جديد ليومٍ أمر فيه على أجزائي المُفتتة هُنا وهُناك . أُريدُ أن أدعو عليكِ ، أدعو الله أن يبتليكِ ـ أيتها المُطهرة النقيّة ـ بالشَوقِ وتكرارُه . لكني لا أستطيع ، أُشفقُ عليكِ يا وَريدي ، فَكوني بخير .

27/5/2013 ـ 5.21 ص

سأقولُ في التفكيك*


يبدأ غسان كنفاني إحدى رسائله إلى غادة السمان قائلاً : " عزيزتي غادة .. يلعن أهلك ؛ كتبتِ إلى الجميع ( رسائلَ ) ولم تكتبي لي حرفاً ". أُصيب الأديب بالملل من تكرار الشوق ، وأوجعته رسائلها المتتابعة إلى أصدقائها وصديقاتها ، ها هي تذكر الجميع وتنساه ، فما كان منه إلا أن لعن أهلها ، وربما أزاد وأفاض في التعبير ، لستُ أدري . نشرت غادة هذه الخطابات فيما بعد ، وحسناً فَعَلت . رسائل غسان كنفاني تقول لي بصراحة ؛ لست وحدك .

أشعر برغبة جارفة في الكتابة ، لا لشيء إلا لشهوة الكتابة ذاتها . لديَّ ، بعد قليل ، اختبار نهائي لمادة النباتات الطبية3  ، لن ينتهي هذا أبداً ، سأظل لنهاية عُمري أدور في حلقة مفرغة . أتدري ـ يا قارئي ـ لماذا كُنت أراها مُختلفةً جداً ؟ لأنها استطاعت كسر الحَلَقة . لا أكتب كثيراً عن من تتقاطع حياتهن مع حياتي ، لا أكتب عنهُنَّ أصلاً ، لكنها كسرت القاعدة ، أُحب من الأشياء كسر القواعد ، الخروج عن المألوف ، الخضوع بعد المقاومة والمقاومة بعد الخضوع ، ديناميكية العلاقة .

سأُحاول تفكيك علاقتنا فكرياً حتى أستطيع التغلب على بقاياها في عقلي ، وروحي .  لنبدأ ؛ هي تكبرني بعامٍ أو أكثر قليلاً ، إذاً فربما للأمر علاقة بعُقَد الطفولة المُتراكمة داخلي ، أو عُقَد الأمومة داخلها . ها قد انتهينا من التفكيك ، الأمر لا يتعدى كونه عُقدتين تلاقَتا .

لكن ؛ لماذا اشتهيها بجنون ؟ .. لماذا تثور أشيائي إذا تلاقت عيني ، سهواً أو قصداً ، بنهديها الناهدَين . إذاً لنتوقف ولنبدأ التفكيك مُجدداً ، رُبما هي الشهوة ، الشهوة المُجرمة السافلة المُنحطة ، يا ربّي ، ضاعت مني الليالي أذوبُ شوقاً في عشقٍ لا يتعدى كونهُ شهوة . انتهى التفكيك ، دُمتم بخير .

الحقيقة ؛ أني أُزيف الحقيقة . لم يكن الأمر شهوةً مُجرّدة ،  لم يكُن مثل شعوري تجاه التي كتبت عنها " شهوة موجهّة " ، أبداً أبداً . لقد اشتهيت معها نبضات القلب الصغير الذي رفضني ، اشتهيت معها تردد الهواء في الرئتين ، كان شيئاً يثير فيَّ رغبةً أخرى أكثر عُمقاً من الشهوة الطبيعية ، لستُ أدري ** .

عزيزتي مريم ؛ لم أستطعْ تفكيك علاقتنا فكرياً ، ولم أستطع فهمها يوماً ، ولم أستطع الحفاظ عليها ، هلا توليت هذه المهام عنّي ، عدا الأخيرة فقد انتهى وقتها . شُكراً .


28/5/2013 ـ 7.03 ص


*مستوحاة من "سأقولُ في التحقيق" ، لنزار قباني ، قصيدة "بلقيس" .
** متأثر بالمصطلح نفسه في قصيدة "الطلاسم" ، لإيليا أبو ماضي .

الجمعة، 24 مايو 2013

أَهلهَا عَرَبُ


مُتناثرات مُتأثّرة بهلوسات الإختبارات النهائية
Final exams hallucinations

1
الأمير داروين ـ Prince Darwin

عندما خرج داروين على العالم بنظريته للانتخاب الطبيعي ؛ تعرضت الأوساط العلمية لما يشابه الفوران ، آراء كثيرة هنا وهناك تدعم وترفض وتنكر وتؤكد وتؤيد النظرية الوليدة ، وبعد عدة عقود أصبح النشوء والارتقاء احد ركائز التفسيرات العلمية المؤكدة للطبيعة ، اعترف العالم المتحضر بصحة النظرية وأصبحت هناك متاحف متطورة تحمل اسم "متحف نظرية التطور" في كثير من عواصم العالم ، لكن بقعة الزيت التي تبدأ من الخليج العربي وتنشر نتانتها وقرفها إلى المحيط الأطلنطي ؛ بقعة الزيت العربية الكبيرة هذه ما زالت تُعاني من مشاكل في قبول ما استطاع العالم قبوله ، ليس للأمر علاقة بالدين كما تتصور ، فقد استطاع الغرب التغلب على سلطة الكنيسة ـ وهى أسطورية ـ حتى اضطر أساقفتها ذوي العقول الحجرية إلى الاعتراف بصحة التطور ، لكن بالنسبة للعرب الأمر مختلف ، حتى لو ادعوا أنهم يدافعون عن الدين ؛ واقع الأمر أنهم يدافعون عن ذاتهم المتخلفة من التكامل مع أي فكرة محترمة ، لو وجد العربي نفسه أمام فكرة محترمة ومُعترف بها عالمياً يجب أن يشوهها ، يمحوها ، يرفع عليها السيف كما اعتاد أجداده وقادته ومُقدَّسيه ، يُناصب العربي الأفكار العداء بحكم طبيعته ، يستجيب للإنسان البدوي الكامن بداخله الذي يصيح قائلاً "ها هي فكرة ؛ اقتلها".

في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين ؛ بدأت اللغة العربية تظهر وتتطور ، البيئة جافة وقاحلة وغير مناسبة لحياة ثدييات عاقلة أصلاً ، لكنه قدرهم . لا يجدون أمامهم أو ورائهم إلا الصحاري والقفار والهضاب والرمال ، لا مجال للغة ثرية وناضجة ، يُضطرون إلي إطلاق أسماء كثيرة جداً على نفس المُسمّى من باب قتل الفراغ الُلغوي ، للأسد عشرات الأسماء مثلاً . تظهر اللغة العربية القديمة بشكلها الغير ناضج وحروفها المتشابهة الغير منقطة ولا مُشكَّلة والتي لا يجيد كتابتها إلا قلة من المتعلمين النادرين الذين يصدف أحياناً عدم وجود أي منهم في بعض القبائل .

ثم بدأت الفتوحات ، وصلوا ببدويتهم إلى جنان اسبانيا وروائع مصر ، بدأ البدو يتنسمون النعيم ، أصبح الذي لم يرْ الماء البارد إلا في أحلامه الجميلة مواطناً من الدرجة الأولى في دوَل ساقها قدرها العاتي إلى الحكم البدوي يستلب خيراتها ويضطهد مواطنيها الأصليين ، لم تعد اللغة الصلبة تناسب العرب الجدد ، كيف يقف العربي على تلة خضراء ليُغني بما كان يُغني على تلة صفراء ، ليس مناسباً للبرستيج الجديد أن يهزج بتفاهات غير مفهومة ثقيلة النطق مثل "لخولة أطلال ببرقة ثهمد" ، تحولوا إلى الرقة وبدأت اللغة العربية الحديثة تظهر تدريجياً ، قارن لي بين "وسيفي كان في الهيجا طبيباً يُداوي رأس من يشكو الصُداعا" وهو بيت لعنترة بن شداد العبسي بألفاظه الثقيلة التي يتردد فيها إيقاع السيوف ، والبيت التالي للبهاء زهير وهو شاعر مصري يقول "حبيبي كيف حتى غبت عني .. أتعلم أن لي أحداً سواكا ؟ " الأبيات الأولى عربية والثانية عربية ، الأولى قيلت في صحاري جزيرة العرب الجلفة تحت ظلال السيوف ، وقيلت الثانية في أرض مصر تحت ظلال الكروم ، وهو التطور .

15/5/2013 ـ 9.45 ص


2
عن الحريم كثيراً ـ All about hareem

المرأة هي البوصلة ؛ بوصلة الحريات والمدنية والتحرر إلى آخره . مستوى حريات المرأة في الدولة أو المجتمع هو ما يُحدد مستوى الحريات بشكل عام داخلها ، بل ويُحدد أيضاً المستوى الاقتصادي والثقافي والأخلاقي ، وهذا يخضع لمنحنى جيبي ؛ فعندما تتغطى المرأة كُليّاً بالخيمة الباكستانية فهذا يعني مجتمع أصولي متخلف راديكالي مُتأخر اقتصادياً بسبب تعطيل نصف المجتمع ، لكنهم سيدخلون الجنة على كل حال . وفي المقابل عندما تتعرى المرأة لدرجة الانحلال وانعدام الفرص أمامها باستثناء الدعارة فهذا يعني مجتمع لاأخلاقي مثل بعض دول أوروبا الشرقية ، وهي مُجتمعات لا تعترف بالمساواة في الفرص والواجبات والحقوق إلا على السرير ، وهؤلاء لا يدخلون الجنة . لكن عندما يعتدل النصاب بالمساواة العادلة الشاملة فهذا يعني أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان ، وهم أيضاً لن يدخلوا الجنة إلا لو استطاعوا رشوة الفاتيكان والقرضاوي ؛ أحدهما أو كلاهما .

20/5/2013 ـ 2.13 ص


3
جواري مول ـ Jauary mall

لنتحدث عن الجواري ؛ أتمنى أن يعود عصر الجواري والحريم ليضرب العالم ، حيث يختفي كل دعاة المساواة والـ "فيمينيستس" ويذهبوا في رحلة إلى الجحيم بلا عودة ، ومن ثمَّ يمكننا إنشاء سوق للجواري في مكان مقر منظمة فيمين بأوكرانيا حيث نبيع ونشتري الأوكرانيات اللاتي يُقال عنهن مُزَز ، وهُن ـ إحقاقاً للحق ـ مُزَز بالفعل .

الفقرة السابقة ، يمكن تسميتها الصوت العربي الحُر ، أو الصوت العربي الصادق ، أو سأمنحك إياها وأسمْها ما شئت في إطار هذا المعنى ، لم أكذب ولم أتجمل ، لكنها صوت الحقيقة العربية الذي يتردد بداخلنا فنكتمه كي لا يُقال "هَمَج" . ألم تُردْ يوماً هايبراً مزدحماً بالجواري ، تشتري بأموالك الكثيرة ما تشاء من الحريم ؛ الجواري ماركت ، أو الجواري مول مثلاً ، وتكون له فروع في كُل المدن الكبيرة .. ترى مثلاً "جواري مول مدينة نصر" ؛ "جواري مول المعادي" ، وقنبلة السلسلة .. "جواري مول دُبَي" ، صدقوني هذه طبيعتنا مهما أخفيناها تحت الساعات السويسرية ، ستبقى العقالات عربية .

ثم ماذا سيتغير لو تم عرضهن في مولات كما في الماضي ، هي جارية بالفعل سواءً عُرضت في جِلسة عائلية أو جِلسة بين تجار متحمسين ، بل إن التجار سيقدرونها بأفضل مما ستفعل عائلتها وعائلة الشاري التقليدي في الصالون . في الماضي كنت أشعر بالاشمئناط عند سماع كلمة "حريم" وأتهم قائلها بمعاداة كل ما يمكن معاداته من قيم إنسانية ، لكني أراه اليوم وصفاً جميلاً مُناسباً تماماً للحدث . حريم حريم ، جواري جواري ، في مدرجات الجامعات أو في البيوت المغلقة ، في كل مكان جواري وحريم مهما ادّعين غير ذالك .

21/5/2013ـ 4.23 ص

4
كاش يو ـ Cash me

في بيت أحد أقاربي صغيراً ، طرحنا ـ كأطفال ـ سؤالاً تقليدياً ؛ ما فائدة المال ؟ تصدت إحدى الكبيرات للرد بحماسة : "ليست لهُ فائدة" . ثُمَّ تبارينا في اضطهاد هذه الأوراق الملونة التي تحكم العالم ، ألا ليت الزمان يعود يوماً فأبلغه اعتذاراتي عن سفاهات الطفولة ، فكرت كثيراً أن أعتذر بالفعل ، لكن لمن ؟ هل يمكن ـ مثلاً ـ أن أقف أمام مبنى البنك المركزي وأطلق صرخة اعتذار لكل أموال العالم لأني أخطأت في حقها يوماً ، أو أُقبّل عُملة فئة 200 جنية ( بعد تعقيمها من تلامسات الأيدي الكثيرة ) فتصفح عنّي وتنسال وقريباتها بين يديَّ كي ابدأ استثماراتي الشخصية التي أحلم بها ، والتي ـ للصدفة البحتة ـ تحتاج إلى رأسمال مبدأي كبير نسبياً لا أملكه . لماذا يحلم الناس دوماً بأشياء لا يملكونها ، لو كان فرويد حياً لأرجع الأمر حتماً إلى الجنس وتبعاته ، لكنّي أرى أنه فقط السعي نحو الكمال المفقود ، وُلد الإنسان ساعياً إلى تصور مُبرمج سلفاً في عقله يُدعى "الإنسان الكامل" ، كل حركاتنا اليومية وسكناتنا واضطراباتنا هي خطوات في السعي الدءوب نحو هذا الإنسان الكامل الذي لن نصله يوماً ، مستحضرات التجميل تكسب الأموال الكثيرة من إثارة هذه الغريزة في الإنسان ؛ بيوت الأزياء ، ملاعب الرياضة ، مدرجات الجامعات ، كلها تقول لكَ أقبل فإن الكمال هُنا ، وكذالك أحلامك وطموحاتك هي مجرد تصوراتك الشخصية للاقتراب من الكمال . ويتساوى في ذالك الراهب الناسك ورجل الأعمال الناجح والسياسي الكبير ، كلهم يرى الكمال من منظوره ويسعي إليه ولو آخر يومٍ في حياته .

22/5/2013 ـ 8.23 ص

5
خيال علمي علوم

لم يضغط عليَّ أحد كي أختار الصيدلة كمجال دراسة ، ولا أدعي أني أكرهها ، ولا أشتهي وصلها ، هي بالنسبة لي كدراسة البيولوجيا الجزيئية أو الكيمياء التقطيرية أو علم تحليل انتحار حيوان فيل البحر ، مجرد شيء أدرسه وليست لي به أي علاقة عاطفية من أي اتجاه .

لكن ؛ الهندسة المعمارية ، ( امسسسم ) ، يا سلام ، كنت لأكون مُبدعاً ، كُنت لأكون خلّاقاً ، كُنت لأكون رائعاً ، كنت لأُنهي الدراسة الجامعية بتفوق وأدور أدور على شركات الهندسة أبحث عن وظيفة محترمة فلا أجد ، هذا ما أرى . الحمد لله على نعمة الصيدلة يا عَم ، رغم أني ـ ولا تخبروا النقابة ـ أعتقد أن مهنة الصيدلة بشكلها الموجود في مصر حالياً هي من مخلفات الفساد العام لا أكثر ، وستنتهي حالة الأنتخة التي يعيشها الصيادلة بمجرد ضبط القطاع الصحي بشكل كامل ووقف العشوائية التي تُدار بها المهنة ، حيث يُمكن لأي خريج صيدلة فاشل أن يحصل على دخل جيد بمجرد جلوسه في المنزل مراقباً تكاثر الذباب ، فقط بالتوقيع على ورقة تُفيد إدارته لإحدى الصيدليات التي ربما لا يعرف مكانها أصلاً ، ما هذا العَتَه الذي يضرب أصول المهنة ؛ عِيِب كده .

23/5/2013 ـ 7.15 ص

6
Library Sluts

ما الذي قد يجعل علاقة عاطفية جيدة تتدهور لدرجة رفض أحد الطرفين للآخر بشكل قطعي وحاسم ولا رجعة فيه ؟ أشياء كثيرة قد توصل لهذه المرحلة ، لكن ليس من بينها قطعاً عدم تذكر أحد الطرفين لعيد ميلاد الآخر ، كُسُّم التفاهة ، عيد الميلاد أصلاً بدعة من بلاد الغرب وليس من ديننا في شيء ، وإن شر الأمور محدثاتها . حاولت أن أقنعها ـ الحمقاء ـ بما قال الله وقال الرسول في هذا الشأن لكنها لم تقتنع ، من لا يتنازل عن الأشياء الصغيرة هو شخص تافه ، وهذا بصراحة يجذبني جداً في أي بنت ، أُريدها تافهة ومجوفة ، ولا تقرأ لي ، ولا تقرأ لأي شخص ، ولا تُحب القراءة .

المثقفات ـ عادةً ـ يكُنَّ إما جواري خلف الستار أو داعرات خلف الستار ، ربما هناك نوع ثالث ، لست أدري ، لكني لم أرَهْ . 

24/5/2013 ـ 2.25 م

O.Abolnasr and the great Nile river


الثلاثاء، 21 مايو 2013

وأشياء أُخرى كثيرة

1
Those who followed tinker bell

لأسبوع متواصل وعلى مدار عدة "جلسات" شاهدت فيلم الأنيماشن الرائع "Tinker Bell" ؛ متحسراً على أيام الطفولة الضائعة التي لم تُتح لي فيها فرصة مشاهدة مثل هذه الأعمال المتقدمة تقنياً وفكرياً ، تذكرت كيف كاد بكار المثالي المشوّه أن يقضي على طفولة جيل بأكمله ، ولم ينقذنا من سماجته ومثاليته إلا شخصية حسونة في نفس العَمَل ؛ وهو النقيض الذي أراد صانعو المسلسل أن يضعوه لشخصية صديق رشيدة المُطيع الهادئ الذكي المُمل فاختاروا حسونة الطفولي الطبيعي فلاقى الأخير قبولاً بين الأطفال واتجهوا لتقليده فيما أصابهم بكار بالاكتئاب والحقد ، ما علينا .

ترتكز فكرة فيلم تينكر بِل على إقناع المتلقي بأن الخيال حقيقة والحقيقة وهم ، وأن كل ما تلقاه من علوم أولية في المدارس هو ضرب من الجنون بينما الحكايات التي اعتاد سماعها قبل النوم هي الحقيقة بنفسها ، تينكر بِل هو اسم بطلة الفيلم ، وترجمة الاسم في النسخة المُدبلجة للعربية "تنة و رنّة" ، وهي حورية صغيرة من تلك الحوريات التي لا يزيد حجمها عن حجم الفراشة ، وتعيش في مستعمرة الحوريات التي لا يعلم عنها البشر شيئاً ، ويُقسمون المسئوليات بين أنفسهم ، فهناك حوريات مسئولات عن استنزال المطر ، وفريق آخر مسئول عن النباتات والزهور وألوانها ، بل أن هناك فريق من الحوريات مسئول عن تلوين الفراشات ومنح حشرات الحقول ألوانها الجميلة عن طريق دهانها بالفرشاة ، تينكر حورية من الفريق الأخير ؛ مسئولة عن تلوين الفراشات وموهوبة في الأعمال الميكانيكية بشكل استثنائي مما يوقعها في كثير من المشاكل تؤدي بها في النهاية إلى مواجهة خطر الوقوع في أسر البشر .

تتعرف تينكر الصغيرة على طفلة جميلة ابنة لأحد علماء البيولوجي ، والدها مُهتم بجمع الحشرات وتصنيفها وكتابة "الحقائق" العلمية عنها واستنباط الجديد ، ويأمل في ابنته الموهوبة أن تكون مثله يوماً ما ، يُصاب بخيبة الأمل عندما يجدها تتحدث عن الحوريات وترسم في دفتر استكشافاتها هذه الكائنات الأسطورية ، يوبخها الأب المستكشف قائلاً أن دفتر الاستكشافات هو للحقائق لا للأساطير ، لكن عبر التطور الدرامي للأحداث يقتنع الأب في النهاية أن كل ما تعلمه من صغره عن البيولوجيا والنبات وهم كبير ، وأن الحوريات هن الحقيقيات ، ويتعرف على تينكر ورفاقها ، وينتهي الفيلم بمشهد الأب يحكي لابنته عن الحوريات بينما تجلس تينكر وأصدقائها مستمعين إليه ، لقد تحوّل الرجل من عالم بيولوجي إلى أحد أتباع تينكر بِل .

وعلى مذهب تينكر؛ لا يجب عليك شيء ، يمكنك أن تقول بسطحية الأرض ولا إثم عليك ، يمكنك أن تتحدث عن الأطباق الطائرة أو حوريات البحر أو الملائكة . تصديق ما لا يمكن تصديقه هو الأكثر راحةً وإشباعاً لدوافعنا الطفوليه ، ألا تفكر ـ مثلي ـ في أن تكون أحد أتباع تينكر بِل ؟




2
Memory shots

أُعاني ـ من بين ما .. ـ من حالة أسميتها Memory Shots ـ خَطَفات الذاكرة ، هجمات بَصَرية لثانية أو أقل ، ذكرى جميلة أو سيئة تتحرك صورتها باتجاهي ثم تضربني بعنف في عينيَّ مباشرةً فأكاد أسقط على الأرض مغشياً من فرط الشوق / الوجع / الندم أو ما تستدعيه الذكرى . لا أستطيع شرح الحالة جيداً بسبب قصور عندي في وسائل الشرح ، انتابتني واحدة من تلك اليوم بينما أُمسك القلم مستعداً لبدء اختباري النهائي في اللغة الإنجليزية ، طلَعَت لي ـ التي رَحَلَت ـ من بين السطور ؛ هجمت ذكرى القُبلة الوحيدة ، لامس خدها الأيسر شفتيَّ فانتفضت ، أُسقط في يدي أن يراني رئيس قسم اللغة الإنجليزية وكان واقفاً بجواري ، فأدرت وجهي مُتنحياً بأفكاري وهجمات ذاكرتي منتظراً أن تتركني ـ التي تركتني ـ أُمارس حياتي بهدوء وتُبعد ذكرياتها عني .

3
Plastic surgery

في غرفتي وصلة كهربية صغيرة عارية ، تقع تماماً أعلى زر الإضاءة ، تُعرضني للسعات الكهرباء لو لامستها ، لكني أفعل ذالك كل يوم تقريباً ، أنتفض ؛ أرج يدي رجّاً ، أضع إصبعي الملسوع على شفاهي ، أتألم ثُم أخرج هاتفي لأُضئ الطريق قليلاً ، يحدث هذا كل يوم ؛ لكني لم أُخبر أحداً من قبل ، كان سراً بيني وبين هذه العارية الصغيرة ، اتفاق ضمني بأن تلسعني كل يوم بكهربيتها الضعيفة وأصبر عليها بلا سبب وجيه ، لكني بمجرد أن كتبت عنها كسرت الاتفاق ، لا أعتقد أنها ستلمسني بعد اليوم ، ليس بعد أن يغطيها البلاستيك .

الأحد، 5 مايو 2013

الأغاني


إن حاولت انك تغير 
صورتك الحلوة فـ عينيا 
مش هتقدر

وإن حاولت إنك بغدرك 
تقتل الشوق اللى بيّا 
مش هتقدر

هذة روبي ، استمع لها وهى تُمارس أفضل ما يمكن أن يفعله مطرب عربي ( هـــنــا ) ، لا أعتقد أن الهجمة الضارية على هذة المطربة الجميلة لها دافع سوى الحقد على جمالها وتناسق جسدها وصوتها ، إنهم يكرهون كل جميل ويمنعونه من الغناء فى دول أصولية تدعى الحضارة ويمنعها التليفزيون المصري من الظهور حتى تتسع الشاشة للعاهات . ظلموكِ أيتها المثقفة الجميلة ، وظلمتِ نفسك عندما خضعتِ لشركات التسويق التى تستنزف الجميلات ، ليس لدى مشكلة أن تظهر روبي متألقة جميلة مثيرة فى أغانيها ، لا أكره جمالها ولا أحقد عليه ولا أغار منه ، تُثيرنى بكل ما تعنيه الكلمة ، وانا من النوع الذى يرى فى الإثارة أقصى درجات الجمال .

***

لأ مش انا اللى ابكى
 ولا انا اللى اشكى .. إن جار عليا هواك 
ومش انا اللى اجرى .. واقول عشان خاطرى 
وانا ليا حق معاك

بينما كان الوسط الغنائى يضج بأغانى الإستسلام المازوشي ؛ كسر محمد عبدالوهاب هذة القاعدة بأغنية ثورية يُهاجم فيها سلطة الطرف الآخر وينتقدها فى كلمات واضحة ( هـــنـــا ) . عبدالوهاب كان أسطورة حقيقية لا يمحوها الزمن أبداً ، وبرغم كونه احد قواعد الوسط الفنى فى هذة الفترة ويبدو كراديكالى محافظ على القواعد ، إلا أنهُ كان يحمل قلباً ثورياً ، حتى الذين كان يصاحبهم فى صولات التلحين وجولاته عرفنا مؤخرنا أنه اختزن ضدهم ملحوظات فنية كثيرة تنتقد رجعيتهم وضعفهم ، حصل المطرب على لقب اللواء بعد تلحينه النشيد الوطنى لدولتنا .

***

مبتعلمش 
بغيره القلب مبيحلمش
ينام الليل وسهرانه فـ هواه 
مبنامش

استرخي ، أغلق عينيك ، استمع لأنغام ( هــنــا ) ؛ عندما تفجرت فى روحى أغنية "مبتعلمش" كنت أتحرك باتجاه عامى الخامس عشر ، بعدها أصبح من المستحيل إقناعى أن هذا الصوت حرام ، حتى فى أعتى لحظات الإرتداد للأصولية التى عشتها فى فترات المراهقة كنت أسرق اللحظات كى اسمعها تغنى ( مجبش سيرتى ) .



***

نور جمالك في الظلام .. بدر في يوم التمام
حسن قدك والقوام .. كل ارواحنا فداه
نور جمالك آيه .. آيه من الله 
آمنت بالله

يجب أن تستمع لهذة الأغنية التى ليس لي معها أي ذكريات بصوت فؤاد حجازي ( هــنـــا ) ، لم أستمع لها فى حياتى إلا مرة واحدة ، لكنها اقتحمت خيالي مرة واحدة كما يقتحم ضابط أمن الدولة خصوصيات المواطنين . الكلمات رقيقه ، التعبيرات تتأرجح بين العامية والفصحى ، صوت فؤاد حجازي يسافر بين اللهجات العربية كأنه يُغنى بها جميعاً .

فؤاد حجازي ، جاهدة وهبة ؛ المخلصون الذين وهبوا حياتهم لفكرة الطَرَب المُجرّد من أى طموح فى شعبية زائفة ، المقتنعون بضحالة الشهرة ، الغير واقعيين الذين سيموت الجميع وتستمر أصواتهم فى رحلة الخلود .

الخميس، 2 مايو 2013

الجيتو المسيحي

الجيتو هو التجمع السكانى الذى يقتصر أفراده على الإنتماء لطائفة دينية أو فكرية أو عرقية واحدة "غالباً دينية" وينعزلون عن وسطهم المُحيط مُحاولين تحقيق إكتفاء ذاتى فكرى وأحياناً مادى وربما لوجستى (1) فى حالات متطرفة ، ظهر المصطلح لأول مرة فى مدينة البندقية الإيطالية لوصف تجمعات اليهود المنعزلين الذين أرادوا بشكل مُبالغ فيه أن يحافظوا على تقاليدهم وإرثهم الدينى من أى محاولة إنفتاح .

بين كل الظواهر الدينية السلبية تبرز هذة الظاهرة كشوكة كبيرة تطعن التناسق الإجتماعى فى مصر ، تجد المسيحيون يشكلون كيان منعزل يمنع أفراده بعضهم بعضاً باستخدام الإجبار المجتمعى والضغط النفسى من التكامل مع باقى المجتمع . بالطبع لم ينشأ الأمر من الفراغ ولم يبدأ بلا سبب ، وإن كان أول جيتو فى العالم قد ظهر فى البندقية بإيطاليا فإن سببه كان إضطهاد اليهود وشعورهم بالخوف من المجتمع الأوروبى الرافض لهم مما أدى لتقوقعهم على أنفسهم وصناعة مجتمع يهودى مغلق ، ولطالما كانت هناك تلك الجيتوهات اليهودية فى كثير من دول العالم ، وتتراوح أسماءها ما بين "حارة اليهود" (2) .. "شارع اليهود" .. "تلة اليهود" ، وغيرها من التسميات التى تقطع بأن هذة الفئة لسبب ما كانت دوماً مُنعزلة ، وللأسف يبدو أن مصر تتجه لحالة مشابهة .

وعن الأسباب .. نتناول أولاً الاضطهاد ؛ عندما يشعر الإنسان بالخطر فإنه يلجأ عادة للإحتماء بقوميته العرقية أو الدينية أو الفكرية ، عندما تتعرض الأمم لأخطار تهدد وجودها تتلاشى القوميات الفرعية ويتوحد الجميع تحت راية الدولة ، تماماً كما يحدث فى حالة الأزمات الإنسانية أوالثورات أوالحروب ، لكن عندما يتعرض أحد عناصر الوطن لإضطهاد خاص فإن هذا يدفع أفراد القومية الدينية إلى الإحتماء ببعضهم البعض ، مثلاً أن تكون طالب جامعى مسيحى مصرى فهذا يعنى شعورك بالضعف والخوف لو تورطت فى مشاجرة مثلاً ، سيتحول الأمر فوراً للطائفية . لذالك يميل المسيحيون للتعامل مع أبناء دينهم لضمان المساواة .

ثانياً ؛ التهميش .. لا يمكن أبداً إنكار تعرض المسيحيين المصريين للتهميش ، حتى لو افترضنا عدم وجود خطوات ممنهجة فإن "التهميش النفسى" وهو أحد أشكال ازدراء الإنسان يُعتبر عامل مهم يدفع بالفرد المسيحى إلى العزلة . أن تكون مسيحيّاً فهذا يعنى شعورك بالدونية فى الوطن الذى ولدت به ، فُرصك فى النجاح وسط المسلمين مشكوك فيها ، أغلب مشاعر التهميش التى يشعر بها المسيحيون حقيقية ، لكن هناك نسبة لا يُستهان بها من هذة المشاعر تكون نتيجة "التسخين الطائفى" المسيحى ، القنوات الفضائية التى تبث من خارج الوطن ، رجال الدين المتطرفين ، لا أقول أنهم يصنعون شعور الازدراء الذى يشعر به المسيحيون تجاههم كبشر مختلفين فى العقيدة عن الأغلبية ، لكنهم يُضخمون هذا الشعور لدى الفرد المسيحى مما يؤدى لإذكاء روح الجيتو أكثر ، مثلاً تعبير "الشعب القبطى" و "ابناء الله" .. تعبيرات يمكن وصفها بأنها "جيتاويّة" بامتياز ، تدفع المسيحيين دفعاً لينعزلوا مكونين شعباً قبطياً داخل الشعب المصرى .

هناك أيضاً النشأة الجيتاوية وتربية الكنيسة ، أن تولد فى أسرة مسيحية فهذا طبيعى ، لكن أن تكون هذة الأسرة فى عمارة كل سكانها مسيحيين "وأحياناً شارع بالكامل أو قرية" ، وكل تعاملاتك مع مسيحيين ، ومعظم نشاطاتك تتمحور حول الكنيسة ودورها التربوى ، سيجعلك هذا بالطبع تشعر بالغربة عندما تبدأ فى التفاعل مع مُسلمين فى وسط الجامعة مثلاً . لا أُنادى بعزل الكنيسة عن دور التربية لكن أن تكون هذة التربية روحية لا اجتماعية ، لا يجب أن يصبح الفرد القبطى الذى يتعامل مع مختلف الأيدلوجيات والعقائد نسخة اجتماعية من راهب منعزل لا يتعامل إلا مع بنى دينه . وهناك ـ أحياناً ـ بعض الجهود التى تبذلها الكنيسة من أجل تفكيك الجيتو ، لكنها تبقى غير مؤثرة مادامت فى حيز النصائح والتوجيهات بدون تفكيك أسباب تكوين الجيتو نفسها ، وكانت إحدى توصيات مؤتمر الشباب الأرثوذكسى تحفيز الطلاب المسيحيين فى الجامعات على الإختلاط بغيرهم وعدم تكوين حائط عزلة ، لكنها تبقى كما قلنا توصيات فى إطار النصائح الهلامية .

ويبقى الفرز على الهوية والتصنيف الطائفى عاملاً أساسيّاً فى إضافة المزيد والمزيد من الطاقة للجيتو ، حتى بالنسبة للأشخاص الأكثر تنوّراً والغير مقتنعين بالإنعزال ، حتى الأشخاص الإجتماعيين هؤلاء يجدون أنفسهم مضطرين دوماً للتصنيف أمام الآخرين على أساس دينى استجابةً للفرز على الهوية الذى يمارسه المجتمع كسلوك عام بدءاً من خانة الدين فى بطاقة الهوية وليس انتهاءاً بـ "اسمك إيه ؟ هانى .. هانى إيه ؟ هانى سعد .. هانى سعد إيه ؟ هانى سعد بيشوى ـ الآن عرفت أنك مسيحى ، تم تصنيفك  " تخيل مواطناً مسيحياً يجد نفسه مضطراً دائماً لتبرير موقفه كمسيحى ، مضطر دائماً لتوضيح أنه مسيحى ، مطاعم إسلامية وأخرى مسيحية ، محلات ملابس لا تقبل إلا موظفين مسلمين وأخرى لا تقبل إلا مسيحيين ، أماكن معينة مخصصة للمسيحيين عُرفاً ، لا توجد فرصة كى يشعر بمصريته ، يلجأ إلى التصنيف الذى طوّقه به المجتمع ، يلجأ إلى الجيتو .

وعلى غرار الجيتو السُكّانى (3) أى انعزال المسيحيين فى تجمعات سكنية واحدة ، هناك أيضاَ الجيتو التعليمى (4) بمعنى تقارب الطلاب المسيحيين فى الجامعات والمدارس تحت ضغط الأسباب السابقة حتى يكونوا كتلة واحدة "حماية الجيتو" . وهناك أيضاً جيتوهات متنوعة فى مجالات العمل والمطاعم والكافيهات ، لقد فقدنا التجانس الإجتماعى "Social harmony" تحت ضغط الكُتل الطائفية التى تضرب الوطن ، لن تُجدى الشعارات المجوّفة المكررة اللزجة ، يجب أن نستأصل الأسباب ، الوطن أصبح مثل شبكة اجتماعية تتخللها عُقَد ونتوءات تجعلها غير صالحة ، هذة العُقَد اسمها الجيتو المسيحى .

____

(1) الجيتو اللوجيستى أى أن يعتمد الأفراد على طائفتهم الدينية فى الإحتياجات اليومية كالطعام وشراء الإحتياجات اليومية دون غيرهم ، كالشخص الذى لا يأكل إلا من مطاعم المسلمين أو الذى لا يأكل إلا طعام المسيحيين ولا يشترى إلا منهم .

(2) كانت هناك حارة كبيرة لليهود فى مصر بجوار شارع الموسكى بها 360 حارة صغيرة بالإضافة لـ 13 معبد يهودى .

(3) هُناك سماسرة عقارات متخصصين فى حشد المسيحيين فى عقارات متقاربة بعيداً عن أى وجود لساكن مُسلم .

(4) فى كثير من الجامعات المصرية الحكومية يوجد ما يسمى الـ CH وهو مكان معين بالحرم الجامعى يتجمع به المسيحيون دون غيرهم ، وهناك أماكن معينة بممرات الجامعات وقاعات الدراسة مخصصة للمسيحيين بشكل مُتفق عليه .