الاثنين، 29 أبريل 2013

التدفق الطَبَقي

من سمات المُجتمع الصحّى أن الحدود بين الطبقات ليست حدود مغلقة يصعب عبورها ؛ وإنما هى من المرونة بحيث تُتيح لشخص قادم من أدنى قاع المجتمع أن يستغل إمكانياته ومواهبة فى الصعود طبقيّاً والتدرُّج إجتماعياً لأقصى حد . لكن هذة النظرة اليوتوبية "المثالية" لا تجد لها مكاناً فى المجتمع الشرقى العربى عموماً والمصرى خصوصاً ، ليس لأنه مُجتمع طبقى ؛ فالطبقية ليست عيباً مادامت قائمة على أُسس سليمة ، لكن لأن آلية الإنتقال الطبقى ـ أى صعود الفرد من طبقته الإجتماعية إلى ما هو أعلى مُعتمداً على إمكاناته الشخصية ـ تُعانى من مشاكل كثيرة ليس آخرها الميراث الإقطاعى النفسى فى قُدامى المُرفّهين الذين تتجذّر فى نفوسهم مشاعر الأصالة ونقاء العِرق إلى آخره . 

فمن بداية الصعود وحتى أقصاه ، يواجه الأشخاص المُفعمون بالطموح عقبات كثيرة تتنوع حسب مستوى "القاع" الذى هُم قادمون منه ومستوى "القمة" التى يريدون الوصول إليها ، فهُناك سمات معينة إن توافرت بدرجة معينة فى القاع قد يكون هو الأكثر إنحطاطاً فى العُرف البرجوازى القاهرى ، مثلاً أشباه الأثرياء فى المناطق الشعبية بالقاهرة أكثر رُقيّاً ـ بالنظرة البرجوازية المريضة ـ من أثرياء الصعيد ، وأثرياء المُدن الكُبرى بالصعيد أكثر رُقيّاً من صغار الإقطاعيين بالقُرى والنجوع الذين هُم بدورهم أكثر رًقيّاً من فُقراء القُرى الصعيدية ، وعلى هذا المقياس الأحمق الذى تكوّن بالوراثة والإكتساب يُصبح الفرد القادم من قرية صعيدية عادية وليس إقطاعياً هو قادم ـ حرفياً ـ من قاع المجتمع .

هذا المقياس لن تجده فى أى إحصائية حكومية ، لكنك ستشعر به يلمس أعصابك لو تعاملت مع أى مؤسسة أو شركة قطاع خاص يمتلكها برجوازى قاهرى ، حيث أن القاهريين وأهل الاسكندرية يسكنون ـ عُرفاً ـ قمة الهرم الإجتماعى بحُكم شهادة الميلاد والتوجه الحكومى الراسخ من عشرات السنين بتفضيل الشمال على الجنوب واستئثاره بكل ما هو مُمكن فتنحدر مستوى الإمتيازات تدريجياً كلما اتجهنا جنوباً حتى تكاد تنعدم فى مناطق مُعينة ثم ترتفع مرة أخرى فى الأقصر السياحية لأنها توفّر مصادر الدخل للحكومة البرجوازية ثم تُعاود الإختفاء مرة أخرى مع الإبتعاد عن مصادر السياحة .

ويُعانى أبناء الطبقة الوسطى فما أقل مُعاناة شديدة لسببين ؛ أولهما العنصرية المقيتة التى يُظهرها ويُخفيها البرجوازيون والأرستقراطيون الجُدد والقُدامى فى المدن الكبرى والتجمعات الحضارية ، ثانياً الشعور المُترسّب داخل الفرد القادم من قَعر المجتمع راغباً فى الطفو إلى سطحه ، فهو ـ غالباً ـ يشعر إما بالإمتنان والعرفان بالجميل لكل من يمد لهُ يد العون ؛ ويتوقع دائماً أن يوجد هذا الشخص الذى ينتشله من كل مطب فى طريق الصعود ؛ وهنا قد يتحول الفرد الصاعد إلى شخص وصولى مُتسلق مُتملق حقير . وإما يشعر بالحقد والكراهية تجاه كل ما هو طبقى ، وهُنا قد يتحول لحشرة تافهة تُنادى بمبادئ وقيم ليس لها معنى إلا فى خياله فيُهدر أيام حياته فى مشاعر سلبية بالحقد على الأثرياء والمُرفهين . 

هذة الحالة ليست هى المرض الإجتماعى الوحيد لكنها الأخطر ، فصعوبة التدفق بين الطبقات الإجتماعية تؤدى غالباً إلى انتشار مشاعر الكراهية والحقد وزيادة أعداد المُتسلقين والوصوليين وهو ما يؤدى بالتبعية إلى ظهور طبقة مُتوحشة من البرجوازيين المُحدثين الذين بذلوا كل ما هو غير أخلاقى للوصول إلى وضعهم الإجتماعى ويريدون بذل المزيد من أجل الحفاظ على هذا الوضع بأى ثمن ولو على حساب الكفاءات الواعدة الحقيقية ، ويمكنك أن ترى علامات هذة الطبقة فى أسماء مُعينة من المليونيرات الجُدد منهم احمد عز وأمثاله الذى تسلّق سياسياً وإجتماعياً على أكتاف النظام الأوتوقراطى السابق ؛ والمتسلقين على النظام الثيوقراطى الحاكم حالياً .

ما نحتاجه ليس فقط إعادة تثقيف المجتمع ؛ وإنما تفعيل وسائل الترقية الإجتماعية وتمكينها فى الأماكن الأكثر تعرضاً للاضطهاد الطبقى والعنصرية ـ أعنى الصعيد بصراحة ـ وتحويل المدن الصعيدية الكُبرى إلى تجمعات حضارية حقيقية تُصبح مراكز جذب حضاري وإجتماعي حتى لا يجد الطموحون أنفسهم فى مواجهة حتمية مع مجموعة من العُنصريين البرجوازيين الحمقى الذين قد يمنعوا مواهب كثيرة من الظهور فقط من أجل الحفاظ على نقاءهم الإجتماعى المزعوم . قد ننتظر كثيراً قبل أن يحدث هذا ، قد ننتظر على الأقل حتى وجود رؤية سياسية مُخلصة تنظر جنوباً .


الاثنين، 22 أبريل 2013

بكم يدين لكم علاء الأسوانى ؟




أصدر الأديب العالمى علاء الأسوانى مؤخراً روايته الجديدة "نادى السيارات" ، صاحَبَ ذالك "ظيطة" من بعض القراء الرافضين للأسعار التى تم بها طرح العمل الأدبى حيث النسخة بـ60 جنية . وعلى تويتر وفيسبوك وجودريدز وجد هؤلاء فرصة جيدة لإظهار غضبهم العارم من دار الشروق ومن علاء الأسوانى شخصياً واتهموه بالجشع والإنفصال عن الواقع والنفاق إلى آخره . ونقلت إحدى الجرائد نداءاً عاطفياً من القراء إلى الأسوانى متسائلين "كيف تنظر فى عين قارئك الذى لا يستطيع شراء رواياتك ؟" ؛ يالها من مشاعر سلبية فياضة تلك التى تم بها إغراق الرجل وإتهامه فى ذمته الأخلاقية ؛ حسناً سأُحاول أن أعرض المشهد من هليوكوبتر بعيداً عن الهيستيريا والمشاعر المجوفة . 

هل يجب على الكاتب ودار النشر أن يدعما القارئ ويوفرا لهُ الكتب بالأسعار التى يريدها ؟ .. الإجابة لا ، هذة ليست مهمة دار النشر على أى حال ، وليس مطلوباً من أى كاتب أن ينزل بمستوى أسعار رواياته حتى يُرضى القُرّاء ، وإلا فإن قُرّاءه رخيصين لدرجة أنهم لا يقدرون قيمة الأدب ، ولو كانت الروايات الجيدة تُباع بقيمتها الأدبية الحقيقية لما استطاع شراءها إلا فاحشى الثراء ، لكنها تُباع بتقدير رمزى لقيمة الكاتب والعَمل الإبداعى ، وعن دعم الثقافة فهذة ليست مسئولية القطاع الخاص إطلاقاً إطلاقاً ، وإن فعل هذا فهو يكون من باب التطوع والعمل الخيرى لا من باب تحمل المسئولية ، لو كنتم تريدون للثقافة أن تصبح فى متناول الجميع فلتطلبوا من الدولة أن تُمكّن ذالك باستغلال أموال دافعى الضرائب استغلال صحيح فى نشر الثقافة ، لا تطلبوا من دار نشر تدفع ضرائبها للدولة أن تتنازل وتتطوع وتخفض أسعارها من أجل سواد عيونكم . 

أُريد أن أسأل الذين هاجموا الأسوانى ؛ بكم يدين لكُم علاء الأسوانى ؟ هل ـ مثلاً ـ ساندتم الرجل فى شبابه وبداياته الأدبية وجمعتم من أموالكم أموالاً لتساعدوه فى إصدار أول رواية وبالتالى عليه أن يرد لكم الجميل ؟ هل هو كاتب سئ وأنتم تشترون رواياته من باب البر والإحسان وبالتالى لا يجب عليه رفع سعرها ؟ بالطبع لا ، لا يوجد ما يُسمى أن القارئ له فضل على الكاتب أو أن القراء هم سبب نجاح الكُتّاب ، هذة أسطورة رسخها الكُتّاب الفشلة الذين يهللون ويكبرون ويلعقون ما بين أصابع القارئ مُكررين عبارات العرفان بالجميل والإمتنان حتى يستمر فى القراءة لهم ، بينما الكُتّاب الحقيقيون تكون العلاقة بينهم وبين القارئ إحترام مُتبادل ، ليس لأحدهم على الآخر فضل . وبالتالى هو من حقه أن يرفع أسعار رواياته ليجعلها تلامس السماء لو أراد مادامت قوانين الدولة تسمح بذالك ومادام الأمر لا يخضع لشُبهة إحتكار تجارى . 

من حق الأديب أن يكون متميزاً وأن يشعر بتميزه وتميُّز أسعار كتاباته لأن هذا يُعد نوعاً من التقدير ، ويمكنه لو أراد ـ تطوعاً وإختياراً ـ أن يختار خفض هذة الأسعار ، لكن لا يمكن لأحد أن يطلبه منه ذالك ، سيكون عملاً تطوعياً وخيرياً بحتاً يقوم به مواطن مصرى من أجل مواطنين آخرين ، ولو كُنتم تُريدون إجبار أحد على خفض أسعار الرواية فلتلجأوا لوزارة الثقافة أو حتى القضاء ضد دار النشر بتهمة الإحتكار ، لكن لو تمت تبرئتها ـ وأظنها بريئة ـ نعود لنقطة الأصل وليس لكم عندهم شيئاً . 

بدلاً من الضغط النفسى على أحد أهم 50 روائى فى العالم واتهامه بالطمع ، وجهوا هذة الطاقة إلى حكومتكم التى أوقفت الدعم بشكل كامل تقريباً على معرض الكتاب وأوقفت مهرجان القراءة للجميع أحد أهم الإنجازات الحضارية لمصر ، اضغطوا على حكومتكم يا دافعى الضرائب ولا تضغطوا على علاء الأسوانى فهو لا يدين لكُم بشئ . 

الاثنين، 15 أبريل 2013

أعداء العِلم

نشرت شبكة مباشر 6 أبريل على الفيسبوك منذ يومين خبراً مفاده أن طالباً مصرياً ما استطاع ابتكار نظرية فيزيائية ما ستهدم إن شاء الله نسبية أينشتين ، وتحمل كلمات المنشور فى طياتها كماً كبيراً من التضخيم للبحث العلمى الذى قام به الطالب المصرى ، كما أرفقت الشبكة بالخبر صورة لأينشتين بجوار الطالب فى دلالة واضحة على أن المصرى تفوّق على أينشتين . هكذا بدون وضع النظرية أمام مؤتمر علمى أو تصعيدها فى المحافل العلمية أثبتت شبكة مباشر 6 أبريل أن أينشتين يتلوى فى قبره بعد أن ماتت نظريته .

بصراحة كان يمكن أن يكون خبراً غثاً من جملة مخلفات الإعلام المصرى الذى على استعداد لنشر أى شئ يحمل سمة التفوق الذاتى بدون أى نوع من المهنية الإعلامية ، لكن ما استفزنى فعلاً هو ركاكة الأخلاق التى يمكن أن يقع فيها صحفى تابع لمؤسسة محترمة ونضالية مثل 6 أبريل لدرجة أن يُسئ إلى فكرة العِلم فى أذهان المصريين بهذة الدرجة ، فلا هو بحث علمى موثق أو معترف به من مؤتمر علمى ولا هو اكتشاف حاصل على براءة اختراع ولا هى نظرية تم توثيقها فى الشهر العقارى وإنما مجرد بحث دراسى تقدم به طالب لمُعلمة الذى هو أستاذ فى مجال الفيزياء ولو وجد البحث حارقاً خارقاً لتم تصعيده على المستويات العلمية ، ولا أظن أن هناك مؤامرة كونية على الطالب حتى يتم دفن عبقريته من قبل أساتذة قسم الفيزياء بجامعته . فعندما قام طالب من مدرسة ثانوية بزيمبابوى بوضع نظرية فيزيائية تنص على أن الماء الساخن يتجمد بشكل أسرع من الماء الفاتر لم يقف أحد من دولة العالم الرابع هذة فى وجه نظريته بل تم تصعيدها فى المحافل العلمية وإثباتها عملياً وسميت باسمه ويمكنكم تقصى هذة المعلومة ، إذاً فما الداعى لإثارة النعرات المازوشية لدى الشعب وإشعاره أن هناك حملة كونية من أجل إجهاض عباقرته . 

ولم يأتْ الخبر مستفزاً فقط على المستوى المهنى ، لكنه لفت النظر إلى حالة عداء العلم التى نعيشها ـ نحن العرب ـ كل يوم ونتعاطاها مع كل وجبة ، كان يُمكن مثلاً القول بأنه تم "عَكس" نسبية أينشتين ، أو أن عالماً ما أتى بنظرية مخالفة لنظرية أينشتين ، لكن أن تُصاغ العبارة بكلمة "دحض / هدم" فهذا يدل على أننا نضع العلم دوماً موضع العداء .

وعلى نفس السياق تعمل شبكة الجزيرة الإخبارية ، التى ـ بدون سبب وجيه ـ تسلك مسلكاً مُعادياً لنظرية داروين بشكل مُريب ، كأن داروين كان شريكاً لسمو الأمير حمد ثم تم فض الشراكة بسبب اختلاف على توزيع مناطق النفوذ . حيث قامت الشبكة بنشر تقرير بعنوان "الانسان اصله انسان" جاء فى ديباجته ومحوره مواد علمية مزيفة تحاول إثبات عكس نظرية داروين ، وأنصحكم بقراءة النقد العلمى لهذا التقرير من مدونة أصحاب العقول النيرة هـــــنــــا ؛ الخلاصة أن الجزيرة زوّرت ودلّست وأساءت للمهنة وخالفت أخلاقياتها من أجل معاداة نظرية التطور ، لماذا نُعادى العلم لهذة الدرجة ؟!

لا أدعو ـ وما ينبغى لى ـ إلى تقديس بعض النظريات العلمية ووضعها فى منطقة فوق النقد والدحض ، لكن أدعو إلى التعامل مع العلم بعلم ، لا بمنطق العداء والقبيلة تُشهر سلاحها ضد القبيلة ، ليس فقط لأن هذا الأسلوب مُشين ومعيب ولكن لأنه أيضاً غير مُجدى ، فمهما استخدمت الميديا من أجل تشويه سمعة فكرة ستظل المحافل العلمية والأوساط الفكرية تتبناها حتى تخرج فكرة أخرى تعكسها من المعمل لا من الاستوديو ، ما زلنا نعيش فى وهم الكاميرا التى ستهزم أنبوبة الاختبار ، لا لن تفعل ولو حدث سيكون هذا فى عقول العامة فقط لا فى عقول الذين يُديرون العالم من صفوة العلماء والمفكرين ، يُمكن للجزيرة أن تنتج بأموال قطر ألف فيلم وثائقى تُقسم فيها أن التطور خطأ علمى ، لكنها ستبقى النظرية الأكثر شيوعاً فى الأوساط العلمية حتى تخرج نظرية أخرى ولو حتى من معمل متواضع تثبت عكس ذالك ، يمكنكم مشاهدة فيديو المكانة الحقيقة لنظرية التطور فى الأوساط العلمية اضغط هـــنـــا .

الخميس، 4 أبريل 2013

رسالة إلى صديقتى التافهة

صباح الخير يا سُكّرتى . لا تحبين أن أصفك بالسُكّر ؛ ترينَهُ وصفاً شعبيّاً لا يليق بأرستقراطيتك ورُقيّك الّذين لا يراهما غيرك ، إذاً فلتكن مثلاً صباح الخير يا شمبانيا ، يا فودكا ، يا شاتو موتو روتشيلد .

اليوم ذكرى لقائنا الأول .. هل تذكريه ؟ كُنت تُمسكين بيدك آيباد رخيص مثلك تقريباً ، وتتصفحين أشعار لوركا مُتظاهرةً بالإندماج . سألتك ماذا تقرأين يا حُلوَة فأجبتِ بسرعة : "شِعر إسبانى" .. سألتك هل تُحبين الشعر فأجبتِ بعفويّة : "جدّاً" .

تحدثنا عن كازانوفا ، دون خوان ، عمر ابن أبى ربيعة ، تقاربنا وتبادلنا أرقام الهاتف . اتصلتِ  بى فى الثامنة صباحاً من رقمك الفودافون الذى حرصتِ على جعل أرقامه متشابهه كنوع من التشبث بآخر مظاهر البرجوازية ، سمعت صوتك وما زالت فى عقلى بقايا أحلام إيروتيكية ، أخطأت فناديتك بما أنادى به الرقيقات الجميلات .. قُلتِ لى صباح الخير يا عُمَر ،  تجاوبت بسرعة "صباح الخير يا سُكّرتى" . لم يُعجبك الوصف ، ولم يُعجبنى كذالك ، أنت لست سُكّر ملئ باللذة البدائية الغير مصطنعة ، أنتِ لست طبيعية وصريحة وصادقة كالسُكّر ، كان يجب أن أشبّهك مثلاً بالجاتوه البارد الجاف ، أو بالشيكولا المغلفة المستوردة التى تحتوى على مواد كيميائية تسبب الإدمان أكثر مما تحتويه من مواد طبيعية ، كُنتِ ستشعرين بالسعادة فأضحك على سطحيتك ، لكنى أخطأت فقلت "يا سُكّرتى" ، سألتِنى "من أين أتيت بهذة الكلمة ، إنها لوكال ـ شعبية" ، ضحكت وضحكتى . لم تصدقينى عندما قلت لكِ أنى صعيدى أقرب لطين الأرض من عطر النساء ، ولم أهتم بجعلك تُصدّقينى ، كنت أفكر فى شهوة صوتك الواضحة وعدم صبرك حتى الوقت الطبيعى للإتصال بالأصدقاء الجدد .

قولى لى .. هل كُنت مرتبطة عاطفياً عندما تلاقينا ؟ .. بصراحة لم أستطع أن أحصل منك على إجابة شافية ، سمعتك تقولين "لم يكن شيئاً" .. وسمعتك تقولين "لم نتوافق" .. لكنى لم أُلح فى السؤال كى أستخرج ماهية هذا الذى لم يكن شيئاً ، ولم تُسيطر عليكِ هرمونات الصراحة حتى تتحدثى بتلقائية وبساطة . كل شئ معك لم يكن بسيطاً ، إغراق فى الرسميات بشكل غريب .. حمقاء يا صغيرتى ؛ ثقافة أطباق الجيلى  سيطرت على عقلك الصغير .

سمعت أنك تقولين عنى أشياء لا تُعجبنى ، تقولين ـ مثلاً ـ أنّك تركتِنى بينما لا أذكر إلا أنى حذفتك من حياتى بلا مقدمات بعد أن شعرت بالملل ، تقولين ـ مثلاً ـ أنى كنت أتلهف كى أسمع منك كلمات الحُب ، وأنى مجوّف جذاب من الخارج هوائى من الداخل ، لن أُناقشك فى وجهة نظرك لأنى ليبرالى منفتح ، ولن أعترض عليكِ لأنى أسمح بالديمقراطية وتعدد الآراء ، لكنى سأسألك بهدوء .. متى حدث هذا يا بنت العاهرة ؟ .. متى انتظرت منكِ كلمات حُب ؟ .. متى وجدتنى مجوّفاً ؟ هل تُسقطين عاهاتك النفسيّة علىَّ ؟

لا أُريد أن أُقيم بينى وبينك حرباً كلاميه يُطلق كل واحد فيها رصاصات النذالة والشرشحة على الآخر كما فى معارك نساء الحارات الشعبية التى أثق تماماً أنك لم تتجاوزى مستواها الثقافى ، لم ولن أرُد عليكِ بمجموعة مُضادة من الشائعات رغم أن الأمر لا يحتاج أى مجهود أصلاً .. سُمعتك ستجعل أى شخص يُصدقنى مهما قلت ، وسُمعتى لم تجعل أحداً يُصدقك ولا حتى صديقتك الأنتيم .

يا داعرة المكتبات ؛ ألا تذكرين قولك "اجعلنى أشعر أنى فى حياتك ؟" هل نسيتِ كُل شئ وأطلقتِ خيالك الخصب ليخترع أشياءاً لم تحدُث ؟ أغرّك منى أنى لا أرد على مثيلاتك ؟ .. يمكننى ببساطة أن أفعل أشياءَ كثيرة ، لكنّى أُطلق لك تحذيراً تعرفين جيداً أن ما بعده لن يكون مُريحاً لشَعرك الناعم ؛ توقفى عن الهرتلة .. لا داعى لأن تنساقى وراء شهوتك القبيحة فى تشويهى أمام من يسوى ومن لا يسوى شيئاً . أقترح أن تصطحبى معكِ دائماً شاليموه طويل وتضعيه فى فمك كلما شعرت أنك ستتحدثين عنى ؛ ألا يوحى لكِ هذا الإقتراح بشئ ؟

سأتعامل مع الأمر ـ لو تطوّر ـ بمنطق الصعيد لا بمنطق البَحراويَّة الفرافير ، عودى إلى حياتك الطبيعيّة يا صغيرتى ، استيقظى صباحاً وانثرى شَعرك الجميل وتسمّرى لساعات أمام المرآة لتجعليه أجمل . تُعجبنى رائحة عطرك  ، يُعجبنى ذوقك فى إختيار اللانجيرى ، حاولى إثراء ثقافتك بأحدث الأغانى الهابطة الركيكة ، مارسى حياتك الطبيعية التى لا أُريد أن أكون جزءاً منها ، لا تذكرينى ولَو بخير ، وداعاً .

الاثنين، 1 أبريل 2013

خواطر تدور حول الأستروجين

مُقدّمة : هذا مقال ركيك جداً ومُفكّك وتقليدى لا يُعبّر أبداً عن مشاكل البنات ولا يشرح بأمانة وضعهن فى المجتمع ، كان يجب أن أُعيد كتابته لكنى لم أفعل رغم استطاعتى .. لأنى لا أهتم .
___

يعجبنى أسلوب الكاتب المصرى خالد البرى بشكل عام ، وتحديداً أسلوبه فى مخاطبة القارئ بصيغة المؤنث . ولا أظن ـ ربما أكون مخطئاً ـ أن هناك كاتب آخر قد اتبع هذا الأسلوب من قبل متجاهلاً كل ذكورية اللغة . فمهما كان موضوع المقال ترتسم على وجهى ابتسامة كلما رأيته يقول "لاحظى ـ اسمعى ـ اقرأى" .. هذا الرجل رائع لا شك . وروعته هذة لا تُستمد من ذات الفعل ولكن من تناقض الفعل مع الوسط المحيط ، الزهور ليست رائعة إذا كنت تعيش على كوكب الزهور لكنها تصبح كذالك على الأرض . وبالمثل ؛ فى وسط كل هذة الذكورية والسيطرة الأبوّية وتراجع الدور النَسَوى فى كل شئ .. كل شئ ، أصبح مجرد وجود كاتب يخاطب قرائه بصيغة المؤنث شئ رائع .

فى وطنى الجميل هناك حالة من الإنقسام الشبكى جداً اللانهائى حول الدور الذى يُفترض بالمرأة أن تتحمله فى مجتمعها ، أعتقد أن مجرد وجود نقاش حول هذا الموضوع دليل قاطع على أننا مزدوجون إحساساً وتفكيرا ، عنصريون قلباً وقالباً . معاملة المرأة كـ كائن منفصل مستقل كالشجرة والبحر والهرم ، هى تقع خارج الحيز الذى يقع فيه الذكر ، وكأن الفارق ليس بضعة ملليلترات من هرمون الأستروجين وهرمونات أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة لو وضعت فى أنبوبة إختبار ، هذة الهرمونات صنعت من نصف العالم قادة ومن النصف الآخر أتباع . لستِ مثلنا ، أنت امرأة .. لكن لا تخافى سنجد لكِ دوراً ، ما رأيك أن تكونى أمّاً فاضلة .. نعم ستكون هذة هى مهمتك فى الحياة ، أنا أب فاضل وأنتى أم فاضلة . . هذا ليس عدلاً يا ابن العاهرة .. لا يمكنك أن تُسند للمرأة دور مُسنَد لها أصلاً ، كأنك تقول لطالب صيدلة : "لقد وجدت لك عملاً ، ما رأيك أن تدرس الكيمياء ؟" ، لكن الفرق أن طلاب الصيدلة طويلى اللسان وسيردون عليك الجملة بأضعافها مُعرّضين بشرف أمك ، لكن المرأة ستتناقش ، وتتفاوض ، وتُطالب وتتظاهر فى أفضل الأحوال .

تحكى صديقتى الإفتراضية على الحائط الإفتراضى قصة حقيقية لسيدة حقيقية متزوجة من رجل حقيقى وهى عاقر ، وافقت على زواج زوجها للمرة الثانية حتى يحصل على من يحفظ السلالة النادرة من الإنقراض . وأصبحت مجرد خادمة لـ زوجة زوجها وابنهما ، وتتسائل صديقتى الطبيبة .. لو كانت هذة المرأة فى وَسَط محترم ، هل كانت لتصبح فى هذا الوضع ؟ ربما استطاعت أن تعمل وتنفق على نفسها وتمتلك قرارات حياتها فتطلب الطلاق وتعيش حرة ، ويستبد الخيال بصديقتى فترى المرأة وقد تبنّت طفلاً يعوضها عن عدم قدرتها على الإنجاب . أحافظ على أنفى من الإنفجار فلا أُطلق شخرة تمتد كسرب حمام من بغداد إلى الصين إعتراضاً وإستهجاناً لكل ما هو ذكورى سلطوى ، لكنى سأطرح سؤالاً كمثقف جنتلمان محترم .. لماذا يحدث كل هذا ؟

ما الذى يمنعها من العمل وطلب الطلاق وتبنى طفل ؟ هناك أشياء .. من هذة الأشياء مثلاً أن كثيرون سيصفونها بالداعرة المطلقة التى تعيش بمفردها ، بالمناسبة غالباً الذين يصفون أى امرأة بهذة المجموعة من الصفات يكون هذا تعبير عن رغبة مكبوتة داخلهم فى أن يصبحوا أحد الذين يشاركونها السرير ، فيطلقون من أدمغتهم فكرة أن هناك كثيرين قد فعلوا هذا من قبل لكى يبرروا لأنفسهم الشهوة ، والشهوة ليست عيب أصلاً فى حد ذاتها لكنهم تربّوا من آبائهم وأمهاتهم على أن الشهوة عيب ويجب تبريرها ، لا يمكن لأحد أن يقول "أشتهى تلك الفتاة" دون أن يضيف تبرير "الشر*ـو*ـة" .. يعتقد أنه ليس من حقه أن يشتهيها لو كانت ملتزمة أخلاقياً . ما علينا .. نعود للموضوع ؛ إذاً فما يمنع هذة المرأة من الطلاق وتبنى طفل ليس أن الرجال يشتهونها ، طبيعى أن يشتهيها الرجال لو كانت جميلة فتلك غريزة . لكن أن الرجال الذين يشتهونها سينغصون حياتها ، لأنهم متربيين على أن الشهوة معناها الرخامة والرذالة والوقاحة . إذاً أول شئ يمنعها من الإستقلال هو سوء تربية ذكور المجتمع .

وربما لأن هذة المرأة ـ والمرأة المصرية عموماً ـ تُمجّد المجتمع البطريركى وتمارس قواعده بإخلاص ، والبطريركية هنا هى مجتمع قيادة الذكور . عندما قالت لها صديقتى "لماذا لم تطلبى الطلاق" .. قالت : "إلى أين أذهب !" ، إنها امرأة ضعيفة تحتاج إلى رجل تلجأ إليه ، أى رجل .. أب / أخ / زوج / ابن . المهم أن يكون إنسان لديه نسبة كافية من التستوستيرون تكفل له إحترام المجتمع وتمنحه ـ عُرفاً ـ صك التفوق النوعى . ويُقال أنه منذ عشرات الآلاف من الأعوام كان المجتمع ماترياركياً تقود فيه النساء العالم ، لكن الأمر فشل بشكل أو بآخر ، ثم قارب الجنس البشرى على الإنقراض منذ مائتى ألف عام تقريباً حتى لم يتبقى إلا بعض الأفراد كان من بينهم الأنثى التى استطاع نسلها الإستمرار حتى اليوم ، جدتنا الكبرى . ومن بعدها انقلبت الموازين فى إتجاه السيطرة الذكورية ، فأصبح الرجال على مر الأجيال هم الأقوى عضليّاً وربما عقليّاً بحكم إضطلاعهم بمهام إدارة العالم ، وتطورت مشاعر المرأة فى إتجاه الإرهاف وتغيرت أولوياتها لتصبح المرأة الناجحة هى من تمارس دورها الثانوى بشكل مثالى . لكن مع التسارع الزمنى الذى حدث فى العقدين الأخيرين أعتقد أننا فى الوقت المناسب لتخطى البطريركية بشكل كامل ، وبالطبع لا يعنى هذا الإرتداد للعكس لكن التوسط ، حاجة زى أبوالفتوح كده مع فارق البيض .

لكن تجاوز بطريركية المجتمع وذكوريته ليست شيئاً سهلاً ، والدعوات التى يوجهها المتنورين الغرورين بالتحول إلى الإعتدال الفكرى الآن وفوراً هى مجرد هراء فارغ ، تجاوز الذكورية يحتاج أجيال كثيرة ، وربما عشرات السنين نقضيها فى تأهيل أجيال من الفتيات وتربيتهن بشكل ملائم للإضطلاع بالقيادة ، سيحدث هذا بالطبع بعد تمكنهن من قيادة السيارة فى السعودية أولاً !

إذاً فالقضية تكمن فى الأشياء الصغيرة ، النظرة المُجتمعيّة ، الشعور الداخلى بالضعف . وهو ما يمكننا نظرياً تغييره حتى وإن تطلب ذالك وقتاً ، لكن على أرض الواقع هناك نكسات كثيرة تحدث فى مجال تحرير المرأة ، ويمكنك أن تقارن بين العصر الذى قامت فيه هدى شعراوى عام 1919 ومعها نساء مصريات متنورات بتمزيق البراقع فى ميدان التحرير ، وبين عام 2013 الذى أصبحت فيه كثير من الفتيات لا تستطيع المجاهرة برفضها للحجاب . نحن فى إنتكاسة حقيقية ، سببها تزايد التيار الدينى المتطرف وسيطرته بتشريعاته البربرية على المقدرات النفسيّة للمجتمع ، فإن كان تحرير المرأة هو تغيير نظرة المجتمع لتصرفاتها فإن هذا مستحيل فى ظل نظام تشريعى شمولى ثيوقراطى ، وإن كنا نحتاج لتغيير نظرتها لنفسها وشعورها بالإحتياج فإن ذالك مستحيل ما دامت مقتنعة بأنها عورة . من أين تأتى البداية إذاً ؟ .. من مواجهة التطرف الدينى .

ها قد مارست دورى التنويرى وأرضيت ضميرى الميت وأرشدتكم إلى طريق البداية ، لكنى ـ بصراحة ـ لن أُناضل فى سبيل تحرير المرأة ، تماماً كما أنى لن أناضل فى سبيل تحرير الشعب الأوغندى مثلاً ، أبناء أوغندا أَولَى بالنضال ، لو كنت امرأة لما تركت حقى يضيع . لكن بما أنى رجل فلن أُجهد نفسى من أجل بعض الحمقاوات الراضيات بضياع حقوقهن ، غفر الله لقاسم بك أمين الذى لطالما تلقى الإهانات من نساء أَلَفن حياة العبودية . ببساطة لن تحرر المرأة إلا المرأة ، وأى محاولة تحررية لا يكون جوهرها نسوى بحت ستبوء بالفشل .