الجمعة، 26 أكتوبر 2012

الفقر فى سبيل الله



على الرغم من الآثار الجانبية للثورة و أمثلة الدمار التى تحدث فى الثورات ، إلا أن هذا  لم يمنع شعباً من الخروج لقلب نظام الحكم فيه وإستبداله بنظام آخر ، وإن كانت الثورات تقوم لأسباب عديدة مثل كبت الحريات والكبت الجنسى والقمع الدينى إلا أن هذة الأسباب لا تجذب كافةً أطياف الشعب ، ولم يحدث أبداً مهما كانت درجة الوعى فى شعب ما أن تتحرك فيه نوازع الثورة بسبب الإفتقار إلى نوع ما من الحريات ، لكن الجوع والمرض والجهل ونتائج الفقر عموماً قد يجعلون الشعب يخرج عن بكرة أبيه لإسقاط الحاكم ، لذالك فإن الفقر هو السبب الأساسى لأى ثورة وتأتى بعده أسباب أخرى ، وأكبر الأمثلة على ذالك هى الثورة الفرنسية التى لم تتحرك وتستعر إلا بدافع من الفقر وجوع الشعب وتجاهل الطبقة الحاكمة ، وإن كانت هناك أسباب أخرى مثل عدم إطلاق الحريات فإنها كانت دوافع خاصة بطبقة المثقفين وليس بعامة الشعب ، لذالك كان الفقر هو الأصل فى الثورة ومن بعده يأتى كل شئ .

أما الدول العربية  ؛ فأتوقع "ولا أتمنى" أن أنظمة الإسلام السياسى راديكالية الفكر سوف تسيطر بشكل أو بآخر على السلطة فى الدول التى غيّرتها الثورات ، وهذة الأنظمة تثبت دائماً بالتجربة أنها لا تمتلك نظام قوى لمواجهة الفقر والجهل والمرض ، بل إنها تعتبر مصدر ما من مصادر هذة الأوبئة الإجتماعية ،  والتجارب فى السودان وأفغانستان تحكى بوضوح المستقبل الغامض الذى ربما تخوض فيه مجتمعات ثائرة مثل مصر وتونس وسوريا ، وبأخذ قواعد المنطق فى الإعتبار يمكن ببساطة إستنتاج أن هذة الأنظمة ستفشل فى التخلص من الفقر وبالتالى سيخرج الشعب للثورة مرة أخرى ؛ لكن واقع الأمر أن هذا لن يحدث !

الفقر فى سبيل الله ؛ هذة هى الفكرة التى تستخدمها أنظمة الإسلام السياسى الحاكمة لتخدير شعوبها  ، ورغم أن الأديان عموماً تحتوى ضمن مبادئها على أفكار نشر الرفاهية والإرتقاء بالجنس البشرى ، إلا أن هذا لا يشغل الراديكاليين الإسلاميين  كثيراً ، فما دام الشعب يقبل بالجوع مقابل الشبع فى الآخرة ، ويقبل بالمرض مقابل الصحة فى الآخرة ، ويقبل بالفقر الغير مُبرر مقابل كنوز لا حصر لها فى الآخرة ، فلا داعى لتقديم مبررات الفشل ، فقط عليك أن تستعين ببعض الآيات القرآنية وتحرف الكلم عن موضعه وتثنى المعانى لتلائم فشلك فى تحقيق التقدم والنهضة ، وتقنع الشعب أن صبرهم على بلاءك وغباءك يضمن لهم جنات من عسل مصفى فى الجنة ، وإلتزامهم بتشريعات فقهاء الفقر يضمن لاشك أنهار من الخمر فى العالم الغيبى ، ولأن دائرة الجهل والمرض والفقر تستمد طاقتها ذاتياً فإن الحاكم ما عليه إلا أن يحافظ على مستوى الفقر ، وبالتالى يزداد الجهل وينتشر المرض ويلجأ الشعب إلى المسكنات الغيبية ويقتنع تماماً أنه لا خلاص إلا فى تقبل الحالة الإجتماعية المتدنية فى الدنيا والتطلّع للوعود المستقبلية ؛ هذه ببساطة هى وصفة الفقر فى سبيل الله التى انتهجتها حركة طالبان وعمر البشير وتسير على خطاها حركات الإخوان المسلمين فى مصر والنهضة فى تونس .

وعلى الرغم من التماسك الظاهرى الذى تبدو عليه هذة الخطة فى إستخدام الدين وتوظيفه من أجل ضمان الإستمرارية فى الحكم ، إلا أنه يمكن فك حلقاتها والتخلص من آثارها التدميرية بطريقة بسيطة جداً ، نشر الوعى الفكرى وإقناع الشعب أن محاولات تغييبه لا تحتوى من الدين إلا على الكلمات ، بينما فى الأصل هى أساليب سياسية بحتة ، ويقع عبـء هذا الدور فى الدرجة الأولى على المثقفين الثائرين إن أرادوا ألّا تعود ثوراتهم إلى الوراء بأنظمة أسوأ من سابقاتها ، ورغم ثقل المسئولية إلا أنها ليست مهمة مستحيلة ، فقط علينا أن نعمل بجهد من أجل ضمان عدم تمكُّن الأفكار البدائية والرجعية والخداعية فى عصب المجتمع أكثر مما هى متمكنة بالفعل .

عمر أبوالنصر
27/10/2012
3.24 Am

تحديث : نشر أيضاً فى  مركز الأبحاث والدراسات العلمانية بالعالم العربى هـــنـــا
مجلة الحوار المتمدن هـــنــا

الخميس، 18 أكتوبر 2012

ما يُسمّى إسرائيل !!



جرت العادة فى نشرات الأخبار المصرية أن تظهر فلسطين بشكل مشوه تماماً ، حيث هناك بقعة متناهية الصغر تسمى قطاع غزة ، وبقعة أخرى أكبر منها قليلاً تسمى الضفة الغربية ، بينما هناك جذع سرطانى بينهما تمتد أطرافه على هيئة مستوطنات تمزق أوصال الضفة الغربية ، وتمتد طائراته لتخترق أجواء قطاع غزة ، وتمتد بارجاته لتحاصر كامل سواحل فلسطين ، والمدهش أن هذا الكيان يعترف به المجتمع الدولى وتعترف به الدول العربية على أنه "دولة إسرائيل" .

لكن واقع الأمر يختلف تماماً ، بدون شعارات جوفاء وسنلقيها فى البحر ونسقطها فى المريخ وغير ذالك من العنتريات التى ما قتلت ذبابة ، لنرى هل بالفعل إسرائيل دولة ؟

دولة = شعب + إقليم + سيادة ..

هذة هى التركيبة الطبيعية لأى دولة ، لنطبق الأمر على الكيان السرطانى ؛ الشعب هو الشعب اليهودى المشتت فى كل أنحاء العالم ، من أستراليا حتى اسكتلندا ، ومن روسيا حتى البرازيل ، إذاً هو شعب تم إختياره على أساس عنصرى .

السيادة ؛ فى الوقت الحالى تسيطر على أرض فلسطين المحتلة قوات عسكرية تخضع للكيان الإسرائيلى .

إذاً فإن معادلة قيام الدولة هنا تحتوى على السيادة عبر القوات العسكرية ، والشعب عبر إستجلاب اليهود (إنتقائية على أساس الدين) ، لكن تبقى خانة الإقليم لتصنع الخلل الواضح فى شرعية إسرائيل .

الإقليم ؛ إقليم فلسطين الذى كان منذ الأزل ملكاً للشعب الفلسطينى ، ولم يكن أبداً أرضاً خربة أو صحراء جرداء يمكن أن تقام عليها دولة بوضع اليد ، ومشاهد التهجير كافية لإيقاظ ذكريات إزاحة شعب فلسطين عن مكانه وتوطين مجموعة هجينة من أقاصى الأرض فى وطن لم يروه من قبل إلا فى خيالتهم ، بينما تُزاح العائلات التى تأصّلت كما تتأصل أشجار الزيتون وتوضع مكانها عائلات تركت منازلها فى الولايات المتحدة وموسكو لتقيم لأنفسها منازل أخرى على الأراضى الفلسطينية .


لكن ألا يكفى إعتراف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى والإتحاد السوفيتى سابقاً روسيا حالياً بإسرائيل كدولة ؟
ألا يعتبر وجودها على الخريطة الدولية وتمثيلها فى المحافل العالمية سبباً كافية لأن نضفى عليها "نحن كأشخاص" صفة الدولة ونتحدث بملء أفواهنا لنعلن أنها دولــة إســرائــيــل ؟

فى الحقيقة لا ، لو اعترفت الولايات المتحدة وروسيا والعالم بأكمله بأن الأرض مسطحة فإن هذا لا ينفى واقع أن الأرض كروية "إهليلجية إن تحرينا الدقة" ، ولا يعنى إعتراف الحكومات بدولة ما أن هذة الدولة تتمتع بالمقومات الأخلاقية للوجود ، لأنه فى أغلب الأحيان تتحرك الإتجاهات السياسية فى تيار لاأخلاقى بناءاً على مصالح وإعتبارات أخرى ، وأعتقد أنه لو كان هولاكو خان حيّاً بيننا وأقام إمبراطوريته من الصين حتى الشام لوافقت الولايات المتحدة على أن تمنحه إعترافها بالدولة التترية العظمى مقابل بعض التنسيقات السياسية والمصالح المشتركة ، ولو أعلن الشيطان دولة لاعترفت بها الحكومات بعد إخضاع الأمور لقواعد المصلحة ، لذالك فليس علينا أن ننساق وراء الإعترافات الدولية التى تصدر من الحكومات ويتم خطّها فى إتفاقات إن أردنا فعلاً أن نسير فى خط فكرى أخلاقى .

ما الفائدة من رفضى ورفضك للإعتراف باسرائيل كدولة ؟

إجابة هذا السؤال تتوقف بالدرجة الأولى على تقديرك لذاتك كعضو فى مجتمع ، خلية فى جسد الدولة ، أنا وأنت وباقى الأفراد نمثل العصب الحقيقى لأى دولة ، نمثل الشعب ؛ لذالك فإن الرفض الشعبى هو الخطوة الأولى نحو تصحيح الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعى ، إستمرار الرفض الشعبى للإعتراف بالكيان الإسرائيلى كدولة يعمل على نزع الشرعية منها ، ربما يعد هذا حلماً بعيد المنال ، لكن هذا لا ينفى أن الأخلاقيات عموماً هى حلم بعيد المنال ، وليس معنى صعوبة الهدف أن نتخلى عنه ، وليس معنى أن نزع الشرعية عن إسرائيل عبر الرفض الشعبى لها هو إفتراض صعب أن نفقد الأمل فى تطبيقه ، لأن الخيار الآخر هو الإعتراف بإسرائيل وإهدار الحق المعنوى لعشرات الآلاف من الأسر التى تم تهجيرها قسراً من بيوتها ، وهذا هو ما لا أطيق تحمل عواقبه أمام ضميرى ، ولا يطيقه أى صاحب ضمير متيقظ أو روح حرّة .

(تم النشر أيضاً فى مجلة الحوار المتمدن و موقع الطلاب الليبراليين)

إقرأ أيضاً : فلسطين ~ شعب الله المرفوض ــ اضغط هــنــا

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

أهل الخليج لم يعودوا بدواً



تحدث الدكتور بصوت مرتفع معاتباً الطلاب : لقد درّست فى الخليج العربى ووجدت طلابه على درجة عالية من الإلتزام الأكاديمى .
ردت إحدى الطالبات : أهل الخليج نفطيون لا هم لهم سوى جمع المال .

هنا يتوقف المشهد وتثبت الكاميرا ، حدث هذا الموقف أمامى فى كلية الصيدلة بإحدى الجامعات المصرية ، وفى نفس اللحظة كان فى حقيبتى كتاب عن الهوية والعرقية من إصدارات وزارة الثقافة فى إمارة الشارقة بالإمارات العربية ، وأمامى مجلة العربى التى تصدر عن وزارة الثقافة الكويتية ، وكنت قد أنهيت أمس حواراً مع صديق مُدوّن قَطَرى مثقف جداً أخبرنى أنه يمكنك فى قطر أن تحصل على مئات الكتب مجاناً فى معارض تنظمها المؤسسات الحكومية بين وقت وآخر ، تراكم كل هذا فى عقلى واصطدم بكلمات الطالبة الزميلة وهى تصف شعوب الخليج العربى بأنهم "نفطيون لا هم لهم إلا جمع المال" .

لاشك أن الشعب المصرى يجمع فى ثنايا عقله بين صفتين متناقضتين تماماً ؛ الفخر الزائف والنقد الذاتى الهدام ، حيث ترى عباراتنا تضج بالكذب والمبالغة فى وصف الذات بعبارات مثل "الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم !" "الرجل المصرى أقوى رجل فى العالم !" "المخابرات المصرية أقوى مخابرات فى العالم !" ،، وفى نفس الوقت يمكن أن تسمع عبارات نقد ذاتى تصل لحد شتم الذات ، وواقع الأمر يؤكد أن المبالغة فى المديح الذاتى أو الإنتقاص الذاتى كلاهما ليس له أى اساس من الصحة ، لأنه فى الأصل لا يمكن وصف شعب بأكمله بوصف معين أو حتى بشكل شبه تقريبى ، لأن الشعوب تمازجت وتداخلت فى صفاتها حتى لا يمكن وصف أى شعب بأنه نقى عرقياً أو قريب من النقاء العرقى باستثناء بعض القبائل البدائية فى الأمازون وأدغال أفريقيا التى لم تختلط بالعالم المتحضر ، لكن مثلاً لا يمكن أن تصف نفسك بأنك عربى نقى العروبة لأن جيناتك اختلطت عبر آلاف السنين بجينات الفراعنة والنوبيين والليبيين وشعوب المتوسط ، لكن يتبقى للعوامل التضاريسية والأجواء المناخية بعض الأثر الطفيف لكنه لا يكفى لكى تعلق صفة على شعب بأكمله ، كما أن هذة الظروف تختلف أصلاً داخل كل دولة , لذالك فإن أى تصنيف إيجابى أو سلبى للشعوب هو خاطئ من الأصل .

لكن جرت العادة أن يتم وصف شعوب الخليج العربى بكل النقائص التى يمكن أن تتوارد إلى الذهن ، فهم عبيد الريال ورهينة النفط الخاملين ، ظللنا لعقود طويلة نصفهم بالخاملين الذين يعتمدون على الخارج ويستوردون كل إحتياجاتهم من أوروبا ، ولو كنّا وجهنا عين النقد إلى الداخل قليلاً وبدأنا بعيوبنا لوجدنا أن مصر أيضاً تستورد حتى قمح شعبها ولعب أطفالها من الخارج ، وما يضر المواطن الخليجى أن يلجأ للإستيراد ، وما يعيبه أن ولد فوجد على رأسه حكومات خاملة فاسدة ، نحن أيضاً رزحنا تحت نير الحكومات الخاملة الفاسدة لعقود ولم نتململ ، لكننا لم نفكر فى وصف أنفسنا بالخاملين .



عندما طلب منى دكتور الباراسيتولوجى "علم الطفيليات" أن أبحث عن فيديو على اليوتيوب يوضح حياة الدودة الشريطية ، كان أبرز وأفضل ما وجدته هو فيديو تم تصويره داخل مدرسة ثانوية فى المملكة السعودية ، حيث يتم عرض ديدان شريطية داخل معمل البيولوجى ، وعلى الرغم أنى أدرس بجامعة خاصة على مستوى عالى إلا أنى ذهلت من درجة الرقى التى وصل إليها معمل المدرسة الثانوية فى المملكة السعودية ، وتذكرت بأسى وحزن حال مدرستى الثانوية وما كان بها من قصور وإهمال ، شعوب الخليج العربى أدركت حالها يا سادة وأدركت أن لا خلاص لها من حالة البداوة إلا بالإهتمام بالعلم والثقافة ، لكننا ما زلنا نعيش فى وهم أننا أكثر المثقفين ومننا يخرج أعظم العلماء ، فى حين أنا لو أخضعنا قياساتنا لقواعد النسبة والتناسب لوجدنا أن دولة صغيرة العدد والمساحة مثل الكويت قد أفرزت فى الأعوام الماضية عدداً من العلماء والمثقفين والحاصلين على درجات علمية عالمية ما قد يفوق كثيراً دولة مثل مصر لو تذكرنا أن عدد سكان مصر أضعاف مضاعفة عدد سكان الكويت ، لكننا ما زلنا نعيش فى أسطورتنا الشخصية بأن الخليج العربى متخلف ، الخليج العربى بدوى إلخ إلخ .

توقّفوا عن عنصريتكم ضد شعوب الخليج التى تتقدم بسرعة رائعة نحو الحضارة ، شجعوهم ولا تمنوا عليهم بأنكم منحتوهم المعلمين والأطباء ، شجعوهم من أجل مصيرنا المشترك ، شجعوهم ولا تصنعوا حواجز نفسية وعداوات بين الشعوب ، عدونا المشترك هو الفكر المتجمد والتفرق الطائفى الذى ورثناه من الإستعمار الأوروبى ، مصيرنا المشترك هو إهتمامنا بالثقافة والعلم وإدراكنا لضرورة التكامل .

الاثنين، 1 أكتوبر 2012

أشكال صيدلية



الأسبوع قبل الماضى فى أول محاضرة أشكال صيدلية لى هذا العام ، تعرضت لنقاش متوتر مع الدكتور ، كان جوهر النقاش هو علاقة الإحترام بطريقة الجلوس ، وتفرع إلى تحديد المسيطر على إتجاه المحاضرة ، أدركت يقيناً أن بعض الأشخاص لم تلمس الثورة أرواحهم ، وأن غيسابو السيطرة التعليمية لا زال يدير العلاقة بين المعلم والمتعلم ، الدكتور التى تخرجت من جامعة أمريكية لا تقتنع أن طريقة الجلوس تعتمد على عوامل نفسية وجسدية ولا ترتبط إطلاقاً بمدى تقديرك / إحترامك للمحاور ، على كل حال رأيى ليس مهم على الإطلاق ، بينما كانت الدكتور توجه لى الجمل المتتالية التى تحمل نفس المعنى "أنا صاحبة الكلمة - أنا أتخذ القرار - أنا معلمكم الأعلى - هذة المحاضرات تجرى من تحتى" كانت تشير بيدها رافضة أى تعقيب منى ، وعندما طلبت منها أن أمارس حقى الإنسانى فى الرد أجابت : لأ ! 

كل ما رويته أحداث منطقية ومتوقعة من التعليم المصرى ، لكن غير المنطقى وغير المتوقع أنى لا أحمل أى مشاعر سلبية تجاه هذة الفتاة / الدكتور / السيدة ، تعجبت جداً عندما وجدت نفسى الأسبوع الماضى أسرع للوصول للقاعة حتى لا يفوتنى أى جزء من المحاضرة ، وتعجبت عندما وجدت نفسى أستمع بإندماج للشرح الذى يزيد الأمور تعقيداً ، وأتابع بتلهف الكلمات التى لا تمت للعلم بأى صلة ؛ كانت الدكتور تحدثنا عن الإلتزام الدراسى وكيف أنها كانت "الأول على الدفعة" ، وكيف رفضت أن تتغيب عن إمتحان العملى رغم أنها كانت مصابة بكسر فى القدم ، ما كان أى من أصدقائى ليخاطر بأن يحكى لى هذة الأشياء لأنى بالتأكيد كنت سأصفعه بأقرب ما تصل إليه يدى ، لكنى إستمعت للدكتور بينما هرمونات الإنشكاح تتدفق إلى رأسى .

_____________

العام الماضى كانت هناك فتاة شعرت أنها مختلفة عن الأخريات ، لا أدرى ما وجه الإختلاف ، ربما هو ذالك الحرف الناقص فى لسانها والذى يضفى لكنة فرنسية على بعض كلماتها ، أو هدوئها المفرط الذى لا يوحى بأى تفاصيل ، أو وجهها الذى يشبه الصفحة البيضاء المتأهبة كى يُكتب عليها الشعر بالشفاه .

عندما تكلمت معها ؛ إكتشفت أنها من محبى مبارك ، ترى أن احمد شفيق رجل وطنى والثورة قلة أدب والثوار مش متربيين ، فجأة تحولت لكنتها الفرنسية فى أذنى إلى عاهة مستديمة ، وهدوئها شلل نصفى ، ووجهها عملة معدنية تعرضت للدهس .

______________

نظام الساعات المعتمدة يتيح لك إختيار الدكتور الذى تدرس معه المادة ، فى أول عام جامعى لى كنت أدرس اللغة الإنجليزية مع دكتور تتمتع بشخصية رائعة ، كانت محاضرة اللغة الإنجليزية بالنسبة لى وقت ترفيهى أفضل من أى شئ ، رغم أنى لم أحضر الإختبار الشفوى ، ولم أحضر ملف العمل ، وكتبت فى الإختبار النهائى عن باريس بدلاً من القاهرة كما كان مطلوب ، إلا أنى تخطيت المادة بدرجات مرتفعة ، أعتقد أن الدكتور كانت تمتلك الحاسة التعليمية .

هذا العام أدرس اللغة الإنجليزية مع دكتور على وشك أن تجعلنى أكره اللغات بمختلف أشكالها ، المحاضرة تحولت إلى عقاب لدرجة أنى حاولت أن "أخلع" أمس لكنى أخطأت فى إختيار "حجة الخلعان" ؛ طلبت منها الإذن بالخروج لأن عندى موعد مع الدكتور "س" ، فاجأتنى بالرد : لكن الساعة الآن الرابعة عصراً والدكتور "س" يغادر فى الثانية ! ؛ قلت لها أن الموعد ليس مع الدكتور لكن مع سكرتيرته !
بالمناسبة سكرتيرته جميلة ..
لكن الدكتور ردت بصرامة : السكرتيرة أيضاً إنصرفت .
حسناً أنا مصاب بالكلى والآن هو ميعاد الغسيل الكلوى ، أيمكن أن أخرج الآن ؟
قلت هذة الجملة وأسرعت إلى مقعدى قبل أن أسمع الرد .

_______________

تعرفت منذ أسبوعين على فتاة عبر الإنترنت ، مثقفة جداً بشكل إستثنائى ، تتحدث بلباقة وذكاء ، تحاورنا لأكثر من أربع ساعات وهو ما لا يحدث عادةً ، عرفنا الكثير من الأشياء عن بعضنا ، عندما سألتها : هل سنلتقى ثانيةً ؟
ردت : ما رأيك أن لا نلتقى ونجعل لقاءنا ذكرى المرة الواحدة ، ربما إن تقاربنا أكثر من هذا نفقد التشويق ، لنجعل من أنفسنا ذكريات .

الفكرة جميلة وافقت عليها ، بعد شد وجذب وإقتراحات وتعديلات إتفقنا أن نلتقى مرة ثانية بعد عام ، ونرى هل سنذكر هذا الموعد البعيد أم لا .

لم أشأ أن أنهى اللقاء الجميل ببساطة ، أطلقت إليها بعض الكلمات : لو كنت معى الآن لأعطيتك فى شفتك قبلة لا تنسيها أبداً ولو بعد ألف عام .
ردت الفتاة بأن كلماتى هذة أصابتها بالذهول والحزن "لا أدرى مدى صحة هذا" ، وأنها ربما تعيد النظر فى إعادة تفعيل العلاقة العابرة بعد عام ، لكنى أقنعتها أن كل شئ على ما يرام .

وبعد يومين وصلتنى رسالة على الفيسبوك : أعتقد أنك أخطأت بشدة ، لن نلتقى ثانيةً إلى الأبد ، إنتهى !

لا أعتقد أننا سننسى توافقنا العقلى / الروحى أبداً ، لكنه تأثير الكلمات يصيب الآخرين بالتوتر .

_______________


حياتى بين الكتابة والقراءة وأشياء أخرى لا تتعدى كونها مجرد أشكال مختلفة لنفس المادة ، تماماً مثل المادة الفعالة التى توجد فى العديد من الأشكال الصيدلية .


عمر أبوالنصر
1/10/2012
4.31 AM