الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

الأزهر والإلحاد




منذ ما يقرب من تسعمائة عام ، كان الراهب الفيلسوف الإيطالى توما الإكوينى يعقد مناظرات مع المُلحدين ومنكرى وجود الله ، وانتشر الزخم الفكرى فى النقاش ما بين المؤمنين والملحدين ، حتى أن كبار الفيزيائيين والرياضيين كانوا أطرافاً فعالة فى هذة النقاشات ، كان هذا بعد أن أدركت الكنيسة الكاثوليكية أن تجاهل التيارات الفكرية ومحاولة قمعها هو إتجاه غير كافى لوقف المد الرافض لسلطات الدين ، فلجأت إلى صنع تيارها العقلانى الخاص بها عن طريق قساوسة متخصصين فى دراسة اللاهوت وتقريبه للعامة والإحتجاج به ، وكان على رأس هؤلاء كما ذكرنا توما الأكوينى الذى استطاع صناعة مدرسة فلسفية خاصة به تركت آثارها على الفلسفة الغربية بشكل عام .

هذة هى طبيعة الأشياء ؛ والطبيعة المثالية التى يجب أن تنتهجها أى مؤسسة دينية لها عقل ، أن تجد لك معارضين لهم عقول يُدركون بها فترد عليهم بالمنطق والعقل وتُصدر لهم كفاءاتك الفكرية ، وإن أردنا أن نطبق الأمر على حالة مماثلة فى الوطن ، فإن أعيننا تتجه صوب المؤسسة الناطقة باسم الإسلام المعتدل حول العالم ، عن الأزهر الشريف أتحّدث .

عندما أعلن مواطن مصرى بسيط أنه كفر بالله رداً على نقص العدالة فى توزيع الأرزاق "من وجهة نظره" ؛ كنت أتوقع من المؤسسة التى أعطاها كل مسلم معتدل تفويضاً للحديث باسمه أن ترد على هذا المواطن وتلاقيه الحجة بالحجة ، وما أحسب أن له حجة قوية أصلاً أو أنه قد إتجه إلى الكُفر إقتناعاً أو بعد دراسة ، وكان يكفى جداً بعض الكلام معقول الوزن من عالم دين أزهرى فاضل حتى يقتنع هذا اليائس أن الإتجاه الرافض إطلاقاً ليس هو الحل ..

لكن الأزهر الشريف تجاهل الأمر تماماً كما تعود من قبل أن يتجاهل كل المصائب التى تحيط بالإسلام ديناً ، وكما تعود أن يتجاهل الأفواج التى تخرج من دين الله ، وكما تعود أن ينغمس فى السياسة حتى النهاية ناسياً بمجلس علمائه وشيوخه الأجلاء مهمته الأساسية وهى الدفاع عن هذا الدين والرد عن المسلمين الذين أودعوهم أمانة الدعوة ، سكت الأزهر ولم يحر رداً كأن هذا الرجل قد خرج من الدين البوذى إلى الدين الهندوسى وليس لنا من الأمر شئ ، ثم نطق الشيخ على المهدى وكيل وزارة الأوقاف وليته ما نطق أبداً ، خرج ليقول أن "من يُشرك بالله فيجب عرضه على طبيب نفسى" ! ( الفتوى هــنــا )

ألا تستحى يا رجُل ؟!
ألا تدرك كم مسلم سابق فى هذا المجتمع ؟
ألا تُدرك يا شيخنا الفاضل يا من درست العِلم الشرعى فى الأزهر الشريف أن الإمام أبا حنيفة كان يناقش من يرتد عن دين الله ويلاقيه الحجة بالحجة ، وأن الإسلام دين المنطق لا دين التفسيرات المُسبقة ، إن كان ما درسته وما عَلمته من دين الله لم ينفعك فى شئ حتى أن ردك على الخروج من دين الله كان دعوة عقيمة للعلاج النفسى ، فما أسوأ علمك إن لم تنفع به دينك .

تستمر مهزلة التجاهل ؛ يخرج المسلمون من دين الله كما دخلوه أول مرة أفواجاً أفواجا ، فلا نرى مثلما فعلت الكنيسة فى العصور الوسطى ـ على ظلمها وبشاعتها ـ من الإهتمام بتقريب المُفكرين الدينيين وتنظيمهم فى مدرسة فكرية تهدف للدفاع عن الدين ، وإن كنت أعتب على أحد فلا أجد إلا الأزهر ، لكنه عتاب المُحب المخلص ؛ وعتاب المُسلم الغيور الذى أرهقه الهزال الفِكرى والجدب العقلى الذى تعيشه مؤسساتنا الدينيه ، حتى أنى لم أرى حتى الآن الأزهرى اللبق المُتحدث العالم الذى يجادل الخارجين من الدين فيعيدهم إليه ، ولنتساءل هل ترك الأزهر هذة المهمة للشيخ ديدات والشيخ عمر عبدالكافى ؟ ، وهل تكفى جهودهما وغيرهما من الجهود الفردية ؟

إن الأمر يحتاج لعمل مؤسسى لا عمل فردى ، وما كان عمل الأفراد فى هذا العصر لَينصر ديناً ما لم يصاحبه دعم مؤسساتى قوى ، لكنى أحزن إذ أرى مؤسسات متخصصة فى نشر الإلحاد مثل تلك التى أسسها العالم البريطانى من أصل كينى ريتشارد دوكينز ، ولا أرى من أزهرنا إلا دعماً لهذا المرشح السياسى أو ذاك ، وفتاوى عن النقاب والحيض والنفاس .

لنتخذ أُسامة درة كمثال ؛ هو شاب مصرى كان ينتمى لأحد التيارات السياسية الدينية التى لديها القدرة على جعلك تميل للكفر أكثر من ميلك للإيمان ، وبعد أن انفض من هذا التيار الإسلام ـ سياسى ؛ أخذ يُعمل عقله فى القضايا الدينية والأفكار الإلحادية ، وانتهى إلى أن يتخلص من الإسلام تماماً ، هذا موقف من الممكن أن يتخذه أى إنسان لديه عقل ، فالإيمان إن لم ينشأ عن يقين قوى وإقتناع صادق فهو أقرب للجهل ، وجميعاً نذكر تجربة الدكتور مصطفى محمود ولا داعى لسردها ، ترك أسامة درة الإسلام تماماً وكتب عن ذالك مقالاً يشرح فيه أسبابه ، وتصدى للرد عليه أحد العلماء الشباب الذين تلقوا علمهم الشرعى فى الأزهر الشريف ؛ وهو الشيخ أسامة الأزهرى ؛ ورد عليه أسامة درة بمقال آخر .. ؛ كان سجالاً رائعاً لمست فيه الرُقى فى كلا الطرفين ، ولمست فيه الضعف والوهن الذى ينخر فى عظم الأفكار الأزهرية ، وأدركت ما وصلنا إليه بعد عقود وعقود من تجاهل الإقناع الدينى والإتجاه إلى سياسة فرض الدين كأمر واقع ، فلم يعد بيننا توما الأكوينى الأزهرى الذى يستطيع أن يصبغ النقاشات بالصِبغة العقلانية بعيداً عن سياسات التشكيك فى الآخر وفى قواه العقلية وفى مهاراته البحثية ، كل ما فعله الشيخ أسامة الأزهرى أن شكك فى قدرات أسامة درة على البحث ، ولم يخرج بجديد ، وأعذره تمام المعذرة ؛ فمن أين يأتى الرجل بجديد إن كان قد تلقى جديده وقديمة من الأزهر الشريف الذى لم يتعامل من قبل مع قضايا منطقية ، وانشغل مشايخه بالصراعات السياسية والمذهبية.

دعونى أُنعش إحساسكم قليلاً ، وأُرهق ضمائركم قليلا ؛ وألفت أنظاركم الغافلة إلى المُعدل الغريب الذى ينفلت به الشباب المسلم من دينه ، حتى لأنى شخصياً أعرف فى نطاق جامعتى الصغيرة 7 ملحدين معرفة شخصية ، منهم ـ والله على ما أقول شهيد ـ طالب زميل يدعى الإنتماء للفكر السلفى بينما صارحنى بشكل ودى أنه لا يؤمن بالصلاة ولا الصيام ولا الرسول ولا الملائكة لكنه يتخذ السلفية غطاءاً للحياة مع أبيه السلفى ! ؛ وما ألومهم إن فكروا فلم يجدوا من يلاقى عقولهم ، لكن أسأل شيخ الأزهر ومن معه ؛ كيف ستلاقون الله وقد غفلتم عن نصرة دينه بالعقل والمنطق والتجأتم إلى الجهل وفرض الأمر الواقع وتجاهل الآخر ؟

يا سادة إن الأمر ليس هين أو قليل الشأن ، أنتم تتعاملون مع مسلمين سابقين يومياً ، تصاحبونهم فى قاعات الدرس وتقفون معهم وتلاقونهم فى الشارع وجهاً لوجه ، والأزهر ينام مادّاً قدميه مُعلناً أن من يكفر بالله فهو مريض نفسى يجب علاجه ، وكأنى أرى اليوم الذى يتحول فيه الوطن إلى أغلبية مُلحدة تلاقى أقلية متدينة ويظل الأزهر على عنجهيته بأن من يكفر بالله مريض نفسى ، إذاً فلنعالج فولتير وبرنارد شو وأرسطو هؤلاء المُلحدين الذين لا يؤمنون بالله بديلاً عن أن نناقشهم ، لو سمعكم الفيلسوف توما الأكوينى لخر مغشياً عليه من الضحك والحزن ، إنكم تُقدمون بتجاهلكم وجهلكم أقوى دافع للخروج عن دائرتكم ودائرة دينكم ، وتقدمون صورة مُسيئة لهذا الدين ، فإما إصلاح الأزهر أو البحث عن مؤسسة بديلة تلاقى المد اللادينى .

عُمر أبوالنصر
25/12/2012

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

أقولك على سر ؟



عارف نفسى فى إيه يا عُمر ؟
نفسى يبقى عندى فلوس كتير ، مش علشان أنا طماعة ، لكن علشان أخلى أهلى يعيشوا كويس ، وأخواتى يتعلموا كويس ، وأمى تبطل تبكى ، نفسى بجد أمى تبطل تبكى ..
ونفسى أشوف أبويا بيضحك منغير نظرة وجع فى عينيه ؛ تفتكر الأحلام دى مستحيلة ؟

آه مستحيلة ..

بجد ؟

آه .. تحبى أقولك إنها ممكنة ؟

لأ متكدبش عليا ..

اسمعينى .. مشكلتك مش شخصية ، إنتى عايشة حالة الوطن ، مافيش أم مصرية مش بتبكى ، مافيش أب مصرى عينيه خالية من نظرة الوجع .. قولى يارب ..

___

ليه مقدمتش المشروع بتاعك لمسابقة أبحاث مكتبة الأسرة اللى تبع المحافظة ، فكرتك جامدة وأكيد كانت هتاخد مركز كبير أو ممكن تتأهل جمهورية ..

ومين قالك إنى مقدمتش ؟

طيب أومال ايه ؟

أبداً يا سيدى ، أخدت المركز التانى ورفضوا يأهلونى للمرحلة النهائية فى القاهرة ، ولما سألت قالولى بالنص "منقدرش نطلع الأول على أسيوط واحد نصرانى" ..

إيه ؟!

شيبسى وكاراتيه ؛ زى ما باقولك كده ، كنت فى تانية اعدادى ومقدرتش أستوعب اللى بيقولوه ، بس فاكر إنى قعدت أعيط ورحت لأبويا وحكيتله اللى حصل ؛ قاللى بس مش عايزين مشاكل أحسن يطلعونا من البلد ..

إيه ؟!

مندهش ليه ؟
أنت عارف المسيحيين بيتعاملوا ازاى فى البلد دى ولا انت من كاليفورنيا ؟

عارف يا عم بس مكنتش فاكر للدرجادى ..

يبقى أديك عرفت إنها للدرجادى ، من ساعتها وأنا ممسكتش مفك فى إيدى وكرهت الهندسة والكهربا والإختراعات وكل حاجة ، ولو شفت حد بيعمل حاجة تفيد البلد دى بابقى عايز أقوله إنفد بجلدك ، موهبتى ضاعت علشان أنا "نصرانى" .. 
فاهم ولا هتقوللى "إيه" ؟!


___


تفتكر الواحدة ممكن تجيب أطفال من واحد هى مش حاسه معاه بالأمان ؟

أنا شخصياً باحب البطاطس ..

بطل هزار يا عُمر ..

حاضر ، أنتى نفسك فى أطفال ؟

أوى أوى أوى ، بس مش عايزة !

البطيخة ..

بس بقى باتكلم جد ..

إزاى نفسك فى أطفال أوى ومش عايزة ؟

مش عايزه أطفال يكون هو أبوهم ، أنا مختارتش الشخص ده علشان يكون جوزى ، ومش هاختاره يكون أبو أطفالى ، عايزه ابنى أو بنتى يكونوا فى أسرة صح ، أسرة بتحب بعضها ، أنا مش باحبه وهو مش بيحب غير جسمى ، أنا اخترت "ضِل راجل" وهو اختار "جسم بنت" ، مش عايزة ولادى يكونوا ناتجين من زواج ضِل راجل وجسم بنت ..



___

عارف صاحبتى اللى حضرت فرحها من شهرين ؟

آه ؛ مالها ؟
ولادها دخلوا المدرسة ؟

لأ .. اتطلقت ..

إيه ؟ .. بجد ؟ .. هى لحقت !!

جوزها بيضربها وبيهينها وبيشتمها بأهلها ..
وأخو جوزها بيشتمها وبيعاملها وِحِش ..
وحماتها بتشتمها ومطينة عيشتها ..

طيب ليه أبوها مش بيتدخل ويحميها ؟

أبوها راجل طيب ومالوش فى حاجة ، غلبان .. بص من الآخر هو راجل عبيط ومش قادر يجيب حق بنته ..

طيب مالهاش أخوات ولاد ؟

أخوها أكبر منها بأربع سنين مطلعها هى غلطانة وقاللها "مش عايز أختى تبقى متطلقة" ..

فيه كده ؟!!

وأكتر .. جوزها هيرجعها ورجلها فوق رقبتها منغير أى شروط ، يعنى هترجع تتبهدل أكتر منغير ما تقدر تفتح بقها !

ياااااه !! ..

عارف إنها مش بتطيق تسمع صوته ، ولا بتطيق تنام معاه ، وليلة الفَرَح كان يوم أسود عليها علشان بيتعامل على السرير زى الحيوان ، هى أصلاً مش بتقول عليه غير الحيوان ، لكن قدامه مش بتقدر تفتح بقها ، علشان متبقاش "مُطلقة" ، وانت عارف الناس بتبص ازاى للمطلقة ، يعنى مستحملة تعيش مع واحد زى ده بتكرهه وبتكره أهله وبتنام معاه على نفس السرير بس علشان متبقاش مُطلقة ..

عُمر .. أقولك على سر ؟ .. "إحنا فى مجتمع مريض" .. بس متقولش لحد .. 




الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

إنسان يُشبهك




القطار 982 المتجه من بنى سويف لأسيوط ، لابد أن هذة العباره جعلتك تعتقد أنى سوف أتحدث كالعادة عن شئ ما يحدث داخل القطار ، أو مجموعة أشياء طبيعية أحاول أن أجمعها فى تدوينة لتوثيق الزَمَن ، لكن هذة المرة الأمر مختلف بعض الشئ .. حسناً يجب أن نقول بصراحة أن الأمر يختلف كثيراً .. اقرأ ما أكتُب عليك ..

كنت أقف بجوار باب القطار حيث أعتاد الركاب أن يتخذوا هذة المنطقة كـ "منطقة تدخين حرة" ؛ أنتظر حتى يأتى أمر الله وأفرغ من النظر الغير هادف عبر زجاج الباب لأعود إلى مقعدى ، وإذا بخطأين من أخطاء الجنس البشرى قادمين تجاهى ، طفلان قد تجردا من كل معانى الطفولة ، يحملان على أجسادهما ما يكفى لإدانة البشرية كلها بتهمة الإهمال ، يحملان صندوق ورنيش كان يجب أن يكون صندوق ألعاب .. أحدهما فى الثالثة عشرة من عمره بأقصى تقدير ، وثانيهما يصغره بسَنَتين ربما ، بيد الأكبر "كيس شيبسى" يبدو بوضوح أنه قد اكتسبه صدقةً من أحد الركاب ، وبيد الآخر "كانز كوكاكولا" ؛ وتبدو على وجوههما البائسة نظرة الفرح المقتطع من البؤس ، وكأنهما قطتين شاردتين وجدتا مأوى ..

جلسا على الأرض متلاصقين تماماً وثالثهما صندوق الورنيش ، ربما يقتسمان سعادة الوجبة الغير متوقعة من الشيبسى والكولا ، وربما يتقيان شر البرد القاتم ، كنت أقف على قدمى وهما جالسان وأتحاشى النظر إليهما كى أتقى شر الشعور بالذنب أو الإنفجار فى البكاء وسط مجموعة من المدخنين ، لكن إن حاولت الإبتعاد عن الشعور بالذنب ، فإن هذا لا يعنى أن الذنب لا يطالك ..

أورنشلك الجزمة دى ؟

هكذا قال الطفل الأكبر موجهاً فمه لى .. ورافعاً كفه الصغيرة ـ التى يبدو عليها أثر سوء التغذية ـ من أعماق كيس الشيبسى ليضعها على حذائى ..

نزلت إليهما وأنا ألين بصوتى عسى وجع القلب يختفى  .. "لأ يا حبيبى ده مش بيتورنش" .. شكراً لِيك ..

لم يرُد على ، لكن انهمك حتى النهاية فى إلتهام الشيبسى بطريقة بدائية .. وانغمس رفيقه فى شُرب الكوكاكولا .. وما هى إلا لحظات قلائل وانتهت متعتهما السريعة وعادا إلى عالم الواقع ..

حمل الصغير صندوق الورنيش واتجه ناحية الباب الفاصل بين عربات القطار كى يفعل ما يفعل ويستجدى من الركاب مسح أحذيتهم ، بينما أخوه الأكبر يجمع شتات نفسه ويحاول الإفاقة من غيبوبة متعة الشيبسى ليلحق به .. وأنا أدرت وجهى إلى خارج القطار حتى يذوب كل شئ داخلى ..

وهنا أتانى الصوت الذى يكسر القلب كسراً ، صوت الطفل الصغير يصرخ بهيستيريا لم أكن أعرف أن طفلاً فى سنه قد يملك الطاقة لها ، وكأن روحى تكسّرت قطعاً بينما أراه مُلقى على أرض القطار مُمسكاً إصبعه النازف دماً يختلط بالتراب ، ورأيت شخصاً يمسك بالباب الفاصل بين عربات القطار ، وأدركت أن هذا الباب قد دهس إصبع الصغير الذى ترك لتوه أسطوانة مليئة بالسائل الغازى البارد كان يتيه بها فرحاً رغم البرد ، وفى هذا البرد القارس يمكن أن تُدرك الألم الناتج عن دهس إصبعك بباب حديدى حتى يتدفق الدم منه ، ويمكنك أن تتخيل كم هذا الوجع على طفل لم يتجاوز الحادية عشرة ..

ووسط مجموعة "رجال" قام أحدهم بدهس إصبع طفل للتو ، كنت أتوقع أن تتكاتف الأيدى لحمل الصغير أو التخفيف عنه أو حتى إستكشاف ما حدث له ..

لكن ـ وقسماً بربّى أن هذا ما حدث ـ رأيتهم جميعاً يضحكون ما بين ساخر ومندهش ومشجع ، حتى أن الذى دهس الإصبع الصغير سار فى طريقه دونما أدنى شعور بالمسئولية بعد أن ألقى نظرة خاطفة على الجسد الصغير الذى يتلوى ألماً ، ومات شعوره بالمسئولية عندما رأى جسده الواهن وملابسه الرثة وصندوق الورنيش بجانبه .. فقط احتضنه أخوه الأكبر وهو يصيح بنبرة لن أنساها ما حييت "مالك ياخوى !" .. بينما من حوله فى حالة لامبالاة ، حتى لَتَحسب أنك فى جنازة الشعور الإنسانى ..

ذُهلت للألم ، وذُهلت لمن يتحمل الألم ، وانهزَمَت روحى أمام الحالة اللابشرية التى تحدث أمامى ، أندفعت بجسدى على الأرض أمسك يد الصغير بيدى ورأسه أضمها تجاهى ، وبحثت عن الجرح الذى وجدته نازفاً مؤلماً قد زاده البَرد ألَماً وأضافت إليه الأتربة على الإصبع الصغير ألماً مُضاعفاً وإحتمالاً أكبر لخطورة الحالة ..

تذكرت هنا ما سمعته من صديقة طالبة طب تحكى عن طفلة اضطرُّوا لبتر اصبعها بعد حالة إصابة تضاعفت بفعل التلوث بالأتربة ..

وتذكرت وجه الشاب الذى صدم إصبع الطفل ثم نظر إليه فوجده فقيراً ضعيفاً مُهملاً فأعطاه ظهره ..

هل لو كان هذا الطفل من أبناء الطبقة الراقية ، أو الطبقة "الحيّة" على أقل تقدير ، هل كان ليجرؤ أن يتركه يتلوى ألماً ؟

لو كان له أب يذود عنه ، أو دولة تحمى حقوقه ، أو تضامن مجتمعى يكفل عدم إهانة بشريته ، هل كان ليُترك هكذا ؟

أما يكفيه ذل مد الأيدى لأحذية البشر ، والتكسب من لعق التراب ، حتى نزيد عليه مع طفولته ذل الإهانة والوجع .. ؟

وببعض المناديل الورقية وزجاجة ماء ، قمت بعمل بعض الإسعافات البسيطة للطفل حتى نصل لأسيوط "التى كانت اقتربت كثيراً" فأسير معه إلى أقرب صيدلية للتغيير على الجرح ..

وكان "الرجال" حولى قد أصابهم الصمت بسهمه عندما رأونى أحاول تهدئة الطفل وتخفيف ألمه ، بينما اختفى المُجرم الذى دهس إصبعه .. ووصلنا أسيوط وبجهد جهيد أقنعته وأخوه الأكبر أن أصبعه يحتاج لعلاج من الصيدلية وأنهما لن يدفعا شيئاً ..

لم أُحاول أن أتحدث فى "الرجال" الصامتين فاقدى الشعور البشرى ، أدركت تماماً ما حالة التبلد الحسى التى وصل إليها المجتمع .. لقد فقدوا مشاعرهم للأبد ..

عُمر أبوالنصر 
13/12/2012

للتحميل فى صيغة PDF إضغط هــنــا

السبت، 8 ديسمبر 2012

تحميل كتابات عمر أبوالنصر PDF


 ـ تحميل قصة عمل شريف إضغط هـــنــا ..

إنّهُ أكثر من مجرد جِنس ؛ هو عمل منظم له خلفيات ثقافية وتاريخيّة وله علاقة بتطور الجنس البشرى والتطور السيكولوجى للنفس البشرية ، هل تعلم أن العالم الثالث فقط هو الذى يقتصر العمل بالدعارة فيه على النساء ؟ ؛ فى المكسيك مثلاً توجد بيوت دعارة ذكورية تذهب إليها النساء لممارسة الجنس ودفع المال مقابل ذالك ، وفى بعض المدن اليابانية يمكنك أن تطلب  الجنس ديليفرى عبر الهاتف  فيصلك إلى باب غرفة الفندق فتاة أو شاب حسب جنسك ..


***


ـ تحميل قصة جنس بشرى إضغط هـــنــا ..

لا شئ قد يتحمل ضغط العشق يا صديقى ، لا شئ على الإطلاق ، ألم تسأل نفسك لماذا تحدث الزلازل وتتفجر البراكين وتنهار الجبال الجليدية ؟

***


ـ تحميل قصة إنسان يُشبهك "قصة حقيقية" إضغط هُــنــا ..

جلسا على الأرض متلاصقين تماماً وثالثهما صندوق الورنيش ، ربما يقتسمان سعادة الوجبة الغير متوقعة من الشيبسى والكولا ، وربما يتقيان شر البرد القاتم ، كنت أقف على قدمى وهما جالسان وأتحاشى النظر إليهما كى أتقى شر الشعور بالذنب أو الإنفجار فى البكاء وسط مجموعة من المدخنين ، لكن إن حاولت الإبتعاد عن الشعور بالذنب ، فإن هذا لا يعنى أن الذنب لا يطالك ..



الجمعة، 7 ديسمبر 2012

عـَـمَــل شَــرِيــفْ

                           
                          للتحميل فى صيغة ملف PDF إضغط هــنــا



أعرف أنك تتساءل ما هى الظروف التى قادتنى للعمل كداعرة ، صدّقنى الأمر ليس بيدى ، لن اتلو عليك الأسطوانة ذات الألف شرخ بأنى اُضطررت إضطراراً لهذا العمل ، لم يُجبرنى أحَد ، أبى لم يكن بالغ الثراء ولم يكن فقيراً ، أمى كانت متدينة ولم تكن متطرفة ، ربما الأمر له علاقة بالجينات أو المحتوى الوراثى أو الأثر البيئى أو أى تعبير علمى معقد ، هل تعلم أنه فى بريطانيا حدث أن أنقذ أحد المحامين قاتلاً من حبل المشنقة بأن قدم شهادة علمية أن هذا المجرم مضطر للإجرام بحكم جيناته الوراثية ، الأمر يختلف عن "شهادة معاملة أطفال" أو "شهادة الإضطراب النفسى" التى  يقدمها المحامون فى العالم الثالث ليدفعوا عن موكليهم صفة الجريمة وينسبوا إليهم صفة الجنون ، فى بريطانيا استطاع المحامى إثبات أن موكله صحيح العقل تماماً لكن جيناته الوراثية تدفعه إلى الجريمة ، وحَصَل القاتل على البراءة فى حادثه فريدة من نوعها ، ربما لو أمسكونى فى قضية دعارة سأقول للقاضى أن جيناتى الوراثية تدفعنى لأن أفتح أقدامى للرجال ، وسيقتنع القاضى ويدعوا عالم بيولوجيا جزيئية وخبير هندسة وراثية ليدليا بشهادتيهما بعد أن يخضعونى لفحص جينى ، أو سينظر لى القاضى بقرف وهو يطلق حكمه الذى ربما سيكون السجن لمدة تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات حسب تقديره الشخصى .

ربما أبحث عن المال ، لكن لماذا لم أتوقف عندما أصبح لدىَّ الكثير منه ؟ ، أستبعد تماماً إحتمالية البحث عن المتعة لأنى لا أعرف ماهية هذا الشئ ، الجنس بالنسبة لى هو عمل لا أكثر ، كل هذة الأصوات التى أصدرها تكون مُسجّلة داخلى مسبقاً ولا تدل أبداً على حالة شبق ، حَدَث مرّة ولم أتوقف عن إصدار الأصوات حتى بعد أن توقف سمو الأمير عن إمتطائى ، كنت أفكر فى أمور أخرى ولم أنتبه أنه اكتفى ولم أوقف آلة الصوت داخلى ، ولولا أنه انهمك فى الضحك قائلاً "كنت أعرف أنك تمثلين" لما مر الأمر بهدوء .

يوماً ما كنت أشعر بالمتعة الحقيقية ، وكانت الرغبة فى هذة المتعة تدفعنى دفعاً إلى شقّة "شريف" فى الطابق الخامس ، كان يعرف جيداً كيف يسيطر على جسدى هذا الذى ظننت دوماً أنه لا يمكن السيطرة عليه ، كان يحرك كل شئ داخلى لأشعر أنى أنثى حقيقية فى الثالثة عشرة من عمرى ، شريف كان جارنا الأعزب القادم من بلاد النفط ليدرس الطب فى بلاد النيل ، ولأن شيئاً ما بداخلى كان طفلاً انجذبت إليه بشدة ، أو ربما انجذبت إلى فرصة التفريغ الجسدى التى يوفرها لى ، لم أبحث عن الحب معه أبداً رغم إنهمار كلمات العشق من بين شفتيه ، لا أدرى ما الذى كان يجعله وهو الثرى الوسيم الذى تجاوز العشرين من عمره ليمطرنى بكلمات الحب حتى يتمكن من جسدى ، ولو كان ذكياً لأدرك أنى سأمنحه جسدى بلا مقابل عاطفى ولا مادى ، بل وسأمنح جسدى لكل من أجده آمناً ، بينما كانت أمى تنام بعمق كنت أخرج ببساطة إلى الطابق الخامس حيث أجد شريف ينتظرنى برغبة حقيقية وعشق متصنّع ، حتى كان اليوم الذى وجدت فيه بجوار العشق والرغبة كاميرا فيديو تبدو أنيقة وصغيرة الحجم ، وأكّد لى أنها لتصوير ذكرياتنا الجميلة سوياً ، وبينما كنت أستعرض جسدى الناضج جزئياً أمام عدسة الكاميرا كانت الأفكار تتحرك داخل عقل شريف ليستغل هذا الجسد بأقصى درجة ، وفعلنا ما نفعله ولكن هذة المرة تحت عين مضيئة ترصدنا ، ونزفت شهوتى واستنزفت جسدى كالعادة وعدت إلى سريرى واستيقظت أمى صباحاً لتعد لنا الإفطار واشترى أبى الجرائد وقرأ علينا باب الأبراج الفلكية ، وفى نفس الوقت كان شريف يستعرض أمام أصدقاؤه الخارجين لتوهم من الرمال جسدى العارى وإنتفاضاتى السريرية متباهياً بإمتلاكى وعارضاً جسدى للبيع مقابل أى شئ ، حشيش أو مال أو حتى مُلخصات دراسية ، قال لى : لن تجدينى اليوم لكن ستجدين صديقى فافعلى معه كما تفعلين معى ؛ لم أوافق فى البداية لكنه استخدم سيف المعز وذهبه ، التسجيل الذى قال أنه سيريه لأبى وأمى والمتعة التى وعدنى أن أحصل عليها من صديقه ، كان يعرف أن المال لا يعنينى فى شئ حينها ، ذهبت فوجدت ما عاهدنى عليه ، كان شاباً استأجر جسدى من شريف ومارس حقوقه الذكورية عليه حتى ساعة متأخرة من الليل و مبكّرة من الصباح ، واستنزفت جسدى حتى آخر قطرة وعدت إلى سريرى الهادئ واستيقظت أمى صباحاً لتعد لنا الإفطار واشترى أبى الجرائد وقرأ علينا باب الأبراج الفلكية .



هل أدّعى أنى ضحية ؟ لا لست كذالك ، هل أدّعى أن شريف جعلنى داعرة ؟ لا لم أقل ذالك ، لكنها أحداث توالت وأفعال تتابعت ، وكنت داعرة حتى من قبل الأحداث والأفعال ، ليست غير الداعرة تقبل أن تمارس الجنس مع ذَكَرين مكتملى الذكورة على سرير واحد فى ليلة واحدة وهى لم تلمس سقف الخامسة عشرة من عمرها ، ولا غير الداعرة تشارك فى حفلات جنسية على جسدها العارى وهى لم تنفلت من سن المراهقة ، لم يكن لدى إخوة ولا أخوات وربما كان هذا شئ جيد ، العالم لا يتحمل نسختين منى رغم أن هذا كان سيساعد كثيراً فى تحسين مستوى المتعة لدارسى الطب من أصدقاء شريف .

عندما كنت فى وضع إختيار المجال الذى سأدرسه بالجامعة لم أتردد كثيراً فى إختيار السياسة ، ربما هى فلسفة "الجنس سياسة والسياسة جنس" التى نادى بها نجيب سرور ، وربما لأن الغطاء الأرستقراطى الذى توفره الدراسه بكلية السياسة والإقتصاد تجعلنى أبدو كفتاة راقية أمام نفسى وأنا أغتسل بعد ليلة طويلة من الجنس مقابل المال مع رجال لم أعد أهتم بهوياتهم أو إنتماءاتهم الوطنية ، كنت أدرك دوماً أنهم قادمون من حيث يأتى المال الذى أصبح فى مقدمة إهتماماتى ، إنطلقت خارج دائرة شريف الضيقة وتحررت من إستغلاله الذى كان يستنزفنى ، كنت واثقة أنه لن يجرؤ على إخراج الفيديو الذى يجمعنا على السرير خوفاً على سمعته ، لذالك انقطعت عن زيارته فى الشقة والعيادة ، وأيقن هو أنى عرفت طرقاً أخرى للمتعة والمال تختلف عن طريق سريره الذى أصبح مملاً ، فلجأت إلى أسرّة الفنادق الفارهة المتخمة بالدولارات التى كانت منذ قليل دراهم وريالات قبل أن تتحوّل إلى العملة الموحّدة للعالم ، كنت أدرك أن الدولار هو الأمن والأمان لذالك كنت أصر عليه ولا أقبل بسواه ، ولم أعد أهتم بالمتعة قدر إهتمامى برصيدى فى البنك ، ودائماً كان الغطاء السياسى الإقتصادى الذى توفره لى الدراسة الجامعية يحمينى من أى تساؤل عن الأماكن التى أتردد عليها ، فأنا دوماً فى جلسات دراسة مع زميلاتى ودوماً لى مستقبل باهر فى "السلك الدبلوماسى" كما كانت تردد أمى ؛ وفى "منزل زوجى" كما تعود أن يرد عليها أبى ، لم أفكر فى المستقبل لكن فى الحاضر الذى ينتظرنى تحت أجساد الذكور .

إنهم حمقى ، عن أمى وأبى أتحدث ، نعم حمقى بكل ما تعنيه الكلمة ؛ قالها لى الشاب الذى لم يتناول منشطات جنسية أبداً كما يدّعى ، ووافقته على الفور مؤكدةً الحقيقة التى يمكن للأعمى أن يراها ، إنهما فقط زوج من المعتوهين الّذَين يمكن إقناعهما أن ابنتهما التى فقدت عذريتها قبل أن تفقد ألعابها الطفولية هى ملاك خجول ، الجميع كان يعرف أنى داعرة ، الأمر لم يعد سراً بين زملاء الدراسة وأعتقد أنه لم يعد سراً حتى بين الجيران ، لا يمكن إخفاء الثدى العارى ، لكنى أثق أن لا أحد يجرؤ على إخبار أبى أن ثدى ابنته عارى ، فى البدء كنت أقلق من جلسات الغيبة والنميمة التى تحضرها أمى مع النساء ، أغلبهن كُنَّ يعرفن ما أفعله وكان هذا يُشعرنى بالخوف ؛ لكن مع الوقت عرفت أنهن داعرات الأنفس ، يتاجرن بألسنتهن عن طريق النفاق ، سيتحدثن من وراء أمى عن ابنتها الداعرة ويتحدثن أمامها عن ابنتها ذات المستقبل الباهر والتى تدرس فى كليّة مرموقة ، دعارتهن تمنحنى الغطاء الأمنى للدعارة ؛ إن كان المجتمع بأكمله يفتح أقدامه ويريح ظهره للوراء ويغمض عينيه وينتشى بالجنس مع الفساد والغيبة والرشوة والسرقة على إختلاف أشكالها ، فلا عَجَب أنى لا أشعر بالذنب من مهنتى ، الدعارة ليست مجرد فعل شخصى ؛ إنها أسلوب المجتمع فى التمرد على أخلاقه .



لا تتعب نفسك كثيراً فى تعقب الدافع السيكولوجى أو البيولوجى لأفعالى ، وإلا فعليك أيضاً أن تبحث عن الأسباب التى تدفع الرجال لمضاجعتى ، هو لينين على ما أذكر الذى قال "من حقى أن أشرب من كأس نظيف" عندما قالت له إحدى المدافعات عن الحرية الجنسيّة : "الجنس كالماء والهواء" ؛ اسأل نفسك لماذا يصر هؤلاء على تعاطى الماء من كأس ملوث بالسائل المنوى لرجال آخرين ، أنا لست كأس نظيف ولن تفيدنى العطور الفرنسية ولا الأزياء الإيطالية ، لكنهم يدفعون الكثير ليتذوقوا طعمى الملوث ويسمعوا آهاتى المزيفة ، عندما ترانى على السرير تُدرك أن العلاقة بأكملها علاقة غير نظيفة ، لكن أنا فقط داعرة بينما هذا الذى يمتطينى رجل شريف سيعود إلى عمله وربما أراه على الشاشات يتحدث عن الأزمات السياسية وإنعكاساتها على الإقتصاد ، وإنعكاس الإقتصاد على أخلاق المجتمع ، بالمناسبة هل تُدرك كيف يؤثر الإقتصاد على أخلاق المجتمع ؟

إنّه منحنى جيبى ؛ عندما يكون المجتمع منهار إقتصادياً تنهار بالتبعية الأخلاق المجتمعية ويستشرى الفساد والنهب والدعارة ، وعندما يكون المجتمع فى حالة إقتصادية جيدة والهرم الطبقى فى حالة صحيّة تبدأ أخلاق المجتمع فى التعافى ، لكن إذا زادت حالة الترف إلى ما فوق المنطقى تبدأ أخلاق المجتمع فى التحلل من جديد مثلما حدث فى روما القديمة التى تحولت إلى مستنقع وحل أخلاقى كبير عندما إنتشرت الرفاهية المفرطة .

وفى الوَطَن ؛ نعيش حالة تشبه الإنهيار الإقتصادى وتتظاهر بأنها ليست كذالك ، الأخلاق منهارة لكنها تتماسك ظاهرياً ، ربما ليس هناك إنهيار ظاهرى لكن هناك كبت جنسى وهناك إفتقاد للحريّة ، عندما فقد المجتمع حريته اقتنع أنه لم يعد هناك ما يبكى عليه فبدأ يفقد أخلاقه تدريجياً .




ها أنا ذا الداعرة التى تتحدث عن الأخلاق والإقتصاد والتحلل المجتمعى ؛ ألا يبدو لك الأمر غريباً ؟ ، لكن إن كان لصوص الوطن يتولون أمر الأمانة فيه فلا تعجب من داعرة تتحدث عن الأخلاق ، كان يعجبنى الفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه رغم عنصريته تجاه المرأة ؛ "عندما تزورة امرأة فلا تنسى أن تصطحب معك عصا" ؛ هكذا قال نيتشه ونسى أن يصطحب معه العصا ليجربها مع حبيبته التى رفضته وأذلته حتى اضطر أن يقبل الأرض بين قدميها ، وربما إصابته بالجنون فى النهاية كانت متأثرة بالرفض الذى لطالما لاقاه بسبب نظرات عينه الحادة والمخيفة التى لم تكن تعجب النساء ، لو كان هنا لكافأته بليلة يستحقها ، لكنه اختار بيوت الدعارة الألمانية التى أصابته بالأمراض الجنسية وعانى منها طيلة حياته ، مسكين يا نيتشه فيلسوف القوّة الذى مات مجنوناً ضعيفاً .

ويعجبنى أينشتين أيضاً ؛ رغم أنى بذلت كل ما بوسعى كى أفهم نظرياته للنسبية فأخفقت ، وعن النسبية يمكن القول أن هناك أشياء تقبل النسبية وأشياء لا تقبلها ؛ لكن الدعارة تقبلها وهو ما لا يعرفه أغلب الناس ، هناك داعرة وآخر أكثر دعارة وأخرى أقل وهكذا ، وبتطبيق النسبية على الدعارة يمكن أن ندرك الحقيقة ؛ كلنا داعرون لكن بنسب متفاوتة ، أنا أبيع جسدى وآخر يبيع مبادئه وثالث يبيع كلماته ؛ إنها الدعارة بأشكالها المختلفة ، وعندما وجدت هذا الوزير السابق يلقى بملابسه جانباً لكى يتفرّغ لجسدى أدركت أنى فى حضرة زميل المهنة ، وأخبرنى بعد أن فقد قدراته العقلية مع الفودكا والجنس أنه كوّن ثروة لا تدركها الأبصار بطريق العمولات فى الصفقات الدولية ، إنّه أكثر منى دعارةً لاشك ، لكن الشَرَف لا يقبل النسبيّة ، إما أن تكون شريفاً أو داعراً ؛ فإن لم تكن شريفاً فقد إنغمست فى الجانب الآخر بدرجة معينة وتُزال عنك صفة الشرف ، هل قال أينشتين هذا ؟ لا لم يقُل لأنه كان مشغولاً بالفضاءات والكواكب والجاذبية وإنحراف الضوء ، كان يجب عليه أن يدرك ما يفيد البشرية أكثر ، ولا أكثر إفادةً من دراسة العَمَل الأكثر إنتشاراً على الإطلاق ؛ الدعارة .

صدقنى إنّهُ أكثر من مجرد جِنس ؛ هو عمل منظم له خلفيات ثقافية وتاريخيّة وله علاقة بتطور الجنس البشرى والتطور السيكولوجى للنفس البشرية ، هل تعلم أن العالم الثالث فقط هو الذى يقتصر العمل بالدعارة فيه على النساء ؟ ؛ فى المكسيك مثلاً توجد بيوت دعارة ذكورية تذهب إليها النساء لممارسة الجنس ودفع المال مقابل ذالك ، وفى بعض المدن اليابانية يمكنك أن تطلب  الجنس ديليفرى عبر الهاتف  فيصلك إلى باب غرفة الفندق فتاة أو شاب حسب جنسك ، تمارس الجنس وتدفع فى المقابل ، وتأكد تماماً أنك لن تُصاب بأى مرض جنسى ولن تخضع لسلطة القانون لأن الدعارة هناك مرخصة والعاملون بها يدفعون الضرائب للدولة ويخضعون للرقابة الصحيّه للوقاية من الأمراض ، وعلى مدار التاريخ لم توجد أبداً دولة بلا معابد وبلا دعارة ، لكنها فى الدول الأكثر همجيّة ارتبطت بالأمراض الجنسية وإنتشار الأوبئه ، ورغم أنها كانت دوماً عادة مرفوضة إلا أنها أبداً لم تندثر ، لو اندثر الجنس ستنتهى الدعارة وسينقرض الجنس البشرى بعدها بقليل ، أنا مؤمنة بشدّة أن الدعارة هى قطط المجتمع الضالة التى تحمى البيئة من خطر الإنفجار بالتلوث ومع ذالك تتعرض للملاحقه ، هل تعلم أنه فى عصر السيد المسيح كان هذا العمل منتشراً على نطاق واسع ، وعندما أرسل الله نبيّا إلى العرب كانت هناك دعارة ، والآن فى القدس توجد بيوت للدعارة تماماً كما فى مكة المكرمة وفى باريس ولندن والمدن التى تقدسها الطوائف الدينية بالهند .



أرأيت ؟ يرتمى الكثيرون بين أفخاذ العاهرات لكن من منهم يدرك تاريخ هذة المهنة أو حاضرها أو يهتم بمستقبلها ؟ ؛ وحتى بين المشتغلين والمشتغلات بهذا العمل لا توجد إلا قلة قليلة جداً تهتم بما وراء السرير ، أنا واحدة من هؤلاء ، كانت أمى تحب الطهو كثيراً وتهتم بالقراءة عن الأطعمة الإيطالية والفرنسية ، وكانت تؤمن ـ وتدفعنى لأن أؤمن ـ أنه من لا يدرك ما يأكله فهو لا يستحقه ، لذالك كانت تضع أمامنا أو أمام الضيوف الطعام وهى تتلو عليهم المختصر المفيد فى تاريخ هذا الصنف وأول مرة أُعد فيها والملك الفرنسى الذى كان يحب تناوله وغير ذالك ، وكُنت أصر على تسمية الأوضاع الجنسية بأسمائها وجعل العَميل ينطقها بشكل صحيح ، ربما هى محاولة منى لإضفاء الطابع المهنى على الجِنس ، وربما هو خلق مجال للإستفادة من الثقافة التى حصلت عليها ، ولا مجال لى إلا على السرير ، ويمكننى أيضاً أن أحدثك عن تاريخ السرير ؛ ومن أوائل الشعوب التى عرفت السرير المرتفع عن الأرض هو شعب مصر القديم ، وكان يتخذ وسادة من الخشب المغطى بالقماش ، وكانوا يهتمون بالجنس ولا يخجلون منه وأولوه إهتماماً كبيراَ حتى  كان أحد آلهتهم مخصصاً للجنس وصوروه بتمثال له عضو ذكرى كبير جداً ، وفى معبد هذا الإله كانت هناك الراهبات الداعرات اللاتى كُن يساعدن فى التفريغ الجنسى للإله ، وبالطبع كان الإله يتجسد فى شخص الملك الفرعونى كى يضاجعهن ، وفى أغلب معابد الآلهة الذكور كانت هناك وصيفات وراهبات وكاهنات يتخصصن فى الجنس ويكرسن حياتهن له ، ربما لو كنت هناك لأصبحت الآن كبيرة الكهنة ؛ ربما ؛ لكنّى هنا وأتلقى على هاتفى مكالمات من الأثرياء للإلتقاء بهم فى أماكن آمنة ، مستقبلاً سأنقل مكان عملى إلى دولة شقيقة حيث يمكننى أن أعمل فى القصور لا فى الفنادق ، فقط على أن أنتهى من الدراسة الجامعية لأقنع أبى أن "عقد العمل" هذا لا  يُعوَّض وسيضمن مستقبلى المهنى ولن أكون كاذبة ، السفر إلى هناك سيضمن مستقبلى المهنى .

لا شئ سيوقفنى ؛ هذة هى الحقيقة الكَونية الوحيدة التى أُدركها ، لا شئ سيوقفنى ولا حتى التَوبة ، أحياناً أُفكر أنى فقط أنفذ إرادة الله ، ولكن هذا يجرّنى إلى مناقشة ذاتية حول الجبرية والقدرية والمرجئة ، وليس عندى الطاقة الكافية لهذا النقاش العقيم الذى أُزهقت فيه عشرات الآلاف من الأرواح ، لكن أيضاً ما الذى يدعونى للتوقف ، وماذا فى الوطن سيقف إن أنا توقفت ، وماذا فى الوطن سيكون أفضل ، لاشئ ! ؛ كلنا على الهامش ، أنا وأنت وأيامنا وليالينا وخمرنا التى لا تُسكر ولا تغنى من وجع ، كُن داعراً أو ابحث لك عن وطن بديل ؛ هذة هى المعادلة .

***

عمر أبوالنصر
25/11/2012 ـ 7/12/2012

للتحميل فى صيغة ملف PDF إضغط هــنــا


الخميس، 6 ديسمبر 2012

كَوكَب التدوِين





المدونة هى الترجمة الأقرب والأكثر تداولاً للمصطلح الإنجليزى Blog وهى ببساطة موقع أو صفحة على شبكة الإنترنت تخص شخص معين "مدونة شخصية" يُدخل إليها معلومات "مقالات أو صور أو مجموعة كلمات أو أى شئ" فتظهر فى شكل متسلسل ، ويمكنك إنشاء مدوّنة مجانية عن طريق العديد من المواقع الإليكترونية التى تقدم هذة الخدمة ، مدونتى هذة مثلاً تم إنشاؤها عن طريق موقع بلوجر ـ Blogger  ويمكنك أيضاً إنشاء مدوّنة عبر موقع وورد برس ـ WordPress ، وبدأت المدوّنات عملياً فى الوطن العربى بعد عام 2002 ، وهناك الكثير من المدوّنات الشخصية لمشاهير وأشخاص عاديين تحظى بصيت هائل ويرتادها عشرات الآلاف من زوار الإنترنت ، وفى هذا الإطار يمكن أن أتحدث عن بعض المدونات التى أتابعها بإنتظام ..

بروميثيوس : مدوّن سعودى ؛ أول من تعرفت به فى عالم التدوين عن طريق رائعته "خواطر وأفكار" ، يدون بإنتظام منذ سنوات طويلة وبدأت أتابعه بإنتظام مفرط منذ حوالى 6 أشهر ، له مدونة أخرى هى "لوحات عالمية" يكتب فيها بأسلوب فنى لا يقل روعة عن اللوحات التى يعرضها ويسرد تاريخها ويحاول مُبسّطاً عرض محتواها الفنى ، بروميثيوس هذا ليس اسمه بالتأكيد ولكنه لا يُعرف إلا بهذا الاسم ، تدهشنى ثقافته الموسوعية وأسلوبه الهادئ فى الكتابه وميوله الراقية تجاه الموسيقى والفن ، يكتب تقريباً تدوينة كل أسبوعين وفى الفترة الأخيرة اقتصرت كتاباته على المجال الفنى ، يبتعد بشكل مثير عن السياسة إلا فيما ندر ، ينتقد واقع المجتمع السعودى والتشدد الدينى بأسلوب راقى لا يميل إلى التصادم ، بروميثيوس رائع ، بروميثيوس مثقف ، بروميثيوس موهوب ؛ بروميثيوس هو اسم ناتج من أسطورة يونانية قديمة عن "الإله سارق النار" الذى ضحى بنفسه وسرق النار لكى يمنحها لبنى البشر النار يستعينوا بها ضد الآلهة التى سلبت منهم كل شئ ، فعاقبه أبوللو إله الشمس بأن جعله معلقاً بين جبلين  تأكل الطير من كبده ، الاسم الأسطورى يليق بالكاتب الموهوب ، وإن كنت أظن أن الكاتب أضاف للاسم كثيراً ومنحه البهاء والرونق ، ومن مدونتى أمد يداً إليكترونية أشد بها على يد المدون الرفيق بروميثيوس وأدعوه للمزيد من الإبداع .

مدونة بروميثيوس كما بدت لى اليوم 


سعيد إبراهيم : قليلون هم هؤلاء الذين كلما حدث أمر جديد فى الوطن تبحث عنهم لكى تقرأ ما كتبوه حول الحدث ، ومن هؤلاء الندرة يبرز اسم سعيد إبراهيم ، مدون مصرى رائع يكتب بإنتظام عن الأحداث الجارية فى الوطن ويعبر عن آرائه السياسية التى كثيراً ما أختلف معها ، لكن لا يسعنى إلا أن أنحنى أمام أسلوبه المنساب وتعبيراته المتدفقه وكلماته التى تصل إلى ما هو أبعد ، ومن الإسكندرية تطل علينا مدونة سعيد إبراهيم ، وتعبر عن ثقافة واسعة وإطلاع عالى المجال بالأحداث المحيطة فى الوطن وفى العالم ، وبرأيي المتواضع ؛ يملك هذا المدوّن حساً صحفياً وأسلوباً يفوق كثيراً من الذين يسميهم الإعلام "صحفيين كبار" .

سعيد إبراهيم


محمد قناوى : كاتب قليل الإنتاج عميق الفكر ، له مدونة "البراجماتى" تعتبر متخصصة فى الفلسفة ويشرح فيها الفكر البراجماتى "أى الفلسفة النفعية" ، ورغم أن كتاباته المنشورة قليلة إلا أن صداقتنا كفلت لى قراءة كل أعماله تقريباً بشكل حصرى ، حيث أطلب منه أن يمنحنى شرف كَونى أول قارئيه ، وتعتبر كل تدوينة تصدر منه قطعة فنية بحد ذاتها لا تفنى ولا يمكن صناعة مثيل لها ، وتكمن براعة كل تدوينة فى الكم الهائل من الفكر الذى يتحرك مع كل جملة ، نادراً ما يكتب حول الأحداث الجارية وتتمحور موضوعاته فى الفلسفة والتاريخ تقريباً ، وأيضاً من مدونتى أبعث حضناً إليكترونياً إلى هذا الكاتب الرائع والصديق الأكثر روعةً .

محمد قناوى يجترح المعجزات


أحمد حلمى : الوافد الجديد إلى عالم التدوين ؛ بدأ الكتابة بإنتظام منذ فترة قريبة ، يصدر مقالة كل جمعة ويتطور أسلوبه فى كل مرة جديدة ، قرأت له حينما كان ينشر أعماله على الفيسبوك قبل أن يجمعها فى مدونة تحمل اسمه ، كاتب مقالات بدرجة شاعر ، تحس فى كلماته بالنغمة الشِعريَّة العميقة ، يعالج الأحداث الجارية من وجهة نظره التى تصطبغ بفلسفته الخاصة .

أحمد حلمى


تصدّعت المرآه : عالمى الخاص ؛ بحق أنا أعتبر هذة المدوّنة عالمى الخاص ، فتاة يمنية تدرس فى الولايات المتحدة ولها مدونة أخرى باللغة الإنجليزية وتكتب تدوينات على فترات متباعدة تعالج موضوعات تتعلق بالواقع العربى وأحياناً الواقع الأمريكى وارتباطه بالواقع العربى ، تكتب عن مدونتها قائلة : "بدأت تصدعت المرآة في 2007 بوصفها مشروع تعلًّم، محاولة للفهم بعد أن أمضيت زمناً طويلاً من حياتي بين فكي الكماشة: الدجل الذي يُدرِسونَه في مراحل التعليم المُختلفة والفاشية الثقافية التي تهبُ الخرافات هيبة تُبقيها." .. وتتميز تدويناتها المتباعدة بالطول والإمتلاء بالتفاصيل ، حتى لأنّى أقرأ نفس التدوينة أحياناً أكثر من مرّة لأستكشف فيها أشياء جديدة ، تُذهلنى قدرتها الرائقة والرائعة على نقد الأعمال الفنيّة مثل نقدها للمسلسلات العربية (إضغط هـنا) بتفصيل شيق يكشف عن عين ثاقبة وروح متوهجة ، إنّها فى وجهة نظرى تعبر عن الفتاة العربية فى وهج التحضر .

مدوّنة تصدعت المرآة كما بدت لى اليوم
ويمكنك أيضاً إستكشاف مدوّنات أسامة درة و حمزة البحيصى ومحمد الشيخ يوسف والمدوَّنة اللبنانية "دونكيشوتات" لتُدرك حجم الإبداع الذى يتدفق فى حيز التدوين العربى ،،
وبالطبع يمكن أن تُصبح واحداً من هؤلاء ، ومجرد وجود مدوّنة تحرض على الإبداع يعد دافعاً مهماً من دوافع التقدم الأدبى أو حتى العلمى إن شئت أن تخصص مدونتك للأغراض العلمية ، وشخصيّا أفضل أن تنشئ مدونتك الخاصة بنفسك عن طريق أحد موقعى بلوجر ووردبرس السابق ذكرهما وتتبع منهج التعلُّم الذاتى ، وليس من الضرورى أن تكون محترفاً لتصميم المواقع أو الجرافيكس ، إنشاء المدونات بسيط جداً ولا يحتاج لخبرة ، لكن إن كنت تريد بعض الأساسيات الجاهزة يمكنك الإطلاع على دروس إنشاء مدوّنة على بلوجر فى مدوّنة دماغى (إضغط هـنـا) ..
قدّم لرواد مدونتك المحتوى الذى يُعبّر عنك ، ويمكنك دوماً متابعة مدى التفاعل مع أعمالك ، بالتوفيق أيُّها المدوّن ..

تواصل مع الكاتب إضغط هــنــا



السبت، 1 ديسمبر 2012

شئٌ ما يقف هناك




هل سبق مرة واشتريت قميصاً جديداً وكان يعجبك جداً ، ثم ألقى أحد أصدقائك بتعليق ساخر عنه مما جعلك لا ترتديه مرة ثانية إطلاقاً ، بالعامية "نفسك وقفت" ، يحدث هذا لنا كثيراً ، أيّاً كانت درجة ثقتك بنفسك وبإختياراتك فإن آراء الآخرين تحفر فى اللاوعى مكاناً مهماً قد يجعلك أحياناً تغير حياتك بشكل جذرى ، أعرف شخصاً تخلى عن خطيبته قبل أسبوع من الفَرَح لأن صديقه "وقّف نفسه منها" عندما قال له بكل قلة ذوق وبلاهة :"إنها أكثر ذكورةً منك" ، ورغم أنها لم تكن كذالك على الإطلاق إلا أن العريس المُنتظَر أدرك يقيناً أنه لا يستطيع أن يعيش معها بعد أن سمع هذة الجملة ، فقطع علاقته بصديقه قبل أن يقطع علاقته بخطيبته ، وانتهى به الأمر إلى حالة إكتئاب استمرت لأكثر من شهرين .

إنّها الطبيعة البشرية المعقدة التى يستطيع الأطباء النفسيين وعلماء الإجتماع من خلال دراستها أن يوفروا لأنفسهم دخل مادى كبير ، أنا وأنت وهو نوافق أن ندفع كل أموالنا لكى نعيش بصحة نفسية وسعادة ، قالَت لى : "لا تجعل هدفك هو المال ؛ لكن اجعل السعادة هى هدفك ، فربما أتى المال ولم تأت معه السعادة ، وربما أتى المال وأتت معه السعادة ، إذاً فالسعادة هى الغاية والمال هو وسيلة مفترضة ، لكن ربما لا يكون هو الوسيلة المثالية  " ، صديقتى تجيد الحديث بأسلوب فلسفى رائع ونقى ومنظم ، أعرف هذا جيداً فأنا من علّمها التفكير ، ولا أنكر أنها تتفوق علىّ كثيراً مما يجعلنى أنصت إليها باهتمام وهى تتحدث بكلمات منظمة وتستعين بأمثلة من كبار الفلاسفة والمفكرين وتصنع المعضلات وتضع لها الحلول ، ولا تنسى أن تضع اللمسة النهائية التى ترضى غرورى ؛ "تعلمت هذا منك" ، لم أعلمها المادة لكن علمتها كيف تحصل عليها ، لم أعلمها مواضيع التفكير لكن فقط كيف تدير أى موضوع ، وأعترف أنها أكثر براعةً منى أحياناً واقل أحياناً ، مما يجعلنا متساويين فى كل شئ .

فى البداية عليكِ أن تحددى المشكلة ، وتعرضيها أمام نفسك بهدوء وتماسك ، لا بكاء ولا إنهيارات ولا أمور فتيات ، يمكنك أن تكونى براجماتية أو أخلاقية أو واقعية ، إختارى الأسلوب الذى ستتعاملين به مع المشكلة ، البراجماتية هى أن تبحث عن الحل الذى يحقق أكبر استفادة بغض النظر عن مدى ملائمته لقيمك أو مبادئك ، الأخلاقية هى أن تبحث عن الحل الملائم بشكل تام لقيمك ومبادئك دون بحث عن الإستفادة القصوى ، الواقعية هى الحل الملائم للموقف دون بحث عن الإفادة أو الإتفاق مع المبادئ ، فقط تصرف الآن وبحكم ما يمليه عليك الواقع ، ها قد عرفت كيف أدير حياتى يا صغيرتى ، انطلقى الآن أيتها القوية .



فى الفترة الأخيرة بدأت أقتنع تماماً أنى مصاب بحالة بنرجسيّة حادة ، والنرجسيّة هى متلازمة نفسية للأشخاص الذين تنحصر إهتماماتهم داخل أنفسهم ، يحبون أنفسهم لدرجة الوله وأنانيون جداً ، ربما أكون أحد هؤلاء ، من أصل كل 10 تدوينات أكتبها هناك حوالى 4 عن نفسى وواقع حياتى وذكرياتى ، قال لى الصديق الأكبر سناً والأعلى درجةً فى مجال الأدب : توقف عن الحديث عن نفسك فى المدونة ، هذا يبدو سخيفاً ، فى الواقع هو لم يقل لى أن هذا يبدو سخيفاً ، لكنى سمعت هذة الجملة ترن فى أذنى وافترضت أنه قالها ، على كل حال أنا لا أثق فى رأيه كثيراً ما لم يتفق مع وجهة نظرى "هذة أحد أعراض النرجسيّة" ؛ لكنى أصبحت أشعر بضيق كلما وقعت عينى على أحد هذة التدوينات التى  أتحدث فيها عن نفسى ، رغم أن المدونات أصلاً موجودة لكى تتحدث عن نفسك ؛ لذالك اسمها مدوّنة شخصية ، وأتت الآثار سريعة بأن حذفت بعض التدوينات القديمة وقمت بتعديل البعض الآخر لعل الطابع النرجسى يختفى منها ، وتوقفت عن الكتابة فترة طويلة لأن "نفسى وقفت" من التدوين والمدوّنات ، وعدت مرة أخرى وقد قررت أن لا آخذ رأيه فى شئ آخر مطلقاً وهذا جزاء كل من لا يعطينى نقداً يرضى غرورى "عَرَض آخر من أعراض النرجسيّة" ..



تقول أنك وقح وتطلق الكلمات مثل الرصاص ولا تهتم بمشاعر الآخرين ، وأن نقدك هدّام وقد يجعل إنساناً يتخلى عن شئ هو يحبه كثيراً لأنك "وقّفت نفسه" من هذا الشئ .. هكذا قالت عنى إذاً ! ، إنّها على صواب إلى حد كبير ـ بإستثناء الجزء الخاص بإطلاق الكلمات مثل الرصاص لأنى لا أستسيغ هذا التعبير ـ كل شئ صحيح تماماً لكن ليس الآن ، ربما كنت كذالك منذ شهور عديدة وكوّن البعض هذة الفكرة عنى بشكل يقينى حتى أنه عندما غيرت هذا الجزء من شخصيتى لم يستطيعوا إدراك ذالك ، لم يكن غريباً أن تسمعنى أقول لشاعر مبتدئ "ما هذا الهطل الذى يتحرك بين ثنايا كلماتك ، توقف عن كتابة الشعر إن كنت لا تجيده ويمكنك أن تمارس التريكو أو التطريز" ، كان هذا طبيعياً جداً ولم يكن يرافقه أى شعور بالذنب ، كنت أعلم أنى أهدم آمالاً عريضة وأقصمها إلى شظايا لن تلتئم مرة ثانية ، وأن مواهب قوية قد تموت بسبب النقد الهدّام ، لكنى لم أكن أهتم ؛ " لو تشعر الآن بالغيظ منى يمكنك أن تترك تعليق سلبى على هذا المقال ، وثق تماماً أنى سأقرأه وأتظاهر أنى محطم نفسياً حتى أثأر من نفسى" ؛ ثم توقفت عن هذة العادة ، لن أقول أنى عدت إلى رشدى أو فكرت كثيراً ووجدت أن ما أفعله خطأ ، الموضوع ببساطة أنى استنفذت طاقة الشر التى بداخلى واكتفيت ، أعرف فتاةً تكتب الشعر ولم تتأثر إطلاقاً عندما  نقدتها بشكل عنيف وغير مهنى ، بل قالت كلاماً كثيراً يحمل معنى أنها تشكرنى على كلماتى ، والغريب أنها استمرت فى الكتابة ، حاولت أن أقنع نحّات صديق أن يصنع لها تمثالاً من البرونز بسبب تماسكها لكنه أعتقد أنى أمزح ، قليلات هن الفتيات القويّات اللاتى لا "تقف أنفسهن" من أى شئ .

كن أنانياً إن شئت ، ذاتيّاً إن شئت ، أجعلك حياتك محاطة بالمرايا كى ترى نفسك ، لكن سيأتى الوقت الذى يقول لك فيه أحدهم "ما كل هذة المرايا ؛ شكلها غير جميل !" ، حينها ستقف نفسك من المرايا والذين ينظرون إليها ، إنها الطبيعة البشرية التى تتأثر بآراء الآخرين شئنا أم أبينا ، يمكنك أن تخدع نفسك وتقول أنك لا تتأثر ؛ لكن عد بذاكرتك إلى الوراء وعد المرات التى شعرت فيها بالضيق من شئ كنت تحبه بسبب رأى الآخرين فيه ، لا تكن سبباً فى أن يشعر الآخرون بمثل هذا الشعور ؛ قُل خيراً .أن نىبقثي